فشل حل الأزمة المصرية يقلق الغرب.. والحكام الجدد لا يرون فائدة من الحوار مع «الإخوان»

مصادر حكومية لـ «الشرق الأوسط»: القاهرة لم تطلب وساطة من أحد

الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور ونائبه محمد البرادعي ورئيس الوزراء حازم الببلاوي ووزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي ووزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم خلال صلاة العيد بمسجد القوات الجوية في القاهرة أمس (أ.ف.ب)
TT

عبرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن قلقلهما وانزعاجهما لعدم توصل الأطراف في مصر إلى مخرج من الطريق المسدود الذي وصلت إليه الأمور خلال المحادثات لنزع فتيل الأزمة السياسية في البلاد، في وقت كشف فيه وزير خارجية هولندا، فرانز تيمرمانز، بعد لقائه كبار القيادات في السلطة بمصر، عن أن الوساطة الدبلوماسية «فشلت في كسر الجمود السياسي، لأن الحكام الجدد للبلاد لا يرون أي فائدة من الحوار مع جماعة الإخوان المسلمين»، التي ينتمي إليها الرئيس السابق محمد مرسي.

وقالت مصادر الحكومة المصرية إن القاهرة لا تفضل التعليق على «القلق الأميركي الأوروبي» تجاه الأوضاع الداخلية في البلاد، لأن «مصر أدرى بمصالحها وأدرى بما ينبغي عليها القيام به»، وأضافت أن الوفود الأجنبية التي زارت العاصمة المصرية طيلة الأيام الأخيرة لم يكن مطلوبا منها تقديم وساطة، ولكنها هي التي طلبت الحضور لمصر لمعرفة ما يدور، فقلنا لهم أهلا وسهلا لأنه ليس لدينا ما نخفيه.

وأعلن كل من وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون، في بيان مشترك الليلة قبل الماضية أنه «رغم تجنب المزيد من المواجهات الدموية حتى الآن (بمصر).. فما زلنا نشعر بالقلق والانزعاج لعدم توصل زعماء الحكومة والمعارضة حتى الآن إلى سبيل لحل الأزمة الخطيرة والاتفاق على تنفيذ إجراءات ملموسة لبناء الثقة».

وزار مبعوثون من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وقطر والإمارات القاهرة لعدة أيام في محاولة لحل الأزمة، لكن الحكومة والرئاسة قالتا إن هذه المساعي فشلت. وردت واشنطن بالقول على لسان المتحدثة باسم الخارجية، جين ساكي، إنها قلقة من وصف جهود الوفود الأجنبية بالفشل، وأن الوقت الراهن يتطلب البدء في حوار يمكن أن يساعد في إعادة الهدوء في الأجل الطويل. بينما أجاب الوزير الهولندي، تيمرمانز، عن سؤال لوكالة «رويترز» أمس عن سبب فشل الدبلوماسية، بقوله: «بعد أن تحدثت إلى الرئيس المؤقت ورئيس الوزراء ووزير الخارجية، انطباعي أنهم ببساطة لا يرون أي فائدة في هذه المرحلة من الحوار مع جماعة الإخوان».

وعزل الجيش الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لـ«الإخوان»، في الثالث من يوليو (تموز) الماضي. وألقي القبض عليه وعلى مساعدين له وكذلك على قيادات في جماعة الإخوان، لكن ألوفا من مؤيدي الجماعة ما زالوا يعتصمون في ساحتي رابعة العدوية ونهضة مصر، بالقاهرة والجيزة، للمطالبة بإعادة مرسي إلى منصبه. وتصف جماعة الإخوان ما جرى من عزل للرئيس بأنه «انقلاب عسكري»، وتقول إنها «لن تتوقف عن التمسك بالشرعية وبعودة الرئيس المنتخب (مرسي)»، وهو أمر يبدو وفقا لمجريات الواقع الجديد ضربا من الخيال، وفقا لمصادر حكومية مصرية.

وقتل ما يقرب من 300 شخص في أعمال عنف سياسي منذ الإطاحة بمرسي، بينهم 80 يعتقد أنهم سقطوا برصاص قوات الأمن في حادث واحد يوم 27 من يوليو (تموز)، رغم وجود روايات ومقاطع فيديو تتحدث عن وقوع القتلى خلال فوضى عارمة أثناء مهاجمة أنصار لمرسي لدار الحرس الجمهوري شرق القاهرة.

وقال مصدر دبلوماسي غربي لـ«الشرق الأوسط» إن «الولايات المتحدة وأوروبا وأطراف دولية أخرى تعول على توصل الأطراف المصرية المتنازعة إلى حل يجنب البلاد الواقعة على الممر الملاحي الدولي في قناة السويس الانزلاق في موجة من العنف والعنف المضاد، خصوصا في القاهرة وسيناء المجاورة لإسرائيل ومنطقة الصعيد التي تشهد تحريضا من أنصار مرسي ضد المسيحيين المصريين، بالإضافة إلى أن البلاد تواجه غموضا في مستقبلها الاقتصادي رغم المساعدات العربية الضخمة التي أسهمت في إنعاش الاحتياطي النقدي لأول مرة منذ شهور».

