عمليات قتل مبرمج لعوائل بأكملها في «حزام بغداد» الجنوبي تعيد «مثلث الموت» إلى الواجهة

الداخلية العراقية تبررها بثارات عشائرية أو جرائم جنائية عادية

TT

لا تزال وزارة الداخلية تصر على فرضية الثأر العشائري مرة والحوادث الجنائية مرة أخرى لما بات يبدو وكأنه عمليات قتل مبرمج لعوائل بأكملها لا سيما في منطقة حزام بغداد الجنوبي وبالذات منطقة اللطيفية التي كانت عام 2005 مسرحا لعمليات قتل طائفية بحيث اصطلح على تسمية تلك المنطقة بـ«مثلث الموت». ومع أن تلك التسمية كان لها نظير آخر وهو «المثلث السني» والتي تشمل مناطق غرب بغداد وصولا إلى الحدود العراقية السورية - الأردنية حيث كان تنظيم القاعدة على عهد زعيمه آنذاك أبو مصعب الزرقاوي - قتل بغارة أميركية خلال شهر مايو (أيار) عام 2006 - إلا أن تجدد الحديث عنه الآن بوصفه محاولة لإعادة إنتاج ما حصل في تلك السنوات ومهد للحرب الطائفية التي وقعت في العراق عام 2006 عقب تدمير قبتي الإمامين العسكريين في مدينة سامراء خلال شهر فبراير (شباط) من ذلك العام واستمرت حتى عام 2008 بعد أن نجحت قوات الصحوة التي تشكلت بمساعدة أميركية في الأنبار أواخر عام 2007 من دحر تنظيم القاعدة إلى حد كبير. وفيما قللت وزارة الداخلية من أهمية ما يثار على أنه محاولة لإعادة سيناريو عام 2005 عبر ما عرف آنذاك بمثلث الموت وذلك بتصنيفها الأعمال التي وقعت مؤخرا في تلك المناطق بأنها وإن كانت «أعمالا إرهابية وتندرج في إطار إثارة الفتنة الطائفية إلا أنها تتراوح بين أعمال ثأر وأخرى جنائية مثلما يرى الناطق باسم وزارة الداخلية سعد معن في تصريح لـ«الشرق الأوسط» مبينا في الوقت ذاته أن «هناك جهدا استخباريا جديدا بدأ المواطنون يشاركون فيه من خلال إعطاء معلومات هامة للأجهزة الأمنية والاستخبارية عن المجاميع الإرهابية والمسلحة».

غير أن العميد سعد يعترف أن «الحاجة تبقى ماسة إلى مزيد من التعاون فضلا عن استخدام تقنيات جديدة في العمل الأمني ومنها المناطيد وكاميرا المراقبة وهو ما سوف يكون له تأثير على عمل المجاميع الإرهابية وهو ما يجعلها اليوم تكثف من عملياتها الإرهابية من أجل خلط الأوراق».

لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي كشفت عن صورة أخرى في إطار عمل تنظيم القاعدة بالدرجة الأولى والتنظيمات أو المجاميع المسلحة والتي بدأت تنشط حاليا في ظل تراجع الجهد الأمني بصورة ملحوظة. عضو اللجنة عن التحالف الكردستاني شوان محمد طه يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الاستراتيجية التي تتبعها القاعدة تبدو الآن مختلفة إلى حد كبير عما كانت تتبعه خلال الفترات الماضية وذلك لجهة الإكثار من السيارات المفخخة وبشكل لافت جدا مع عدم استخدام انتحاريين» مشيرا إلى أن «كل العمليات التي وقعت خلال الأشهر الماضية وبرغم كثرة السيارات المفخخة والتي باتت تصل إلى 20 سيارة مفخخة في اليوم تكاد تكون كلها سيارات مركونة على جوانب الطرق وقلما كان يستخدمها انتحاريون» معتبرا أن «هذا لا يعني أن تنظيم القاعدة قد تخلى عن الانتحاريين أو الأحزمة الناسفة أو أنه لم يعد لديه الكثير منهم بل هناك استراتيجية أخرى له وهو ما يتوجب على الجهات الأمنية الانتباه له وهو أن هذا التنظيم يعد ربما لعملية نوعية كبرى يستخدم فيها جزء من احتياطيه من الانتحاريين». ولم يستبعد طه أن «تكون كل هذه العمليات الأخيرة التي تبدو كأنها أعمال هامة على صعيد كثرة السيارات المفخخة هي مجرد إلهاء للأجهزة والقوات العسكرية بينما يعدون في الخفاء لعملية كبرى».

