القضاء المصري يطلب من الداخلية إحضار قادة «الإخوان» المتهمين إلى قاعة المحاكمة

تأجيل قضية مبارك ونجليه والعادلي وستة من مساعديه إلى 14 من الشهر المقبل

الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك خلال نقله أمس من مقر إقامته الجبرية في مستشفى المعادي العسكري إلى مقر محاكمته (أ.ب)
TT

وسط أجواء هادئة بشكل غير متوقع، بدأ القضاء المصري أمس محاكمة نظامين سابقين؛ نظام جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس السابق محمد مرسي، ونظام الرئيس الأسبق حسني مبارك. وحضر مبارك أمس جلسة المحاكمة في شرق القاهرة التي جرى تأجيلها إلى 14 من الشهر المقبل، بينما لم تتمكن الشرطة من إحضار قادة الإخوان المتهمين وعلى رأسهم مرشد الجماعة محمد بديع إلى جلسة المحكمة التي انعقدت بوسط العاصمة، وذلك لـ«دواع أمنية»، إلا أن المحكمة طالبت وزارة الداخلية بضرورة إحضار المتهمين لقاعة المحاكمة، وقررت تأجيل القضية إلى جلسة 29 أكتوبر (تشرين الأول).

ومن بين متهمي «الإخوان»، بديع، ونائباه خيرت الشاطر ورشاد البيومي، وثلاثة قياديين آخرين في الجماعة. وقالت مصادر في الشرطة إن عدم حضور المتهمين المحتجزين في سجن طرة جنوب القاهرة يرجع لأسباب أمنية تخص نقلهم من مقر الاحتجاز بوسط المدينة. وأضافت أن إدارة الترحيلات بوزارة الداخلية لم تتمكن من إحضار المتهمين وقدمت للمحكمة ما يفيد بتعذر إحضارهم في ظل الظروف الأمنية الحالية. وتعيش مصر أجواء مضطربة منذ الإطاحة بمرسي مطلع الشهر الماضي، أدت لمقتل المئات وإصابة الآلاف، مما دفع السلطات إلى فرض حالة الطوارئ وإعلان حظر التجوال في 17 محافظة منها القاهرة والجيزة والإسكندرية.

ويحاكم قادة «الإخوان» بتهم وجهتها لهم النيابة العامة، منها قتل متظاهرين والتحريض على قتل متظاهرين وإمداد الفاعلين الأصليين بالسلاح أمام المقر الرئيس للجماعة في هضبة المقطم جنوب شرقي القاهرة أثناء الاحتجاجات الضخمة المناوئة لـ«الإخوان» والرئيس السابق محمد مرسي المنتمي للجماعة في أواخر يونيو (حزيران) وبداية يوليو (تموز) الماضيين، مما أسفر عن مقتل 9 أشخاص وإصابة 91 آخرين. كما يواجه 30 آخرون تهما مماثلة لكن في قضية منفصلة، وتقرر تأجيلها أيضا. وقالت مصادر قانونية إن قادة «الإخوان» أنكروا التهم الموجهة لهم أثناء تحقيق النيابة معهم في مقر احتجازهم في طرة الأسبوع الماضي.

وقال إبراهيم البسيوني، محامي بديع، إن الاتهامات الموجهة لموكله «ملفقة». بينما أضاف محمد الدماطي، أحد محامي الدفاع عن الإخوان، أنه يدرك عدم إمكانية طلب إخلاء سبيلهم بسبب غيابهم عن جلسة أمس، لكنه يلتمس طلب ذلك من المحكمة. وأضاف أن المتهمين تعرضوا لحملة اعتقالات، مشيرا إلى أن التحقيقات التي جرت مع المتهمين لم تكن تتفق وصحيح حكم القانون والاشتراطات التي حددها قانون الإجراءات الجنائية على وجه التحديد في شأن حقوق المتهم.

