الحكومة اللبنانية تواجه تعقيدات إضافية بعد تقلص تشكيل «حكومة حيادية»

نصر الله هدد بأن «الحيادية تشطب نصف البلد»

TT

دخل تشكيل الحكومة اللبنانية في نفق جديد، بعد تعثر خيار تأليف «حكومة حيادية» نظرا للرفض القاطع الذي أبداه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، بقوله إن الرئيس اللبناني ميشال سليمان يكون قد أخطأ كثيرا إذا وقع على حكومة حيادية «تشطب نصف البلد».

وفرضت مواقف نصر الله معادلة جديدة توحي بمنع حزب الله قيام حكومة من هذا النوع، من غير المشاركة بها، في حين قرأت بعض قوى 14 آذار العبارة المقتضبة على أنها «تهديد جديد بالقمصان السود»، في إشارة إلى حادثة نشر حزب الله شبانا بقمصان سوداء والتي سبقت تسمية رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط رئيس حكومة تصريف الأعمال السابق نجيب ميقاتي لمنصبه، بغرض كسب تأييده وترهيبه.

ويصر حزب الله على المشاركة في الحكومة، رافضا العرض الذي قدمه رئيس الحكومة السابق رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري، القاضي بإحجام الطرفين عن المشاركة، إذ اعتبر نصر الله أن «الكلام عن حكومة حياديين هو احتيال»، مشددا على أن «الظرف في البلد يفترض حكومة وحدة وطنية حقيقية».

لكن هذه الحكومة تعثر تشكيلها، منذ تكليف الرئيس تمام سلام بتأليفها في شهر أبريل (نيسان) الماضي، نظرا إلى ثلاثة شروط وضعها، تتمثل في رفضه توزير حزبيين، وأسماء استفزازية، وإصراره على عدم منح «الثلث الضامن» لأي من الأطراف، مؤكدا أن وجوده هو الثلث الضامن. وأكدت مصادر مواكبة لعملية التأليف لـ«الشرق الأوسط» أن سلام «يصر على تشكيل حكومة مصلحة وطنية، ولا يزال متمسكا بالشروط التي وضعها».

ولم يطرح سلام تشكيل حكومة حيادية كان الرئيس اللبناني قد دعا لتشكيلها إذا تعذر الوفاق على حكومة جامعة، وأيدها النائب جنبلاط للحد من الفراغ في البلاد. وقالت المصادر إن سلام «يؤيد تشكيل حكومة الواقع وليس حكومة أمر واقع»، في حين «يبقى هذا الخيار متاحا، على الرغم من أن الرئيس المكلف لم يتوصل إليه بعد».

ودخلت المشاورات مع الكتل النيابية خلال اليومين الماضيين مرحلة جديدة من الاتصالات لتشكيل حكومة يدرس المعنيون صيغتها. والتقى سلام سليمان، أول من أمس، حيث «اتفقا على متابعة المشاورات والتنسيق لإنضاج حكومة وحدة وطنية»، بحسب مصادر مواكبة لعملية التأليف.

من جهته، أشار عضو كتلة المستقبل النائب عمار حوري إلى أن «رئيس الحكومة المكلف عكس بعد لقائه الرئيس سليمان حجم الجهد الذي يقوم به للوصول إلى المصلحة الوطنية التي تقتضي تشكيل حكومة والتي تقتضي أيضا استنفاد جميع الفرص». ويعتم المعنيون بالملف على السياق التشاوري لإنضاج حكومة تضع حدا للفراغ في البلاد، سواء أكانت حكومة حيادية لا تتضمن حزبيين أو حكومة وحدة وطنية تشارك فيها مختلف الأطراف. وأعاد تصريح نصر الله خلط الأوراق من جديد، ودفع المعنيين إلى إعادة تقييم الوضع من جديد، خلال مهلة أيام قليلة يتوقع أن تنتهي مطلع الأسبوع المقبل، بهدف دراسة تداعيات تشكيل الحكومة، ومحاولة حلحلة تعقيداتها.

