أوباما يعلن إلغاء «النجم الساطع» وأوروبا تستدعي سفراء مصر

«اجتماع أزمة» أوروبي.. والعالم يدعو لرفع الطوارئ وتحقيق حول ملابسات الأحداث

عمال نظافة يزيلون أمس ما تبقى من آثار اعتصام «رابعة العدوية» عقب فضه من قبل قوات الأمن (أ.ب)
TT

صعدت أمس عدد من العواصم العالمية من ردود أفعالها تجاه ملابسات عملية فض اعتصامي أنصار جماعة الإخوان المسلمين في مصر صباح أول من أمس، وما صاحبها وتلاها من أحداث عنف أسفرت عن مقتل وإصابة المئات. وتعددت أمس حالات استدعاء سفراء مصر لدى الدول الغربية للإعراب عن ضرورة وقف العنف ورفع حالة الطوارئ التي أعلنتها السلطات المصرية عصر الأربعاء، وتجنب إراقة مزيد من الدماء.

وبينما كان رد فعل واشنطن هو الأكثر حدة حتى الآن، إثر إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس عن إلغاء بلاده مناورات «النجم الساطع» العسكرية المشتركة مع مصر، المقرر القيام بها الشهر المقبل.. أعلنت الدنمارك عن تعليق مساعدتها لمصر، بينما يعتزم وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بحث الوضع المصري خلال اجتماع يعقد الأسبوع المقبل، ودعت تركيا مجلس الأمن الدولي إلى الاجتماع «سريعا» لبحث الوضع.

وألقى الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس كلمة بشأن الوضع في مصر، من مقر عطلته الصيفية في ولاية ماساتشوستس. وذلك عقب انتقادات وجهتها أبرز الصحف الأميركية لإدارته، حيث اعتبرت «واشنطن بوست» أنها «متواطئة» مع السلطات المصرية في قمع أنصار الرئيس الإسلامي المعزول محمد مرسي، فيما دعت «نيويورك تايمز» أوباما إلى الجهر بـ«معارضة لا لبس فيها لتصرف الجيش المصري»، داعية أيضا إلى «التعليق الفوري للمساعدة العسكرية (للقاهرة) وإلغاء المناورات المشتركة المقررة في سبتمبر (أيلول) المقبل» بين الولايات المتحدة ومصر.

وهو ما يتسق مع تصريحات أخرى لمسؤول أميركي تحدث لوكالة «رويترز» مساء الأربعاء شريطة عدم الكشف عن هويته، قائلا إن احتمال إلغاء مناورات «النجم الساطع» العسكرية المشتركة، التي تجرى كل عامين، نوقش أثناء اجتماع بين مسؤولين كبار من وكالات الأمن الوطني الأميركية الرئيسة.

وحسم أوباما الأمر في كلمته، إذ أعلن عن إلغاء بلاده مناورات «النجم الساطع»، وتابع قائلا: «تعاوننا التقليدي لا يمكن له أن يستمر كالمعتاد بينما يقتل المدنيون في الشوارع».. منددا بتدخل قوات الأمن المصرية لفض اعتصامين لأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، ومشيرا إلى أن بلاده ستعيد النظر في خطوات أخرى في علاقتها مع مصر؛ لكنه لم يشر بشكل مباشر إلى وضع مساعدات أميركية لمصر تقدم سنويا بقيمة تزيد عن مليار دولار.

وقال أوباما: «تندد الولايات المتحدة بشدة بالخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية المؤقتة وقوات الأمن». وأضاف: «نحن نأسف لاستخدام العنف ضد المدنيين، وندعم الحقوق العالمية التي لا غنى عنها للكرامة الإنسانية بما في ذلك الحق في الاحتجاج السلمي».

في غضون ذلك، استدعت كل من باريس ولندن وبرلين سفراء مصر لديها احتجاجا على فض الاعتصامات. بينما طالبت المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة نافي بيلاي، في بيان صدر في جنيف أمس بأنه «ينبغي (إجراء) تحقيق مستقل، محايد، فعلي، وذي صدقية حول سلوك قوات الأمن»، مشددة على وجوب «محاسبة جميع من تثبت إدانتهم» في هذه الأحداث.

وحث الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أمس السلطات المصرية على اتخاذ كافة التدابير الممكنة «لتجنب الوقوع في حرب أهلية»، وذكرت الرئاسة الفرنسية في بيان لها أن هولاند «يدين بمنتهى القوة العنف الدموي الذي وقع في مصر، ويطالب بوقف فوري للقمع». وأضاف البيان: «وأكد الرئيس على ضرورة عمل كل ما هو ممكن لتجنب نشوب حرب أهلية»، مشيرا إلى إطلاق سراح «السجناء السياسيين» كخطوة أولى ممكنة لاستئناف الحوار.

كما دعا هولاند إلى سرعة إلغاء حالة الطوارئ التي تم فرضها أول من أمس، وطالب باتخاذ الخطوات اللازمة لضمان سلامة المواطنين والدبلوماسيين الفرنسيين.. وجاء في بيان صادر عن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن فرنسا تدعو «كل الأطراف إلى فتح حوار من دون تأخير تشارك فيه مجمل القوى السياسية المصرية لإيجاد حل ديمقراطي لهذه الأزمة الخطيرة»، مؤكدا أن فرنسا «تكرر استعدادها الفوري لتسهيل هذا الحوار».

