عرض إيران للقوى الكبرى يعتمد على سياسة «الخطوة خطوة»

روسيا تصف المباحثات بالمبشرة.. ومصادر غربية تشير إلى أن اختبار المصداقية سيظهر في الاجتماع التقني

صحف ايرانية معروضة على الارض خارج كشك في طهران أمس تعرض على صفحاتها الاولى المحادثات النووية في جنيف بين ايران والغرب. (أ.ف.ب)
TT

فيما وصفت جلسة التفاوض الأخيرة بين القوى الدولية وإيران المنتهية أول من أمس بمدينة جنيف بأنها الأنجح على الإطلاق، وأنها الجولة التي شهدت حوارا حقيقيا بين طرفيها، بعد ما تسرب من معلومات تؤكد أن إيران وفق إطار العمل «السري» الذي اقترحته قد وعدت بتقديم الكثير من التنازلات، وفي مقدمة ذلك منح الوكالة الدولية للطاقة الذرية المزيد من إمكانات الرقابة، أجمعت مصادر غربية، لـ«الشرق الأوسط»، أن المحك الأول للاختبار أمام مصداقية ما طرحته إيران سوف يتحقق في ما سيعلن عنه بعد الاجتماع التقني الفني المعلن بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بالعاصمة النمساوية فيينا بتاريخ 28 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، في متابعة لاجتماع قصير عقده الطرفان مطلع الشهر وانفض بعد نحو ساعتين وقف خلالهما المندوب الإيراني الجديد لدى الوكالة، رضا نجفي، ومجموعته عند ما سبق وناقشه الطرفان دون نجاح طيلة 11 جولة.

ومعلوم أن مدير الوكالة يوكيا أمانو كان أثناء تلك الجولات قد قام بزيارة خاطفة لطهران، ليوم واحد فقط، مطالبا بتصريح للمفتشين الدوليين لزيارة موقع بارشين العسكري حيث تزعم معلومات استخبارتية أن إيران أجرت تجارب وصولا لأسلحة نووية. وكان أمانو قد عاد من دون نجاح، ولا يزال بارشين مغلقا أمام المفتشين.

وفيما اشترطت إيران على القوى النووية التزام سرية كاملة بشأن ما قدمته من اقتراح أو خريطة عمل في محادثات جنيف فإن تسريبات أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن إيران وعدت بمزيد من الصلاحيات للمفتشين الدوليين لمزيد من التحري في المنشآت دون أن تطلق لهم المجال مفتوحا على مصراعيه برفضها النقاش حول إمكانية التوقيع وتطبيع البروتوكول الإضافي في المرحلة الحالية. وكان رئيس الوفد الإيراني لمحادثات جنيف وزير الخارجية محمد جواد ظريف قد أوضح في مؤتمره الصحافي عقب الاجتماعات أن البروتوكول الإضافي أمر معقد بسبب قوانين إيرانية تتطلب الكثير من البحث.

يذكر أن البروتوكول الإضافي الذي سبق لإيران أن وقعت عليه في ديسمبر (كانون الأول) 2003 من دون أن يجيزه البرلمان يعطي الوكالة ومفتشيها صلاحيات واسعة، بما في ذلك طلعات تفتيشية لمختلف المرافق، من دون إعلان موسع مسبق، وقد لا يزيد على 24 ساعة، وقد يكون مباغتا بإعلان لا يتجاوز ساعتين والمفتشون في طريقهم للموقع. كما يمنحهم صلاحية إجراء ما يشاءون من مقابلات وجمع ما يرغبون من عينات ووثائق ومستندات ومقابلات مع أي مسؤول.

وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن إيران أثناء 4 جلسات صباحية ومسائية بجنيف نجحت في عرض أسلوب عمل يقوم على سياسة «خطوة إزاء خطوة»، بمعنى أنها تقدم على خطوة تفتح فيها منشأة للتفتيش مقابل خطوة مقابلة من القوى الدولية في مجال تخفيف الحظر، وهكذا تمضي الخطة بما في ذلك قبول إيران للحد من عدد السنتفيوزات وأجهزة الطرد مقابل ذلك التنازل من عقوبات وحظر وقرارات دولية.

وفي هذا السياق، نبهت مصادر إيرانية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» صباح أمس على أهمية ما قاله وزير الخارجية محمد جواد ظريف بالفارسية من أن «إيران ستعمل جادة للمساعدة من جانبها لاسترجاع الثقة المفقودة في نشاطها النووي من دون أن تعلن وقفها لتخصيب اليورانيوم»، مؤكدين أن إيران سوف تظل تناور مرحلة تلو مرحلة لكنها أبدا لن تعلن تجميد التخصيب، وإن عملت على تقليص الأجهزة والحد من أنشطته.