وينقسم الفرقاء السياسيون بين متريث قبل إعلان حكومة حيادية، وميال لتشكيلها لإنهاء حالة الجمود في البلد، على قاعدة أن حجة المطالبين بحكومة تكنوقراط أن الخيارات المتاحة أمام حزب الله للرد على تشكيلها «محصورة في الأعمال الأمنية مثل القمصان السود، أو تكرار أحداث 7 مايو (أيار) 2008 حين دخلت عناصر حزب الله إلى بيروت»، كما تقول مصادر مسيحية في 14 آذار لـ«الشرق الأوسط»، مشيرة إلى أن أعمالا مشابهة «من شأنها أن تعزز أدلة قوى 14 آذار على أن الحزب فريق خارج عن الشرعية والقانون».

وأوضحت المصادر أن «قوى 14 آذار اقترحت قبل تشكيل حكومة الرئيس ميقاتي تأليف حكومة تكنوقراط تتولى إدارة البلد، بانتظار تقارب سياسي يسمح بتشكيل حكومة من نوع آخر»، مشيرة إلى «اننا كررنا الأمر نفسه مع استقالة الرئيس ميقاتي». ورأت المصادر أن «الرئيسين سليمان وسلام يحاولان استنفاد كل الخيارات والوقت»، لافتة إلى أنه «مع تسارع التطورات في سوريا لم يعد ممكنا للرئيس سليمان أن ينتظر أكثر، إذ يريد تشكيل حكومة قبل أن يوشك عهده على الانتهاء، تتولى عملية التحضير لانتهاء عهده».

وجددت المصادر دعوتها لتنفيذ هذا المطلب، مشيرة إلى أن «رئيسي الجمهورية والحكومة يدركان أنهما ليس بإمكانهما ترك البلد أكثر من دون حكومة، ويحاولان إقناع الفرقاء الباقيين، لكن للأسف وجه حزب الله تهديدا مباشرا إلى النائب جنبلاط، مما فرمل حراكه، وبالتالي، جمد الفريق المعني بالتشكيل تقدمه بانتظار تطور إقليمي خلال شهر أو أكثر»، في إشارة إلى لقاء المفاوضات المتوقعة بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الملف السوري. وأعربت المصادر عن اعتقادها أنه «بعد تهديد نصر الله، لا تشكيل قريبا لحكومة توافقية، وبالتالي ليس هناك إلا خيار حكومة التكنوقراط».

وفي سياق متصل، شدد عضو كتلة المستقبل النائب محمد قباني على «ضرورة تشكيل حكومة متوازنة بمشاركة الأطراف السياسية مباشرة أو بعدد مشاركتهم جميعا». وإذ لفت إلى أن «الحكومة الحالية هي حكومة أمر واقع، لم يستبعد في حديث إذاعي أن يوقع رئيس الجمهورية على مرسوم هكذا حكومة»، وقال «إن الكلام عن أن هذه الحكومة تفرض على الناس ليس صحيحا، والمطلوب حكومة واقع كما ذكر الرئيس المكلف تمام سلام بالأمس»، وأضاف «يجب إما إشراك الجميع أو عدمه».

وفي ظل هذه الحسابات، دخل خيار الحكومة الحيادية مرحلة أكثر تعقيدا، لناحية التداعيات الأمنية لها، وازدياد الانقسام السياسي اللبناني، علما بأن حكومة من هذا النوع إذا حظيت بتأييد من رئيس الجمهورية وقوى 14 آذار وكتلة النائب جنبلاط، تستطيع أن يمنحها مجلس النواب اللبناني الثقة، وتبدأ في ممارسة مهامها بشكل طبيعي، ذلك أنها تحتاج إلى نصف عدد النواب زائد صوت واحد لتنال الثقة. وإذا لم تحظ بثقة مجلس النواب، بعد توقيع رئيس البلاد ورئيس الحكومة عليها، فإنها، قانونيا، تتحول إلى حكومة تصريف أعمال تتسلم مهام حكومة تصريف الأعمال الحالية، قبل أن يبدأ الرئيس سليمان الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس حكومة آخر.

في المقابل، رأى نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن تشكيل الحكومة «لا يزال في الثلاجة بسبب شروط 14 آذار، ورفضهم لحكومة الوحدة الوطنية، وتفضيلهم الفراغ وتفريغ المؤسسات على الانتظام المتعاون بين قوى المجتمع اللبناني». وأكد أن «يدنا لا تزال ممدودة لكل تعاون يؤدي إلى تنشيط الحركة السياسية ومؤسسات الدولة لمصلحة الناس، ولكن اليد الواحدة لا تصفق».