كما أعلنت الخارجية البريطانية أمس أنها استدعت السفير المصري في لندن لتعرب له عن «قلقها الشديد»، داعية السلطات إلى التحرك «بأكبر قدر من ضبط النفس». فيما قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الأربعاء إن مصر بحاجة «لانتقال حقيقي إلى ديمقراطية حقيقية».. «وهذا يعني التوصل لتسوية من جانب كل الأطراف.. من مؤيدي الرئيس مرسي وكذلك من الجيش. هذا هو ما يجب أن يحدث. لا نؤيد هذا العنف وندينه تماما. لن يحل المشكلة».

من جهته، قال وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله، على هامش زيارته الحالية لتونس: «أعتقد أنه يكون من المنطقي الآن أن يجتمع الممثلون الأوروبيون والدول الأوروبية سريعا، وربما يكون ذلك على المستوى الوزاري»، موضحا أنه من الممكن أن يتم التشاور خلال الاجتماع حول نهج مشترك للاتحاد الأوروبي إزاء الأزمة في مصر. وتابع قائلا: «هذا لأننا نتحدث هنا عن جوار أوروبا، وليس هذا الأمر في أي مكان، بل في جوارنا».

وعلى الصعيد ذاته، أعلنت وزيرة الخارجية الإيطالية إيما بونينو أمس اعتزام وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بحث الوضع المأساوي في مصر خلال اجتماع يعقد يوم الاثنين أو الثلاثاء المقبلين. وأضافت بونينو أن هناك مشاورات مستمرة بين الشركاء الأوروبيين حول الوضع في مصر، مشيرة إلى أن محاولة جرت بالمشاركة مع الولايات المتحدة للتوسط في الأزمة المصرية لكن الجيش المصري رفض ذلك.

في غضون ذلك، أعلنت الدنمارك أمس تعليق مساعدتها لمصر. وقال وزير المساعدة على التنمية كريستيان فريس باخ لصحيفة «برلينجسكي»: «للدنمارك مشروعان بتعاون مباشر مع الحكومة والمؤسسات العامة المصرية سيتم تعليقهما». وأضاف أنه «رد فعل على الأحداث الدامية والمنعطف المؤسف للغاية الذي اتخذه التطور الديمقراطي».

والمبالغ المعنية ليست كبيرة إذ إن كوبنهاغن تشارك بمبلغ 30 مليون كورونا (4 ملايين يورو) في مشروعين، واحد لمنظمة العمل الدولية والثاني للبنك الدولي.

كما لمح روبرشت بولنتس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الألماني (بوندستاغ)، إلى إمكانية قيام برلين بتعليق مؤقت للتعاون المالي والاقتصادي مع القاهرة. وقال في مقابلة مع صحيفة «تاغس شبيغل» الألمانية الصادرة اليوم إن هناك سؤالا يثور حول ما إذا كانت هناك مجالات للتعاون مع القاهرة يمكن تعليقها بشكل مؤقت «لإرسال إشارة».

من جانبه، قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان للصحافيين في أنقرة أمس إن «على مجلس الأمن الدولي أن يجتمع سريعا لبحث الوضع في مصر»، معتبرا أن على جميع الدول الأعضاء أن تعطي الضوء الأخضر لمثل هذا الاجتماع.

وأضاف في مطار العاصمة التركية قبل أن يغادر في زيارة عمل لتركمانستان أن «الذين لا يقولون نعم لمثل هذا الاجتماع لن يتمكنوا يوما من تبرير قرارهم أمام التاريخ». مطالبا المجتمع الدولي عموما بأن «يتحرك» فورا من أجل تفادي مزيد من إراقة الدماء في مصر.

وتأتي تلك المواقف بالتزامن مع تأكيدات لدبلوماسيين غربيين أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واصلا إرسال رسائل منسقة إلى قائد القوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي ونائب الرئيس المؤقت محمد البرادعي، حتى اللحظات الأخيرة، للتحذير من استخدام القوة في فض الاعتصامات.

وقال مبعوث الاتحاد الأوروبي برناردينو ليون الذي شارك في قيادة مساعي الوساطة مع نائب وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز: «كانت لدينا خطة سياسية على الطاولة قبلها الطرف الآخر (الإخوان المسلمون)»، بحسب ما نقلته «رويترز» أمس.

وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري صريحا بصورة غير معتادة في إدانة فرض حالة الطوارئ. وقال مساء أول من أمس: «في كل مناسبة في الأسبوع المنصرم.. قمنا نحن وغيرنا بحث الحكومة على احترام حقوق حرية التجمع وحرية التعبير عن الرأي، وحثثنا أيضا كل الأطراف على حل هذه الأزمة سلميا وأكدنا أن المتظاهرين يجب أن يتجنبوا العنف والتحريض».

وقال دبلوماسيون إن بعضا من أكثر الرسائل الأميركية حزما نقلت بصورة شخصية إلى السيسي في مكالمات هاتفية شبه يومية من وزير الدفاع تشاك هيغل.