المصريون يحبسون أنفاسهم اليوم في انتظار تخفيف «حظر التجوال»

أربك حياتهم اليومية وأثر على قطاعات واسعة وأعاد الأزواج للبيوت

جندي مصري يقف متأهبا بالقرب من ميدان سفنكس في القاهرة أمس (أ.ب)
TT

ما بين الضرورة الأمنية، وتعطيل الأحوال، يحبس المصريون أنفاسهم اليوم (الجمعة) على أمل أن يمر بسلام، وألا تتحول المظاهرات التي دعا إليها أنصار جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس المعزول محمد مرسي، إلى مشهد جديد لتصاعد أعمال العنف والتخريب، وسقوط المزيد من الضحايا والدماء، في المواجهات المستمرة بينهم وبين قوات الشرطة والجيش، وهو ما يعجل بإنهاء حالة الطوارئ في البلاد.

وفرض حظر التجوال الذي أنهى أسبوعه الثاني نوعا من السلوك الطارئ، اضطر أغلب المصريين إلى التكيف معه، وتجرعه على مضض كدواء مر لداء استفحل خطره وأصبح يهدد أمن البلاد في مقتل، تحت مظلة صراع سياسي، يرى كثير من المراقبين أنه سيأخذ وقتا حتى تخمد نيرانه، وتتحول إلى رماد، وذكرى لا تخلو من الألم، على مناخ من الاضطراب والفوضى عاشته مصر خلال أكثر من عامين ونصف العام منذ قيام ثورة 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، التي أطاحت بنظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، بعد 30 عاما من الحكم، واندلعت موجتها الثانية في 30 يونيو (حزيران) الماضي لتطيح بالرئيس الإخواني المعزول مرسي بعد عام من حكم الإخوان لمصر.

وكعادتهم في المزاح والسخرية لطف كثير من المصريين من جرعة دواء حظر التجوال المر، ما بين من يقول: «رُب ضارة نافعة.. الحظر جعلني أقعد مع الأولاد بالساعات وأقترب منهم.. بعد أن كنت منصرفا عنهم لظروف الشغل». أو «أنا مبسوط من الحظر.. رجع لي شلة أصدقائي والدردشة ومباريات الطاولة والدمينو والشطرنج»، ولا يكتفي الرجل السبعيني بهذا الانبساط، بل يزيد بسخرية «ربنا يكتر أيام الحظر».. ويكاد يرقص طربا على إيقاع «قشاط» الطاولة في ونسه مع الأصدقاء على عشب الحديقة بجوار المنزل، وعلى غرار أغنية الورد الشهيرة لزكريا أحمد هامسا «الحظر جميل.. جميل الحظر». لكن سعاد وهي ربة منزل ومتعلمة وتحب الثقافة لها وجهة نظر أخرى، حيث تقول «أجمل شيء في الحظر إنه أدب الرجالة.. أصبحوا يتلموا في البيوت بدري زي الكتاكيت». وتضحك سعاد وهي تقول: «أخشى أن يمل الستات من قعدة الرجالة في البيوت، فيطالبن بسرعة فض الحظر.. خاصة أن الرجالة رحرحت من القعدة وطلباتهم كترت. زوجي زاد أكثر من 5 كيلوات مش ناقصين كروش».

وتفرض قوات الجيش والشرطة قبضة صارمة في تنفيذ حظر التجوال، حيث تنتشر الكمائن والعربات المصفحة في كل مداخل المدن وعلى المحاور والميادين الرئيسة، وهو الأمر الذي حوَّل العاصمة القاهرة، من مدينة مكتظة بالزحام والبشر، إلى مدينة تشبه مدن الأشباح في الأفلام الأسطورية، خاصة مع بداية ساعات الحظر من التاسعة مساء وحتى السادسة صباحا يوميا.

ورغم تعاطف الكثير من المصريين مع مبررات وزارتي الدفاع والداخلية في التطبيق الصارم للحظر من منطلق «سلامة الوطن وأمنه القومي في مواجهة مخططات الإرهاب»، والتي أصبحت شواهدها ماثلة بقوة في الشارع، فإن ما يقلق المصريين أن قطاعات كبيرة من موارد الرزق قد منيت بخسائر فادحة، خاصة أصحاب المقاهي والمحال التجارية والصيدليات وسائقي التاكسي ودور السينما والمسارح والملاهي، وهو ما بات يشكل نزيفا يوميا يصيب حياتهم بالشلل.

فبحسب طارق، وهو شاب أربعيني يملك محلا بالقرب من منطقة العتبة بالقاهرة: «لست أنا وحدي، بل كلنا من أصحاب المحال تكبدنا خسائر كبيرة بسبب قرار الحظر. لكن علينا أن نتحمل من أجل مصلحة البلد، لكن نطالب المسؤولين بأن يبدأ الحظر من الحادية أو الثانية عشر مساء، لنستطيع أن نعوض جزءا من هذه الخسائر».

وبنبرة غضب يروي محسن محمد، سائق تاكسي قائلا: «أصبحت أتحصل على ثمن البنزين بطلوع الروح، معظم الشوارع والميادين مقفولة، والمشوار اللي كان يستغرق نصف ساعة أصبح يستغرق ساعتين، والزبون أصبح عصبيا، ذروة شغلنا كانت في المساء، لكن ضاعت في الحظر».

ويطالب محمد الحكومة بمراعاة الفئات الأكثر تضررا من الحظر «لازم يشوفوا لنا حلا منصفا وعادلا.. يرخصوا البنزين مثلا».

ورغم تنوع خسائر المصريين من أضرار الحظر، ورهانهم على تعديل مواعيده لو مرت المظاهرات أمس بسلام، فإن خسائر الحظر لم تلحق بالأفراد فحسب بل، طالت معظم مرافق الدولة، وكان للاقتصاد المصري النصيب الأعظم منها، حيث كشف تقرير المتابعة بهيئة السكك الحديدية نشر بصحف مصرية، عن أن الخسائر الناجمة عن توقف القطارات منذ بدء تطبيق حظر التجوال بلغت 20 مليون جنيه (نحو 3 ملايين دولار)، مشيرًا إلى أن متوسط خسائر مترو الأنفاق في الفترة نفسها بلغت نحو 300 مليون جنيه (نحو 40 مليون دولار).

وحتى يوم 13 سبتمبر (أيلول) المقبل، موعد انتهاء الحظر رسميا، سيظل أغلب المصريين معلقين، ما بين مؤيد للحظر لظروف يختلط فيها الخاص بالعام، ومعارض له، خاصة من أصحاب المحال والمؤسسات التجارية، الذين يعانون من الكساد.