ودخلت الأزمة السياسية في مصر مرحلة جديدة متوترة منذ يوم الأربعاء الماضي بعد انهيار جهود الوساطة الدولية وتهديد الحكومة مجددا بالتحرك ضد اعتصامات «الإخوان». وقال البيان الأميركي الأوروبي الصادر الليلة قبل الماضية إن «الوضع لا يزال هشا للغاية ولا يهدد بمزيد من إراقة الدماء والاستقطاب فحسب وبل ويعوق الانتعاش الاقتصادي الضروري لنجاح العملية الانتقالية في مصر».

وغادر عدد من المسؤولين الغربيين القاهرة يومي أمس وأول من أمس دون الوصول إلى نتائج تذكر. وأعقبتها الرئاسة المصرية بالقول إن جهود التوصل إلى حل قد فشلت، وحملت جماعة الإخوان مسؤولية هذا الفشل، بينما شدد الرئيس المؤقت عدلي منصور على أن بلاده ماضية قدما وبكل إصرار نحو تحقيق النتائج المرجوة من خارطة المستقبل. وهي الخارطة التي جرى على أساسها عزل مرسي مطلع الشهر الماضي، وتضمنت وضع دستور للبلاد وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال تسعة أشهر. وقال منصور في كلمة للمصريين بمناسبة عيد الفطر الليلة قبل الماضية إن مصر تمر بمرحلة حرجة، وإن «قطار المستقبل انطلق وعلى الجميع إدراك اللحظة واللحاق به وعلى من يتخلف عن إدراك تلك اللحظة أن يتحمل مسؤولية قراره».

وغادر القاهرة أول من أمس المبعوث الأميركي، ويليام بيرنز، عائدا إلى بلاده بعدما حاول على مدى أيام الوصول إلى حل وسط بين الحكومة و«الإخوان»، وبينما بقي مبعوث الاتحاد الأوروبي برناردينو ليون في العاصمة المصرية حتى أمس للغرض نفسه، أعربت بروكسل عن قلقها البالغ إزاء انهيار المحادثات بين الفرقاء المصريين.

واستقل وزير الخارجية الهولندي الطائرة من القاهرة متوجها إلى بلاده بعد زيارة استمرت يومين التقى خلالهما مع الرئيس منصور ورئيس الوزراء حازم الببلاوي ووزير الخارجية نبيل فهمي وعددا من المسؤولين وممثلي القوى السياسية. وأكد في تصريح وزعته السفارة الهولندية، أن مستقبل مصر يهم الأوروبيين بصفتهم جيرانا لها، موضحا أن الهدف من زيارته هو دعم الجهود الكبيرة التي بذلها الاتحاد الأوروبي وجهات دولية أخرى فاعلة لإيجاد سبيل لبدء حوار بين كل الأطراف.

وأضاف أنه تحدث بكل إخلاص مع المسؤولين المصريين وغيرهم ممن التقاهم في القاهرة بشأن ضرورة أن يضع الجميع مستقبل مصر أولا نصب أعينهم، بما يتضمنه من دستور يشعر المصريون بأنهم ممثلون فيه، وإجراء انتخابات حرة ذات مصداقية، مشيرا إلى أن مصر تواجه وضعا سياسيا متوترا.. ومع ذلك فإن العنف ليس هو الحل للأزمة الراهنة. وقال إن هناك الكثير من عدم الثقة بين مختلف الأطراف، مطالبا اللاعبين الرئيسيين في مصر الآن بضرورة العمل لإيجاد حل سلمي.

وأضاف تيمرمانز في تصريحات لاحقة: «ما أراه هو أن المواجهة تتصاعد وأن المزيد من الناس سينزلون إلى الشوارع للاحتجاج وسيتزايد التوجه في القوات المسلحة لكبح ذلك»، معربا عن اعتقاده أن «هناك ما يدعو للقلق بشأن الأيام والأسابيع المقبلة». وأشار إلى أن ما سيحدث في مصر، أيا كان، ستكون له آثار على الدول العربية التي تكافح من أجل الديمقراطية.

وقالت مصادر الحكومة المصرية إن زيارات الوفود الأجنبية للقاهرة في ظل الأزمة الراهنة «مسموح بها لأنه ليس لديها ما تخفيه»، لكن «القرار النهائي بشأن معالجة الأزمة قرار مصري». ومن جانبه أعلن السفير بدر عبد العاطي، المتحدث باسم وزارة الخارجية، أمس أن الوزارة تركز على شرح ونقل صورة الثورة الحقيقية للعالم الخارجي وحشد التأييد السياسي والاقتصادي، وأن وزير الخارجية نبيل فهمي قام بإجراء اتصالات تليفونية مع أكثر من 53 وزير خارجية من دول العالم المختلفة.