هولاند يعلن أن باريس ستظل إلى جانب مالي ما دامت مهددة.. وكيتا يعترف بجميل فرنسا وتشاد

ملك المغرب يتعهد بدعم باماكو والتشبث بالتعاون بين دول الجنوب > الرباط تعتزم تدريب مئات الأئمة الماليين

الملك محمد السادس يحيي مستقبليه في مطار باماكو لدى وصوله اليه الليلة قبل الماضية وبدا إلى جانبه الرئيس المنتخب ابراهيما بوبكر كيتا ( رويترز)
TT

عد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ما تحقق في مالي نصرا كبيرا على الإرهاب، مؤكدا أن بلاده ستبقى إلى جانب مالي ما دامت مهددة من طرف المسلحين الإسلاميين.

وقال هولاند، الذي كان يتحدث أمس في حفل تنصيب الرئيس المالي الجديد إبراهيما بوبكر كيتا، الذي شارك فيه عشرات القادة الأفارقة ومسؤولون أوروبيون وأمميون: «كنت في باماكو خلال شهر فبراير (شباط) الماضي، وكنا حينها في بداية المعركة، واليوم ها نحن نصل إلى نهايتها ونحقق النصر. نحن اليوم هنا لنحتفل بهذا النصر الكبير الذي حققته مالي».

وذكر هولاند أن «النصر بدأ بتحرير بلدة كونا في 11 يناير (كانون الثاني) الماضي، وتواصل بتحرير بقية مدن الشمال لتصبح مالي مكتملة السيادة على جميع أراضيها وتملك مصيرها، ثم اكتمل هذا النصر الكبير بتنظيم انتخابات رئاسية شفافة نحتفل اليوم بالرئيس الذي أسفرت عنه».

وقال هولاند إن بلاده «فخورة بالمشاركة في تحقيق هذا النصر، وذلك بعد أن استجابت لطلب من الرئيس المالي بالوكالة السابق ديونكوندا تراوري، والذي لولاه لما كنا هنا اليوم ولكان في مكاننا الإرهابيون»، وفق تعبيره.

وتحدث الرئيس الفرنسي عن سبعة جنود فرنسيين سقطوا في عمليات القتال في شمال مالي، وقال إنهم «دفعوا أرواحهم ثمنا لتحقيق النصر»، قبل أن يوجه التحية إلى الجيش التشادي، الذي قال إنه «شارك بفعالية في تحقيق النصر ضد الإرهابيين». وكان الجيش التشادي قد تلقى أكبر خسائر في هذه الحرب، حيث قدر عدد القتلى في صفوفه بأكثر من ثلاثين جنديا، سقطوا في مواجهات مباشرة مع المقاتلين الإسلاميين في جبال إيفوغاس، حيث كانوا يتحصنون.

وأكد هولاند أن مالي أصبحت «تملك مصيرها بيدها»، وذلك بعد أن اختارت رئيسها، قبل أن يشيد بالرئيس المنتخب كيتا، مؤكدا أنه «يعرفه منذ مدة طويلة، وهو رئيس كبير». وأضاف: «هذه الانتخابات ستفتح الطريق أمام إعادة الإعمار، والخروج بالبلاد من وضعها الحالي. أضمن لكم ذلك، وفرنسا سترافقكم لدعم التنمية والدولة والديمقراطية والمصالحة».

وأشار هولاند إلى أن فرنسا بخوضها عملية «سرفال» العسكرية في مالي شاركت في «المحافظة على أمن واستقرار البلد ومنطقة الساحل، ولكن أيضا على أمن واستقرار أوروبا لأنها كانت تحارب الإرهاب». وكانت فرنسا قد تدخلت في مالي لمواجهة الجماعات الإسلامية المسلحة التي سيطرت في أبريل (نيسان) 2012 على كبريات المدن في شمال البلاد، وحاولت التقدم نحو جنوبها مطلع يناير الماضي، حيث سيطرت على بلدة كونا بعد أن طردت منها الجيش الحكومي المالي، مما جعل الرئيس بالوكالة ديونكوندا تراوري يطلب من الجيش الفرنسي التدخل لإنقاذ بلاده.

وحضر الحفل غير المسبوق في تاريخ مالي عشرات الرؤساء الأفارقة يتقدمهم الرئيس الفرنسي والعاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي يحضر لأول مرة حفل تنصيب رئيس أفريقي، وألقى خطابا بالمناسبة، كما ألقى كلمة بالمناسبة كل من الحسن واتارا، رئيس ساحل العاج، وهو الرئيس الدوري للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، ورئيس تشاد حسين حبري، الذي شاركت قوات بلاده في الحرب في شمال مالي.

وشارك في الحفل عشرات الآلاف من المواطنين رغم درجات الحرارة المرتفعة في باماكو، واختتم بخطاب ألقاه الرئيس المالي المنتخب، رحب فيه بالوفود الرسمية وخص بالترحيب الملك محمد السادس بوصفه ضيف الشرف في حفل التنصيب.

