سجال بين «المستقبل» وجنبلاط يزيد عراقيل تشكيل الحكومة اللبنانية

وسط انسداد سياسي تعقده الأوضاع في سوريا

الرئيس اللبناني ميشال سليمان يدشن متحف المعادن بجامعة القديس يوسف في بيروت أمس.. ويبدو إلى يساره تمام سلام رئيس الحكومة المكلف (تصوير: دالاتي ونهرا)
TT

شن تيار المستقبل، أكبر التيارات السياسية الممثلة في البرلمان اللبناني، بالأمس، هجوما على النائب وليد جنبلاط، رئيس جبهة النضال الوطني والحزب التقدمي الاشتراكي، على خلفية مواقفه الأخيرة لتشكيل الحكومة، وما اعتبره التيار انتقادا للثورة السورية، ما قد يزيد العراقيل أمام الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة تمام سلام، في عملية تأليفها.

مراقبون في بيروت رأوا أن مواقف جنبلاط، من شأنها أن تضع حدا للشلل السياسي في تشكيل الحكومة العتيدة، عبر طرحه صيغة جديدة، يوافق عليها حزب الله، انتقد «المستقبل» تلك المواقف، معتبرا أنها «التزام كامل بالتحالف مع حزب الله، وخروج من موقعه الوسطي».

في المقابل امتنعت كتلة النائب جنبلاط عن الرد على اتهامات «المستقبل»، واكتفى وائل أبو فاعور وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال، والنائب في كتلة جنبلاط، بالقول لـ«الشرق الأوسط» خلال تصريح له «لا شيء يستحق الرد، وليس لدينا ما نقوله».

جنبلاط كان قد أعلن معارضته الصيغة الحكومية القائمة على تقسيم الحقائب الوزارية مثالثة بين القوى السياسية، بمنح كتلة قوى «14 آذار» ثمانية وزراء، وثمانية آخرين لكتلة قوى «8 آذار»، مع 8 وزراء وسطيين محسوبين على الرئيس اللبناني ميشال سليمان والرئيس المكلف تمام سلام وجنبلاط. وعلى الرغم من أن هذا الطرح كان جنبلاط أول من بادر إلى اقتراحه، قبل أن يصطدم بمعارضة حزب الله وقوى «8 آذار»، تقدم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي بطرح جديد في تصريحاته الأخيرة، تمثل بتقسيم الحقائب الوزارية بمنح قوى «8 و14 آذار» 9 وزراء لكل منهما، وترك 6 وزراء للفريق الوسطي. من جهته، نفى النائب الدكتور أحمد فتفت، عضو كتلة المستقبل، أن يكون تيار المستقبل شن هجوما على جنبلاط، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن «رئيس الحزب الاشتراكي هاجم الثورة السورية وقوى (14 آذار)، علما بأنه يدرك تماما من هو الطرف المعرقل في تشكيل الحكومة»، في إشارة إلى قوى «8 آذار». وأضاف: «تنطلق مواقف جنبلاط من مصلحته، لكننا بتنا عاجزين عن اللحاق به من كثرة التغييرات التي تطرأ على مواقفه». ورأى فتفت أن جنبلاط، في تصريحاته الأخيرة، «عبر في مواقفه عن التزام كامل بالتحالف مع حزب الله، وتخلى عن موقع الوسطي».

جدير بالذكر أن جنبلاط، ومعه كتلته النيابية، يشكل اليوم حجر الثقل في القرارات السياسية، إذ ترجح خياراته السياسية الكفة لصالح فريق سياسي دون الآخر. ومنذ فترة ما قبل استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وفي ظل الانقسام السياسي العمودي في لبنان على خلفية الأزمة السورية، كرس جنبلاط وسطيته بين الأفرقاء السياسيين. غير أن الشلل السياسي في عملية تشكيل الحكومة اللبنانية ازداد بعد مرور سبعة أشهر على تكليف تمام سلام، خلال الشهرين الأخيرين، في ظل رفض قوى «14 آذار» تمثيل حزب الله في الحكومة، وتعثر التوصل إلى تسوية حول هذا الملف، فضلا عن رفض الحزب صيغة (8+8+8)، ما دفع جنبلاط لمحاولة طرح تسوية «من موقعه الوسطي». لكن تيار المستقبل، وفق كلام فتفت لم يعد يرى أن مواقف جنبلاط «وسطية». إذ اتهم فتفت، وهو وزير سابق، الزعيم الاشتراكي بأنه بات «متماهيا مع مواقف (8 آذار)، وبات خياره في السياسة واضحا، ما ينفي عنه وسطيته، إذ لا يمكن القول إنه وسطي في حين أنه يتبنى مواقف حزب الله».

وازداد امتعاض تيار المستقبل من تصريحات جنبلاط، نتيجة مقاربته الأزمة السورية بانتقاده الثورة والمعارضة في سوريا. وقال فتفت: «قبل يومين، كان جنبلاط يعتبر (الرئيس السوري) بشار الأسد مجرما، وفجأة بدأ يخلط بين الثورة والمال ما يعتبر إهانة للشعب السوري». وجاءت تصريحات فتفت، غداة انتقاد النائب عقاب صقر لجنبلاط، إذ شن عليه هجوما على خلفية إشارته إلى أن قوى «14 آذار» «تدخلت في الأزمة السورية قبل حزب الله، بدءا من عقاب صقر وصولا إلى الشمال». وقال صقر، في بيان، إن «جنبلاط دأب منذ فترة غير بسيطة، وفي سياق تصريحاته المتنوعة والمتضاربة، على زج اسمي في محاولة متكررة لتبرير غزو إيران وحزب الله لسوريا، وعليه لا بد من لفت عنايته إلى أن ما قدمناه من دعم سياسي وإعلامي وإنساني هو من أبسط واجبات الكائن البشري تجاه شعب يذبح يوميا». وينظر مراقبون سياسيون في بيروت إلى أن السجال الأخير أضاف مزيدا من العراقيل والتحديات التي ستواجه سلام في محاولته تشكيل الحكومة، ما دفع أفرقاء في قوى «14 آذار» إلى دعوته لـ«الحسم». وأكد عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب الدكتور فادي كرم مواصلة الضغط باتجاه تأليف حكومة حيادية تحترم الميثاقية لمصلحة لبنان، داعيا الرئيسين سليمان وسلام إلى تأليف الحكومة التي يريان أنها مناسبة تفاديا للدخول والغوص في مزيد من الفراغ. وأكد كرم أن «قوى (14 آذار) لا تطالب بعزل أحد عن الحكومة العتيدة إنما تريدها أن تهتم بشؤون البلد وترك الأمور الخلافية لطاولة الحوار». وبدوره، شدد عضو كتلة المستقبل النائب جان أوغاسابيان على أن «الرئيس المكلف حريص على عملية إنقاذية في هذه المرحلة، غير أنه يواجه صعوبات كثيرة، لأن حزب الله وضع الجميع أمام احتمالات مرفوضة من قبلنا». وقال: «إن على سلام أن يشكل حكومة، ويعرضها على الطاولة، ويلزم جميع الأفرقاء بها».