تكثيف ظهور وجوه النظام إعلاميا يعكس وصول الأزمة إلى مرحلة الذروة

مقابلة شعبان وروايتها عن «مجزرة الغوطة» استدعت ردود فعل ساخرة ومستنكرة

لاجئون سوريون يقطعون الحدود متجهين نحو تركيا أمس (رويترز)
TT

خلال أقل من أسبوع بدا واضحا «الهجوم الإعلامي» من قبل «رجالات النظام السوري»، مطلقين المواقف التهديدية حينا، و«غير المنطقية» التي استدعت سخرية المعارضين حينا آخر. هذه الإطلالات التي شبهها البعض بإطلالات وزير الإعلام العراقي الأسبق، محمد سعيد الصحاف، وضعها البعض الآخر في خانة «إفلاس النظام»، تناوب عليها بشكل أساسي كل من الرئيس السوري بشار الأسد ومستشارته الإعلامية بثينة شعبان، ووزير الخارجية وليد المعلم ونائبه فيصل المقداد، وارتكزت على موضوعين أساسيين هما مجزرة الغوطة التي يتهم النظام بارتكابها، والضربة العسكرية المحتملة على سوريا. لكن مما لا شك فيه أن كلام شعبان الأخير استحوذ على حصة الأسد من التعليقات والردود على صفحات التواصل الاجتماعي وعلى ألسنة المعارضين الذين أجمعوا على أن الرواية التي قدمتها حول «مجزرة الغوطة» لا تمت إلى الواقع بصلة وتفتقد الأدلة المنطقية، إضافة إلى الخلفية الطائفية التي انطلقت منها لاتهام المعارضة بارتكابها.

وفي تحليل إعلامي لإطلالات رجالات النظام المتكررة في الفترة الأخيرة، يقول الدكتور في الإعلام والدعاية محمود طربية لـ«الشرق الأوسط»: «هناك أكثر من سبب لهذا الظهور المتكرر، أهمها أن واقع الأزمة السورية وصل إلى الذروة وفي مستوى متقدم يتطلب ظهور شخصيات من الصف الأول يفترض أن تتسم بالمصداقية، بعدما لم يعد يكفي أن تنقل الأخبار عن مصادر، بل بات يتطلب التواصل المباشر ليس فقط مع الجمهور الخارجي، وإنما الداخلي أيضا، ولا سيما عبر وسائل الإعلام التقليدية، وبالتحديد الغربية منها، وذلك بهدف الوصول إلى أكبر قدر ممكن من الجمهور». ولا ينفي طربية أن هناك تخبطا في صفوف النظام وأن «الخطأ الأكبر» كان ذلك الذي ارتكبته شعبان بتصريحها الأخير، واصفا إياه بـ«الدعسة الناقصة». ولفت طربية إلى أن وراء هذا الظهور المتكرر للأشخاص نفسها، هدفا أساسيا وهو القول للخصم إننا لا نزال موجودين وقادرين على المواجهة. ويعطي طربية مثلا على ذلك، بالإشارة إلى عدم حضور وسائل إعلام أجنبية في المؤتمر الصحافي الأخير لوزير الخارجية وليد المعلم، وهو دليل على علم هؤلاء واعتيادهم على أن ما كان سيقوله المعلم لا يحمل أي جديد أو يختلف عن كل ما سبق له أن قاله أو صرح به.

وكانت شعبان في محاولة منها لتبرير النظام من مجزرة الكيماوي في «الغوطة» قالت لقناة «سكاي نيوز» الإنجليزية: «الحكومة السورية ليست مسؤولة عن المجزرة التي راح ضحيتها 1400 شخص، بل المسؤول عن ذلك هي المعارضة التي قامت بخطف الأطفال والرجال من قرى اللاذقية وأحضرتهم إلى الغوطة، وقامت بوضعهم في مكان واحد واستخدمت ضدهم الأسلحة الكيماوية»، مشيرة بشكل واضح إلى أن ضحايا المجزرة هم من الطائفة العلوية لانتمائهم إلى قرى اللاذقية.

وقد تحولت هذه الرواية إلى محور تعليقات المعارضين وتحليلاتهم الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك انطلاقا من نقاط عدة أهمها أن المسافة بين قرى اللاذقية وريف دمشق، حيث وقعت المجزرة، لا تقل عن 400 كيلومترا، يحتاج الوصول إليها أكثر من أربع ساعات، وسأل الناشطون: «إذا كان كما تقول شعبان إن هؤلاء خطفوا فأين الحواجز المنتشرة على طول الطرقات وكيف أنها لم تقدم حتى على إيقاف عشرات الحافلات التي تتسع لـ1400 راكب، وهو عدد ضحايا المجزرة؟».