واعترف كيتا بالجميل لفرنسا، وقال إنه لولا التدخل الفرنسي لما تمكنت مالي من الصمود أمام «الإرهابيين»، قبل أن يشيد بالجيش التشادي الذي قال إنه «لعب دورا كبيرا في إنهاء معاناة سكان شمال مالي». وتعهد كيتا بتحقيق المصالحة الوطنية بين مختلف مكونات الشعب المالي، وخصوصا بين الشمال والجنوب، قبل أن يؤكد أن وحدة مالي الترابية ليست موضع مراجعة أو نقاش، وذلك في إشارة إلى المفاوضات التي من المنتظر أن تبدأ بعد شهرين بين حكومته والمجموعات المسلحة في الشمال، بمن في ذلك المتمردون الطوارق.

ومن جهته، قال الملك محمد السادس، إن المغرب المتشبث بالتعاون جنوب - جنوب، لن يدخر أي جهد لمواكبة ودعم جمهورية مالي، في المجالات الاجتماعية والاقتصادية التي تعدها ذات أسبقية، مشيرا إلى أن المملكة المغربية ستظل الشريك الملتزم والوفي لهذا البلد الجار والشقيق.

وقال الملك محمد السادس، إن المغرب سيقدم الدعم اللازم لبرامج دولة مالي في مجال التنمية البشرية، خصوصا في ما يتعلق بتكوين الأطر والبنيات التحتية الأساسية والصحية.

وأشار ملك المغرب إلى أن بلاده بادرت خلال الأيام القليلة الماضية، إلى إقامة مستشفى عسكري ميداني متعدد التخصصات في باماكو، كما جرى تعزيز ذلك بتقديم مساعدة طبية وإنسانية مستعجلة، مؤكدا أن التعاون القائم بين البلدين سيحفز رجال الأعمال على تعزيز انخراطهم في تطوير المبادلات والاستثمارات بينهما، بما يترتب على هذه الدينامية توفير فرص التشغيل ومن انتقال للكفاءات ولرؤوس الأموال.

وذكر العاهل المغربي أن التفرد الثقافي الذي تتميز به مالي كان دائما ولا يزال يشكل أحد المكونات الأساسية للتراث الإسلامي وللهوية الأفريقية. وأضاف أن «أي مبادرة دولية يتم التنسيق بشأنها، دون إيلاء البعد الثقافي والعقائدي الأهمية التي يستحقها، سيكون مصيرها الفشل. فالشراكة التي تعتزم المملكة المغربية عرضها، من أجل إعادة بناء مالي، ماديا ومعنويا، تندرج تماما ضمن هذا التوجه. ذلك أن ترميم مخلفات التخريب المادي، ومعالجة الجروح المعنوية، يتطلب إعادة بناء الأضرحة، وإصلاح وترميم المخطوطات وحفظها، وإنعاش الحياة الاجتماعية والثقافية».

وفي هذا السياق، أبرز الملك محمد السادس، أن «الإسلام في المغرب وفي مالي واحد، ممارسة وتقاليد. إنه إسلام متشبع بنفس القيم المبنية على الوسطية والاعتدال، وبنفس تعاليم التسامح والانفتاح على الأخر. كما أنه يظل عماد الوشائج الروحية التي تجمع على الدوام بين بلدينا». وانطلاقا من هذا الرباط العقائدي المشترك، يقول العاهل المغربي، ووعيا منه بالرهانات المرتبطة بحمايته من كل الانحرافات: «يطيب لي أن أعبر عن ترحيبي بالاتفاق الذي سيجري التوقيع عليه، والمتعلق بتكوين 500 إمام مالي في المغرب خلال السنوات المقبلة».

وأوضح أن هذا التكوين، الذي يمتد على مدى سنتين، سيخصص، بالأساس، لدراسة المذهب المالكي، والتعاليم الفقهية والأخلاقية التي تنبذ كل أنواع الغلو والتكفير.

وبعد أن شدد على ضرورة أن تلعب كل البلدان الأفريقية دورا جوهريا في عملية إعادة البناء الهامة بدولة مالي، أعرب الملك محمد السادس عن الأسف لكون بعض الدول والأطراف لا تعمل إلا على الهدم والتخريب، في الوقت الذي تختار فيه دول أخرى نهج البناء وإعادة الإعمار. أما المغرب، فيقول الملك محمد السادس، ووفاء منه لتقاليده العريقة والمشهود بها في مجال التعاون مع الدول الشقيقة جنوب الصحراء، سيتحمل بكل فعالية وعزم نصيبه من هذه المسؤولية التاريخية: «لذا، ما فتئت أولي اهتماما خاصا لهذا المحور الرئيس في العلاقات الخارجية للمغرب».

ومن جهة أخرى، ذكر العاهل المغربي أن دولة مالي، رغم كل الصعوبات، نجحت في تنظيم انتخابات رئاسية شفافة وذات مصداقية، في إطار ممارسة سيادتها، وفي ظل استقرارها ووحدتها، مؤكدا أن هذا النجاح يعد، دون شك، خير رد على ما تعرفه الكثير من المناطق عبر العالم، من ضياع وضلال، بسبب جماعات التعصب والتطرف بمختلف أنواعها.

وقال الملك محمد السادس: «إننا بقدر ما نهنئ أنفسنا جميعا على هذا الانتصار الجماعي على قوى الظلامية والانفصال في مالي، فإننا ندرك أيضا حجم التحديات التي تنتظر هذا البلد، خلال مرحلة المصالحة الوطنية وإعادة البناء»، وهو ما يجب القيام به، في احترام تام لسيادة مالي الكاملة وللاختيار الحر لأبنائه.