اختطاف طيارين تركيين في لبنان لمبادلتهما بتسعة لبنانيين في سوريا

ممثل لأهالي مخطوفي أعزاز: لسنا مسؤولين.. لكن أنقرة لا تفهم إلا هذه اللغة

رجال أمن لبنانيون يحرسون مدخل فندق راديسون مارتينيز أمس حيث يقيم أعضاء طاقم الخطوط الجوية التركية في لبنان وفي الاطار صورة للطيارين التركيين المخطوفين في لبنان مراد أكبينار (يمين) ومساعده مراد أغا (أ.ف.ب)
TT

اختطف مسلحون لبنانيون أمس طيارا تركيا ومساعده على طريق مطار بيروت الدولي، مطالبين بإطلاق سراح 9 لبنانيين شيعة يحتجزهم مسلحون سوريون منذ أكثر من سنة في منطقة يعتقد أنها قريبة للحدود التركية في بلدة أعزاز في حلب.

وفيما بدا أن الخاطفين يريدون الضغط على الحكومة التركية التي يحملها أهالي المخطوفين «مسؤولية مباشرة» في هذا الملف، دعت أنقرة رعاياها إلى مغادرة لبنان حفاظا على سلامتهم، فيما استغرب مسؤول تركي تحميل بلاده المسؤولية قائلا إن «الخاطفين سوريون والمخطوفين لبنانيون»، مشيرا في اتصال مع «الشرق الأوسط» إلى أن بلاده «قامت بما في وسعها، لكنه هناك حدود لقدرتها في هذا الملف». وأعلن المتحدث باسم الخارجية التركية ليفنت جمركجي أن بلاده تسعى مع السلطات اللبنانية لإطلاق سراح المخطوفين. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الخارجية التركية تتحرك من أجل استيضاح الظروف.

وفي رسالة واضحة تربط بين الخطف، وقضية اللبنانيين في أعزاز، قال بيان مقتضب للخاطفين وزعته وكالة الأنباء الرسمية اللبنانية «أمان ربي أمان... بيرجع زوار بيطلع قبطان»، والمقصود هنا زوار «العتبات الشيعية» التسعة المتبقين لدى الخاطفين السوريين بعد فشل مساع لبنانية قام بها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لدى السلطات التركية بإطلاق المحتجزين، على الرغم من إطلاق السلطات السورية سراح عشرات من النساء المؤيدات للمعارضة بناء على وساطة إبراهيم نفسه. وجاء في بيان أصدره الخاطفون أن قائد الطائرة ومساعده «سيظلان ضيفين على الجماعة حتى يتم إطلاق سراح أشقائنا الذين خطفوا في أعزاز».

وقالت الجماعة إنها تحمل تركيا مسؤولية مصير اللبنانيين الشيعة الذين كانوا بين 11 رجلا خطفهم مقاتلون سنة من المعارضة السورية في مايو (أيار) العام الماضي من بلدة أعزاز الشمالية القريبة من تركيا.

وأعلن وزير الداخلية اللبناني مروان شربل أن أجهزة الأمن تلاحق خاطفي الطيار التركي ومساعده. وكشف شربل أن عملية الخطف وقعت عند الثالثة من فجر أمس بتوقيت بيروت، مشيرا إلى أن «أجهزة الأمن تقوم الآن بالتحقيقات اللازمة لمعرفة ملابسات الحادثة وملاحقة الخاطفين علما أنه تم توقيف سائق الباص على ذمة التحقيق».

وذكرت الشرطة اللبنانية أن مسلحين مجهولين أوقفوا حافلة تابعة لشركة الطيران التركية قرب مطار بيروت الدولي حيث اختطفوا اثنين من العاملين بالشركة. وأضافت الشرطة أن ستة مسلحين على الأقل كانوا يستقلون سيارتين اعترضتا قرب جسر الكوكودي جنوبي بيروت حافلة كانت تقل طاقما كاملا لطائرة تركية تابعة لشركة الطيران التركية وقاموا بخطف الطيار ومساعده. وصرح السفير التركي في بيروت إنان أوزيليدز الذي قطع إجازته في تركيا وعاد إلى لبنان بأنه يأمل في أن تعمل سلطات البلاد من أجل إطلاق سراحهما.

وذكرت الوكالة أنه كان هناك ستة ركاب آخرين على متن الباص هم الطاقم الكامل لطائرة تركية كانت حطت صباح أمس (الأول) في المطار، وقد اكتفى المسلحون بخطف الطيار ومساعده، فيما قامت الأجهزة الأمنية بالاستماع إلى إفادة سائق الباص ماهر زعيتر، الذي أكد أنه لم يستطع الهرب من المسلحين خوفا من إطلاق النار. وقد سيرت الأجهزة الأمنية دوريات في المنطقة، وانتشر الجيش على مدخل جسر الكوكودي حيث جرت العملية واتخذ إجراءات أمنية مشددة.