وردا على سؤال بشأن المخاوف من تكرار سيناريو عام 2005 عبر ما كان يطلق عليه «مثلث الموت» قال طه إن «كل ما يجري هي عمليات إرهابية وعندما يبلغ الأمر قتل عوائل بأكملها مثلما بات يحصل الآن في بعض المناطق فإنه يعني أن هناك فشلا أمنيا واضحا فضلا عن أنه يدل على وجود ميليشيات وجهات خارجة عن القانون تستغل هذا الفراغ والخلل من أجل أن تصفي حساباتها مع هذا الطرف أو ذاك». مع ذلك فإن هناك رؤية أخرى لمناطق حزام بغداد والتي كانت الغربية منها مسرحا لعمليات اعتقالات ودهم عشوائية منذ حادثة سجني أبو غريب والتاجي في شهر يوليو (تموز) الماضي وذلك بهروب أكثر من 1000 معتقل من هذين السجنين.

النائبان عن القائمة العراقية الدكتور طلال الزوبعي عن أبي غريب والرضوانية ومظهر الجنابي عن منطقة حزام بغداد الجنوبي واللطيفية يريان في حديثهما لـ«الشرق الأوسط» أن النتيجة تكاد تكون واحدة. الزوبعي يقول: إن «إصرار الأجهزة الأمنية والحكومية على فرض عقاب جماعي على أبناء تلك المناطق من خلال عمليات الاعتقال العشوائي يعني أن هذه الأجهزة غير قادرة على الوصول إلى الجاني الحقيقي وإنها تنطلق عوضا عن ذلك من بعد طائفي واضح». ويضيف أن «كل هذه الممارسات ضد أبناء تلك المناطق لكونهم من مكون معين (المكون السني) لن يساعد أبدأ على استتباب الأمن لوجود خلل واضح في المعالجة». وانتقد الزوبعي بشدة العملية التي أطلقت عليها الحكومة عملية ثأر الشهداء وذلك «لكونها تسمية خاطئة أصلا وفيها منطق ثأري من مناطق معينة وهو ما لا ينسجم مع ما يجري الحديث عنه بشأن المصالحة الوطنية». ومن جهته يستبعد النائب عن العراقية مظهر الجنابي عن مناطق اللطيفية والمحمودية فرضية الاستهداف الطائفي لما بات يجري هناك قائلا إن «التنظيمات الإرهابية التي سبق لها أن عاثت في تلك المناطق فسادا هي التي تريد ترسيخ هذا البعد في أذهان البعض بكون أن ما يحصل هناك إنما استهداف طائفي ضد مكون معين (المكون الشيعي) بينما تؤكد التجارب أن العراقيين جميعا مستهدفون». وأضاف الجنابي أن «القاعدة تعلن ذلك بوضوح ولكن مهمة محاربتها هي مهمة الحكومة ومع ذلك فإن الصحوات ساهمت وبشكل فاعل في محاربة القاعدة ولكن السؤال هو ماذا جنت الصحوات أصلا حيث أصبح الكثير من أفرادها متهمين من القاعدة بكونهم مع الحكومة ومتهمين من الحكومة بأنهم مع القاعدة وبالتالي أصبحوا بين المطرقة والسندان».