وفي حين اعتبر أحد الناشطين على صفحة «الثورة السورية» أن قصة «ليلى والذئب» قابلة للتصديق أكثر من رواية شعبان، قال آخر: «هذا نظام يحتاج إلى مستشارة كهذه، الآن عرفنا كيف أن النظام ينهار ويسقط»، وكتب الناشط زياد الصوفي على صفحته، يقول: «لماذا لا تكمل شعبان روايتها؟ فشباب منطقة المزة 86 (العلوية) وزعوا البقلاوة واحتفلوا ابتهاجا ورقصوا بساحات دمشق بموت أولادهم؟ ولماذا الحكومة السورية لم تعلن الحداد على هؤلاء؟، الحكومة السورية ما أعلنت الحداد على أرواحهم، صفحات الشبيحة والموالين استشاطت فرحا بموت الأولاد العلويين، بينما الإعلام الرسمي والمأجور لم يهدأ مفاخرا بانتصاراته بحق الجيش الحر»، مع العلم بأن تصريح شعبان هذا، كان قد سبقته تصريحات لها في وقت سابق، لاقت بدورها ردود فعل مستنكرة وساخرة وإن كانت أقل وطأة، فهي التي كانت أول من تكلم من قبل النظام بعد مجزرة درعا وكانت صاحبة أول رد رسمي من النظام السوري بعد «مجزرة درعا» الأولى في الثورة السورية، إنما لتتكلم عن زيادة بالرواتب وإقرار قانون الأحزاب وبحث إلغاء حالة الطوارئ.

كذلك، كان الرئيس السوري الذي قالت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، إنه ظهر بمزاج جيد أواخر الأسبوع الماضي، وكان يمازح أعضاء الوفد اليمني الذي يزوره معلقا على الفوضى السياسية التي تعيشها مصر، مقابلة مع صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية، حذر الرئيس السوري بشار الأسد باريس من نتائج عملية عسكرية محتملة ضد بلاده، بالقول: «إن تدخلت باريس عسكريا في سوريا، سيكون لذلك انعكاسات سلبية على المصالح الفرنسية».

وقد سبقه في التهديد نفسه وزير الخارجية وليد المعلم الذي تحدى في مؤتمر صحافي له الأسبوع الماضي، الغرب، بأن أي عدوان على سوريا يخدم مصالح إسرائيل وجبهة النصرة، وشدد على أن أي ضربة عسكرية لن تؤثر على ما وصفه بالإنجازات الميدانية في الغوطة، ووصف ما كل ما يقال عن ضربة عسكرية بـ«مجرد أكاذيب».

وفي حين رأى أن العالم يحتشد لأن سوريا صمدت طيلة الأزمة، قال إنه إذا وقعت الضربة العسكرية سنواصل الدفاع عن أنفسنا بالوسائل المتاحة، مستبعدا كذلك حدوث أي ضربة، ومؤكدا: «لدينا وسائل ندافع بها عن أنفسنا ستفاجئ العالم»، مضيفا: «إن ما حدث في الغوطة هو ضربة استباقية للهجوم على دمشق».

وعلى الخط نفسه، كان قد أطل نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في مقابلتين، إحداهما تلفزيونية وأخرى مع صحيفة «وول ستريت جورنال الأميركية»، محذرا من عواقب أي هجوم عسكري تقوده أميركا ضد سوريا، مؤكدا أن بلاده سترد على العدوان، ليس ضد إسرائيل فقط، ولكن أيضا ضد جارتيها الأردن وتركيا إذا شاركتا في أي عملية تقودها الولايات المتحدة. وأمل أن يستمع النواب الأميركيون بالحكمة، إلى صوت العدل، وليس إلى الأعمال الاستفزازية، داعيا إلى حوار مع الولايات المتحدة، قائلا: «نحن نحب الشعب الأميركي، هناك ملايين الأميركيين من أصول عربية بما فيها السورية ولا نريد حروبا مع الولايات المتحدة». وقال: «إذا ما اندلعت الحرب فإن أحدا لا يستطيع التحكم بما سيحصل»، مضيفا: «إننا نعتقد أن أي هجوم ضد سوريا سينجم عنه حتما فوضى في كل المنطقة إن لم يكن أبعد من ذلك».

وفي مقابلة مع قناة «سكاي نيوز» قال المقداد، إن حكومة بلاده «لن تغير موقفها تجاه الأزمة الراهنة التي تشهدها سوريا حتى ولو شنت حرب عالمية ثالثة»، وأكد أن دمشق تحشد حلفاءها لمواجهة أي ضربة عسكرية محتملة قد تقدم واشنطن وحلفاؤها على شنها ضد سوريا.

ولفت إلى أن سوريا اتخذت جميع الإجراءات اللازمة للرد على أي ضربة عسكرية أو عدوان غربي محتمل على سوريا، موضحا أن بلاده لن تقدم معلومات عن كيفية ردها.