وباشرت السلطات التركية اتصالات عالية المستوى مع المسؤولين اللبنانيين لحثهم على المساعدة في إطلاق المخطوفين، فاتصل الرئيس التركي عبد الله غل بالرئيس اللبناني ميشال سليمان، وبرئيس الحكومة نجيب ميقاتي. وقال الرئيس التركي: «تم إجراء اتصالات فور وقوع الحادث، ولدينا بعض التكهنات بشأنه وآمل أن يصل الطياران قريبا إلى أرض الوطن سالمين معافين». كما اتصل وزير الخارجية أحمد داود أوغلو برئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان ساعد الأتراك في عملية إطلاق سراح مواطنين أتراك اختطفتهم مجموعة لبنانية للسبب نفسه قبل نحو سنة، بالإضافة إلى اتصال أجراه بميقاتي. وأكد ميقاتي لداود أوغلو «إن جميع الأجهزة الأمنية اللبنانية مستنفرة للبحث عن المخطوفين وإطلاق سراحهما»، واعتبر أن «أعمال الخطف مرفوضة أيا تكن تبريراتها، وأن معالجة أي قضية إنسانية محقة لا يمكن أن تتم على حساب النيل من هيبة الدولة وسلطة القانون وكرامة الإنسان». وشدد ميقاتي على «وجوب تضافر كل الجهود لإنهاء هذه القضية ومعالجة مسبباتها» في إشارة واضحة إلى قضية المخطوفين اللبنانيين.

وأكّد شربل لـ«الشرق الأوسط» أن «القوى الأمنية تقوم بمهمتها للتوصل إلى الجهة الخاطفة وملاحقتها»، مستبعدا أن يكون كل الرعايا الأتراك في لبنان مستهدفين و«الدليل أنّه كان هناك 6 آخرون في الباص ولم يتم خطفهم». وعما إذا كانت هناك أدلة تشير إلى أنّ لأهالي المخطوفين علاقة بالأمر قال «لا أستطيع أن أؤكد أو أنفي الأمر، نقوم بتنفيذ المداهمات في المناطق المشبوهة ولا نريد أن نضيع البوصلة كي لا نخطئ الهدف».

في موازاة ذلك، وفي وقت لوحظ فيه انتشار أمني في بعض مناطق العاصمة ولا سيما في محيط الفنادق تخوفا من أي عملية أخرى تستهدف الرعايا الأتراك، أكّدت معلومات صحافية، أن الوحدة التركية العاملة في إطار قوات الطوارئ الدولية (يونيفيل) والمتمركزة في «الشعيتية» جنوب صور، قد رفعت أمس التدابير الأمنية الاحترازية حول مقرها العام بعد الإعلان عن خبر اختطاف المواطنين التركيين في بيروت، وذلك تحسبا لأي خطوات جديدة تستهدف المصالح التركية لا سيما بعد تلقيها تحذيرات من سفارة بلادها في بيروت بضرورة تشديد الإجراءات الأمنية.

وفي هذا الإطار، رأى شربل في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنه لا خطر على «اليونيفيل» ومؤكدا أنّه وفق الأرقام الموجودة لدى الأمن العام اللبناني، هناك أكثر من 300 سائح تركي موجودون في لبنان وهناك وفود أخرى مقبلة في الأيام المقبلة، مشيرا كذلك إلى أنّ هناك دوريات دائمة للقوى الأمنية تتنقل في محيط الفنادق لطمأنة السياح في لبنان.

ونفت عائلات المخطوفين، أي علاقة بالحادثة، لكنها رحبت بعملية الخطف، في خطوة أثارت استياء تركيا. وقال المتحدث باسم أهالي المخطوفين في أعزاز دانيال شعيب إن «أهالي المخطوفين اللبنانيين لم يقوموا بعملية خطف التركيين»، موضحا أنه «قبل يومين كنا نخطط في اجتماعات للقيام بعمل ما في هذه القضية، ولكننا لسنا نحن من قام بهذا العمل». وأوضح أن «تركيا مسؤولة عن عملية الخطف وأرى أن هذه العملية قد تكون إيجابية في مسألة المخطوفين»، منوها إلى أنه «ضد أعمال الخطف». ونفى الشيخ عباس زغيب المكلف من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى متابعة قضية المخطوفين، أي علاقة للأهالي بعملية الخطف، مؤكدا أنهم لو قاموا بهذه الخطوة لأعلنوا ذلك. وقال لـ«الشرق الأوسط» «لغاية الآن لم يتسن لنا معرفة هوية الخاطفين ونبذل جهودنا للتواصل معهم والاطلاع منهم على الأهداف الكامنة وراء خطف التركيين». ورأى زغيب أنّه قد يكون لهذه العملية دور إيجابي في إنهاء قضية مخطوفي أعزاز لأن الأتراك لا يفهمون إلا بهذه اللغة، مستبعدا أن تنعكس سلبا على المفاوضات بشأن القضية، سائلا «مضت سنة ونصف السنة على خطف اللبنانيين ماذا يمكن أن يحصل أسوأ من ذلك؟».

وفي المقابل، رأى كبير مستشاري الرئيس التركي إرشاد هورموزلو أن ترحيب أهالي المخطوفين بعملية الخطف «أمر مؤسف ومستغرب»، موضحا لـ«الشرق الأوسط» أن بلاده «قامت بكل ما في وسعها، لكنه هناك حدود لإمكاناتها». ورفض «إقحام تركيا في هذا الموضوع كأنها طرف». وأضاف: «نحن واثقون من تعاطف الإخوان في لبنان وجهودهم لإطلاق المخطوفين، علما أن تركيا بذلت ما في وسعها لإطلاق اللبنانيين». وناشد الخاطفين إطلاق الطيارين التركيين، كما ناشد الخاطفين السوريين إطلاق اللبنانيين التسعة، معتبرا أن «ثقافة الخطف تسيء إلى صورة لبنان، وإلى صورة المسلمين». ورأى هورموزلو أن من خطفوا المواطنين الأتراك هم نفسهم من قاموا بذلك في وقت سابق، معتبرا أن المنظمة التي أعلنت مسؤوليتها «وهمية».