عاهل المغرب يتباحث في باماكو مع الرئيس الفرنسي وعدد من القادة الأفارقة

زيارة الملك محمد السادس لمالي فتحت شهية كيتا للغوص في تاريخ البلدين

رئيس مالي إبراهيمي بوبكر كيتا يتوسط الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند وعاهل المغرب الملك محمد السادس والرئيس السنغالي ماكي صال خلال مأدبة عشاء أقامها الليلة قبل الماضية على شرف رؤساء الدول المشاركين في حفل تنصيبه (ماب)
TT

أجرى العاهل المغربي الملك محمد السادس مساء أول من أمس، على هامش حفل تنصيب الرئيس المالي الجديد إبراهيم بوبكر كيتا، في باماكو، مباحثات مع عدد من رؤساء وقادة الدول الذين حضروا الحفل، من بينهم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، والتونسي منصف المرزوقي، والغابوني علي بونغو أونديمبا، والغيني ألفا كوندي، والنيجري محمدو إيسوفو، والتشادي إدريس ديبي، ورئيس ساحل العاج الحسن واتارا.

وتناولت مباحثات الملك محمد السادس مع قادة هذه الدول بالأساس نوعية العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها، كما جرى التركيز على أهمية التعاون جنوب - جنوب بين الدول الأفريقية.

وتطرق العاهل المغربي في مباحثاته إلى تطور الوضع الإقليمي، لا سيما في أفريقيا الغربية، على ضوء عودة الشرعية والوضع إلى طبيعته في مالي.

بدورهم، انتهز الرؤساء الأفارقة مناسبة اللقاء ليعبروا عن عرفانهم وامتنانهم للدور الذي يلعبه المغرب من أجل استتباب السلم وتحقيق التقدم بأفريقيا، وأكدوا مشاطرتهم التامة لرؤية الملك محمد السادس المتمثلة في كون إعادة البناء في مالي مسألة تهم جميع الأفارقة. كما أشادوا بأهمية البعد الثقافي والديني في هذا البناء من أجل أن تستعيد دولة مالي شعائرها وممارساتها الدينية العريقة القائمة على الاعتدال والانفتاح على الآخر.

وفي غضون ذلك، استقبل الملك محمد السادس، مساء أول من أمس بمقر الإقامة الملكية في باماكو، ممثلي الطريقة التيجانية والطريقة القادرية في مالي. وحضر هذه الاستقبالات أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي.

وكان المغرب قد وقع على اتفاق يقضي بتكوين 500 إمام مالي في المغرب خلال السنوات المقبلة، يمتد على مدى سنتين، سيخصص لدراسة المذهب المالكي، والتعاليم الفقهية والأخلاقية التي تنبذ الغلو والتكفير.

ويختتم الملك محمد السادس اليوم (السبت) زيارة لمالي دامت ثلاثة أيام، حضر خلالها حفل تنصيب الرئيس المالي الجديد، وختم أنشطته أمس بأداء صلاة الجمعة في المسجد الكبير وسط باماكو، رفقة الرئيس المالي الجديد.

وكان حضور العاهل المغربي للحفل الرسمي لتنصيب رئيس مالي الجديد، قد فتح شهية هذا الأخير للغوص في تاريخ بلاده يوم كانت مركزا من مراكز الحضارة في منطقة الساحل الغربي من القارة الأفريقية؛ إذ قال: «إننا نحس فاس حين نكون في تمبكتو»، وذكر رئيس مالي الجديد بالروابط التاريخية بين المملكتين، يوم كانت مالي إمبراطورية، وحين كان المغرب يمد سلطانه إلى منطقة حوض النيجر، وهي روابط قال كيتا إنها ظلت تكرس حضور الإسلام المعتدل في المنطقة عموما، والساحل الأفريقي على وجه الخصوص.

الملك محمد السادس خاطب بدوره الماليين باللغة التي يفهمونها، مشيرا إلى التفرد الثقافي الذي تتميز به هذه البلاد المترامية الأطراف، مذكرا بالرباط العقائدي المشترك، ومعلنا أن المغرب سيساعد في ترميم المخلفات المادية ومعالجة الجروح المعنوية التي ظهرت بوضوح في مدينة تمبكتو التاريخية، حيث قام المتشددون الإسلاميون بهدم عدد من مواقعها الأثرية، وهي مواقع صنفت ضمن قائمة التراث الإنساني، في مدينة عرفت عبر التاريخ بعلمائها وأوليائها.

وعد العاهل المغربي أن البعد الثقافي والعقائدي في مالي يجب أن يحظى باهتمام الساعين إلى مساعدتها في الوقوف على قدميها من جديد، وأكد أن «الشراكة التي تعتزم المملكة المغربية عرضها من أجل إعادة بناء مالي، ماديا ومعنويا، تندرج تماما ضمن هذا التوجه»، مشيرا في هذا السياق إلى أهمية «إعادة إصلاح وترميم المخطوطات وحفظها، وإنعاش الحياة الاجتماعية والثقافية».

الماليون لم يتوقعوا حضور العاهل المغربي حفل تنصيب رئيسهم الجديد، فقد جرت أن يغيب ملك المغرب عن حضور مثل هذه المناسبات، حيث يوكلها في الغالب لكبار المسؤولين، غير أن الحضور الطاغي لمحمد السادس فسر على أنه إصرار على التمسك بدعم هذا البلد الذي دخل في أتون حرب كادت تكلفه كيانه كدولة، وتحوله إلى نسخة أفريقية من تجربة طالبان الأفغانية.

وكان المغرب قد شكل، على جميع الأصعدة، جزءا أساسيا من التحالف الدولي الذي حقق ما وصلت إليه مالي اليوم بانتخاباتها التي كرست واحدة من الديمقراطيات الأفريقية الواعدة التي تمكنت من الصمود رغم محاولات وأدها من قبل ضباط في الجيش قبل نحو سنة، عندما أخلوا مواقعهم في الشمال أمام زحف الإسلاميين، وعادوا إلى باماكو من أجل الإطاحة بنظام الرئيس السابق أمادو توماني توري.