بوتفليقة يفتح مواجهة قوية مع المخابرات بإبعاد ضباط نافذين

مصادر سياسية: الرئيس الجزائري يتجه إلى تنحية الجنرال توفيق

TT

يتجه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى إحكام قبضته بشكل كامل على أجهزة الأمن النافذة في مفاصل الدولة، بتنحية كل الضباط الموالين للفريق محمد مدين، قائد جهاز المخابرات. وتفيد مصادر سياسية مهتمة بالموضوع بأن أيام مدين على رأس «مديرية الاستعلام والأمن» أصبحت معدودة.

وذكرت المصادر ذاتها لـ«الشرق الأوسط» أن الفريق مدين (74 سنة) الشهير باسم «الجنرال توفيق» سيحال على التقاعد. وعدت ذلك مؤشرا على استسلامه للقرارات غير المسبوقة التي اتخذها الرئيس بوتفليقة أخيرا، والتي أنهى بموجبها مهام ضباط كبار في المؤسسة الأمنية، وهم من أبرز مساعدي الجنرال توفيق، ومن آخر هذه القرارات، تنحية اللواء رشيد لعلالي، المعروف حركيا باسم العطافي، مدير التوثيق والأمن الخارجي (جهاز مضاد للجوسسة)، واللواء عثمان طرطاق المعروف ببشير مدير الأمن الداخلي. وجرت إحالة الضابطين الكبيرين على التقاعد، بقرار من بوتفليقة الذي هو وزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة بحسب الدستور.

وعوض العطافي (75 سنة) بضابط برتبة عقيد يدعى «زهير»، كان الملحق العسكري بسفارة الجزائر لدى إسبانيا. بينما حل محل طرطاق الجنرال علي بن داود الملحق العسكري بسفارة الجزائر لدى فرنسا.

ويعد طرطاق ولعلالي من الضباط النافذين ليس في المؤسسة الأمنية فقط، وإنما أيضا في مصادر القرار السياسي. وكلاهما مقرب من الفريق توفيق الذي يسيطر على جهاز المخابرات منذ 23 سنة. والثلاثة لا يظهرون في العلن أبدا، وبالخصوص توفيق الذي لم يسبق له الحديث إلى وسيلة إعلام منذ وصوله إلى أعلى درجات أجهزة الأمن. والشائع أنه كان واحدا من النافذين في البلاد، من أقنعوا بوتفليقة بالترشح للرئاسة عام 1999 بعد استقالة رئيس الجمهورية آنذاك الجنرال اليمين زروال.

وذكرت المصادر السياسية التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» أن الرئيس بوتفليقة «جرد جهاز المخابرات من أهم فروعه، وهي مركز الاتصال الذي كان يتحكم في ربوع الإشهار العمومي وفي الصحافة بشكل عام. وجهاز أمن الجيش الذي ألحقه بقيادة أركان الجيش، زيادة على جهاز الشرطة القضائية الذي سحبه من دائرة الاستعلام والأمن، ووضعه في رئاسة الأركان. وحسب مراقبين للشأن الجزائري فإن «هذا الجهاز كان بمثابة العصا التي ضربت بها المخابرات الرئيس بوتفليقة، من خلال فتح تحقيقات ضد أشخاص مقربين منه أفضت إلى اتهامهم بالفساد، وهو ما لم يتقبله بوتفليقة فقرر الانتقام من ضباط المخابرات بتنحيتهم من مناصبهم واستبدال آخرين موالين له بهم».

وأثارت التغييرات التي أدخلها بوتفليقة على أجهزة الأمن زيادة على التعديل الحكومي العميق الذي حدث في 11 من الشهر الحالي، استغراب الأوساط السياسية والإعلامية؛ فالرئيس مريض ويجلس على كرسي متحرك، ويعاني من آثار جلطة في الدماغ أبعدته عن إدارة دفة الحكم مدة أربعة أشهر، فمن أين له بكل هذه القوة لمجابهة ما يسمى بـ«المخبر السري»، كناية عن رجال الخفاء الذين يصنعون القرار السياسي؟

يشار إلى أن بوتفليقة أبدى منذ بداية حكمه إرادة قوية في سحب الجيش من الساحة السياسية، وحرص على تجريد المؤسسة العسكرية من كل الصلاحيات التي تعود لرئاسة الجمهورية والتي استحوذ عليها الجيش في فترة الاقتتال الدامي مع الجماعات الإسلامية المسلحة (تسعينات القرن الماضي). ويسير الرئيس بوتفليقة بخطى ثابتة نحو تمديد حكمه، بعد التغييرات العميقة في الجيش، بمناسبة انتخابات الرئاسة المرتقبة الربيع المقبل. ومن المنتظر أن يدخل تعديلا على الدستور قبل نهاية العام، يستحدث بموجبه منصب نائب الرئيس، سيمنحه لأحد الموالين له. وهي طريقة لتحضير خليفته، بينما كان الجيش دائما هو من يعين رئيس الجمهورية وخليفته.