إلا أن مصادر حكومية قالت إنها لم تصدر أي قرارات اعتقال، وإن كل من تم توقيفهم جاء اعتقالهم بناء على قرارات من النيابة العامة. واعتبر الدماطي أن احتجاز موكليه على ذمة التحقيقات «اعتقال يرتدي ثوب القانون». وفي بداية جلسة محاكمة «الإخوان» أمس قال المستشار محمد أمين القرموطي، رئيس المحكمة، إن المتهمين مقيدة حريتهم، ووزارة الداخلية تزعم عدم قدرتها على إحضارهم لدواع أمنية، مطالبا الوزارة بإحضار المتهمين للمثول أمامها. وبينما كانت مداولات المحكمة والنيابة والمحامين تجري في مقر دار القضاء العالي، لم يبد أن هناك أي إجراءات أمنية مشددة في محيط المحكمة لا من الشرطة ولا من الجيش، في وقت اتسمت فيه منطقة وسط القاهرة التي يقع فيها مبنى المحكمة بالهدوء على الرغم من أن محاكمة رجل يشغل موقع مرشد الجماعة نادرة الحدوث، ولم تتكرر في تاريخ «الإخوان» منذ إنشائها عام 1928 إلا مرتين في عهدي الرئيسين المصريين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات. وقالت النيابة إن التحقيقات التي أجرتها مع المتهمين بقتل المتظاهرين أمام مقر جماعة الإخوان بالمقطم أثبتت اشتراك بديع والشاطر والبيومي في ارتكاب جرائم التحريض عن طريق الاتفاق مع متهمين آخرين في القضية على الوجود داخل مقر مكتب الإرشاد، وإطلاق النار على من يتظاهر أمام المبنى، وذلك مقابل مبالغ مالية، وساعدوهم على ارتكاب تلك الجرائم بأن أمدوهم بالأسلحة والذخائر والمفرقعات. وفي أكاديمية الشرطة حيث جرى استكمال محاكمة مبارك ونجليه ووزير داخليته وستة من مساعدي الوزير، حددت محكمة جنايات القاهرة يوم 14 من الشهر المقبل موعدا لاستئناف جلسات المحاكمة، وقالت إنها شكلت لجنة ثلاثية لدراسة ملف القضية، ولجنة خماسية لدراسة قضايا الفساد المتهم فيها مبارك، ولجنة خماسية ثالثة لدراسة ملف قضية تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل. ونقل مبارك من مقر إقامته الجبرية في مستشفى المعادي العسكري بجنوب القاهرة إلى مقر المحكمة بمروحية، حيث ظهر في قفص الاتهام أمس جالسا على مقعد متحرك.

وجاء قرار التأجيل لتمكين هيئة الدفاع عن المتهمين من الاطلاع على الأوراق والمذكرات المطلوبة، وتشكيل لجنتين فنيتين متخصصتين تتوليان فحص أوراق وملفات الجانب المتعلق باتهام مبارك ونجليه ورجل الأعمال حسين سالم بالتربح واستغلال النفوذ في شأن فيلات في شرم الشيخ وتصدير الغاز المصري إلى إسرائيل. ورفضت المحكمة طلب العادلي بإخلاء سبيله على ذمة القضية، وقالت إنه لم يتجاوز حتى الآن المدة القصوى لحبسه احتياطيا.

وكان القضاء قرر إخلاء سبيل مبارك قبل يومين بعد أن استنفد جميع مدد الحبس الاحتياطي. وقرر الحاكم العسكري تحديد إقامته. وقالت مصادر حكومية إن مبارك اختار مستشفى المعادي، وهو من المستشفيات القليلة في البلاد التي يتوافر بها مهبط للطائرات. وهو المستشفى نفسه الذي لفظ فيه الرئيس السادات أنفاسه الأخيرة بعد مقتله على يد متشددين إسلاميين مطلع ثمانينات القرن الماضي. وكانت محكمة أول درجة أصدرت في صيف العام الماضي حكما بالسجن المؤبد على مبارك في قضية مقتل متظاهرين أثناء ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، لكن محكمة النقض أمرت بإعادة المحاكمة التي انطلقت مجددا في 11 مايو (أيار).

ومنذ الإطاحة بمبارك تشهد مصر اضطرابات سياسية وتدهورا أمنيا واقتصاديا. ويقول المراقبون إن فترة حكم الرئيس السابق مرسي المحتجز لدى السلطات منذ يوم 3 من الشهر الماضي لم تؤد إلى أي تحسن يذكر في أحوال المصريين، وتفرغ لفرض سيطرة جماعة الإخوان على مفاصل الدولة، مما زاد من السخط الشعبي ضده، وخروج ملايين المصريين المطالبين بعزله وإبعاد جماعة الإخوان عن الحكم. ومنذ الإطاحة بمرسي قتل نحو ألف أغلبهم من مؤيديه في اشتباكات مع قوات من الجيش والشرطة ومعارضين لحكم الجماعة.

وأدت تطورات الأوضاع في مصر لقلق دولي، خاصة من الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي للقاهرة. وبعد التلويح بإمكانية وقف المساعدات الأميركية للقاهرة والتي تصل قيمتها إلى نحو 1.5 مليار دولار، يخصص معظمها للجيش، تراجع الرئيس باراك أوباما عن هذه الخطوة، لكنه استبعد أيضا عودة العلاقات مع مصر إلى سابق عهدها.