من جانبه، وصف محلل سياسي إيراني تابع جلسات جنيف، نتائج الاجتماع هذه المرة والمرات القادمة بأنها «واضحة بالنسبة للطرفين، بمعنى أن كل طرف يهدف للوصول إلى حل بعد شد وجذب لتحقيق أكبر مكسب، إذ تعلم إيران أنها لا بد أن تبدي تغييرا وأن تفتح المنشآت لترتخي قبضة العقوبات القاصمة، كما تعلم القوى الكبرى أن أي وفد إيراني لا يمكن أن يجمد النشاط النووي الإيراني أو يعلن حله وتفكيكه باعتبار أن «النووي الإيراني» أصبح مطلبا شعبيا أكثر منه حكوميا، مواصلا «كما يقول المثل فإن من يتبلل لا يخشى المطر.. وهذا المثل ينطبق تماما على حال الشعب الإيراني الذي تحمل الحصار ودفع ثمنا غاليا، وهو الآن ينتظر موسم الحصاد، ولن يقبل أن يحصد حنطة وشعيرا، وإنما قبول دولي بتقنيته النووية التي أصبحت حقيقة واقعة يمكن المناورة بالحد منها وليس تجميدها»، مشيرا إلى أن الإيرانيين كتجار معروفين يمتلكون مهارة الأخذ والعطاء، مضيفا «حتى عندما اشتدت عليهم المواجهة في أحلك مراحلها وأصعبها نجحوا في فرض تخصيب اليورانيوم بدرجة 3.5 في المائة، ومن ثم 5 في المائة، ولذلك فهو لا يستبعد أن يحظى التخصيب بنسبة 20 في المائة بتجاهل مقابل قبول إيران كشريك للقوى الدولية بالمنطقة، بمعنى شريك في المصالح والمؤثرات الجيوسياسية.

في سياق مختلف، قال مصدر عربي متابع لـ«الشرق الأوسط» إن الحكومة الإيرانية مثلها مثل بقية حكومات الإقليم تخشى الهبات والثورات الشبابية المعروفة بـ«الربيع العربي» السائدة أخيرا، مؤكدا أن الحكومة الجديدة وبما تمتاز به من اعتدال لن تلجأ لسياسة صم الآذان و«تضرب رأسها في الحيط»، وإنما سوف تتحسب من انتقال العدوى خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعيشها الإيرانيون مما يزيد من نقمة أي شعب، ناهيك عن شعب دولة تمتلك نفط إيران، وبالتالي فإن الحكومة الإيرانية التي تستمتع بانفتاحية حسن روحاني وفريقه العامل تبحث عن متنفس، وهو متنفس لن تحصل عليه إلا برفع العقوبات ولو جزئيا مما يعني مناورات و«شطارة» في التفاوض لتحقيق مكاسب ومنح الطرف الآخر مكاسب، مغلفين ما يصلانه بتصريحات تنفي أي تنازلات أو ابتعاد عن المبادئ والأساسيات، مذكرا بأن العالم سوف يشهد مرحلة دبلوماسية تعيد للأذهان سياسة «البينغ بونغ» بمعنى ضربة من هنا وضربة من هناك وليس «كبسة» وتهديدات ومواجهات بل قاعات اجتماعات مغلقة تسبقها ابتسامات وتصريحات إيجابية، ومن ثم تدور جولات وجولات من المفاوضات للأخذ والعطاء لا سيما أن كل طرف يحتاج الآخر.

وفي إطار ردود الفعل على المباحثات التي اختتمت في إيران أول من أمس، قالت روسيا أمس إن المحادثات مبشرة للغاية، وإن اقتراحات إيران قد تسفر عن تقدم في سبيل إنهاء النزاع بينها وبين القوى العالمية. وقال ألكسندر لوكاشفيتش، المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية «أقلل من أهمية هذه الجولة»، في إشارة إلى المحادثات التي جرت في جنيف يومي الثلاثاء والأربعاء بين إيران وروسيا والولايات المتحدة والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. وأضاف في إفادة أسبوعية مقتضبة «على الرغم من صعوبتها الشديدة نرى أنها كانت مبشرة جدا جدا». وقال إن المقترحات الجديدة التي تقدمت بها إيران قد تدفع عملية التفاوض قدما، وهي تدل على نية الجانب الإيراني تسوية القضايا التي تبعث قلق القوى الست». وعبر المتحدث عن تفاؤل أكبر مما أبداه سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية والمفاوض الروسي في محادثات جنيف، والذي قال أول من أمس الأربعاء إن مواقف الجانبين متباعدة للغاية، وليس هناك ما يضمن تحقيق المزيد من التقدم.

من جانبهم، أعلن مسؤولون إسرائيليون كبار أنه يجب الحكم على إيران «من أفعالها» في ما يتعلق بالملف النووي.