السوريون مذهولون من الهبوط الحاد للدولار والذهب وبقاء أسعار السلع مرتفعة

اقتصاديون يعدون تحسن الليرة «وهميا».. والموالون للنظام يرجعونه إلى إقالة جميل

TT

«الدولار صار أرخص من البطاطا»، جملة يكررها السوريون اليوم باستغراب شديد وهم يراقبون الهبوط السريع لسعر الدولار مقابل الليرة السورية خلال أقل من أسبوع، وما يزيد الغموض والدهشة، أن أسعار السلع والمواد الغذائية لم يهبط بل على العكس واصل ارتفاعه. فسعر كيلو البطاطا، على سبيل المثال، أكثر من 200 ليرة، وسعر كيلو الجبنة البلدية ألف ليرة علما بأن سعره كان في يونيو (حزيران) الماضي 350 ليرة. وانخفض سعر الدولار في السوق السوداء أول من أمس إلى 115 ليرة للمبيع و120 ليرة للشراء، وخلال أقل من أسبوع كان يسجل انخفاضا يوميا بمعدل عشر ليرات، بعد أن كان بـ170 ليرة. وترافق هبوط سعر الدولار بانخفاض سعر الذهب من نحو ثمانية آلاف للغرام الواحد عيار 21 إلى 4800 ليرة أول من أمس.

ويشيع الموالون للنظام أن سبب تحسن قيمة الليرة هو إعفاء نائب رئيس مجلس الوزراء قدري جميل من منصبه، حيث حمل النظام سياسته الاقتصادية وزر تدهور قيمة الليرة. وهذه الدعايات التي تبدو مقنعة للبعض من البسطاء إلا أنها بدت لفريق آخر «نكتة سمجة» ردوا عليها بنكتة تداولوها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وهي عبارة عن تساؤل: «إذا كانت الإطاحة بقدري جميل وحدها حسنت وضع الليرة فكيف سيكون الاقتصاد إذا أطيح بالنظام كاملا».

لكن تحسن قيمة الليرة لم ينعكس على الأسعار التي واصلت الارتفاع، بل على العكس ساءت أحوال شريحة كبيرة من السوريين تعتمد على الحوالات المالية بالعملة الأجنبية التي تأتيها من المغتربين، ووجدت هذه الشريحة نفسها عاجزة عن حمل أعباء مساعدة الشريحة المعدمة المحيطة بها، فزاد عدد الفقراء بدل أن ينعكس تحسن الليرة على الجميع.

وعلى سبيل المثال كان خالد يتقاضى نحو 1500 دولار شهريا من عمل مع شركة أجنبية، وهو الشخص الوحيد في عائلته الكبيرة الذي حافظ على دخله فيما تضاءلت قيمة رواتب أشقائه الموظفين في الحكومة إلى حد لم تعد تكفي ثمن خبز ومواصلات. فكان يتقاسم معهم راتبه بينما يحاول الأشقاء الستة توظيف رأسمال صغير في مهن حرة لتدبير أمورهم. ومع انخفاض الدولار يقف خالد حائرا عما إذا كان بإمكانه الاستمرار بتقديم الدعم. ويبدي تخوفا من الوضع الاقتصادي في حال استمرت حالة اللاتوازن بين انخفاض سعر الدولار وارتفاع الأسعار. وقال إعلامي مختص بالاقتصاد لم يفصح عن اسمه لـ«الشرق الأوسط» بأن «تحسن قيمة الليرة تحسن وهمي، ومؤشر خطير»، متوقعا أن يعقب هذا الانخفاض الحاد ارتفاع حاد. ولفت إلى وجود «لعبة اقتصادية يمارسها النظام وأركانه في عالم المال والاقتصاد للاستثمار في الأزمة وجني مزيد من الأرباح». ويقول: «اتخذت الحكومة والأجهزة الأمنية حزمة إجراءات قاسية بحق شركات الصرافة حيث أوقفت عن العمل كبريات الشركات، وجرى الاستيلاء على الأموال التي بحوزتها، كما اعتقل عشرات من صغار الصرافين وحتى عشرات من الزبائن، وذلك بينما يعقد المصرف المركزي جلسات تدخل لطرح العملة في السوق بعد أن شلت حركتها ما خلق وفرة بالقطاع الأجنبي، ترافقت مع شح في البضائع والسلع في الأسواق، الأمر الذي جعل السوق بيئة مناسبة للاستيراد بسعر صرف منخفض للدولار إلى مستوى أقل من السعر الرسمي، لذا يرجح أنه بعد أن يفتح الباب للمسموح لهم من المستوردين بالعمل إغراق السوق بالبضائع المطلوبة أن يعود سعر الدولار للارتفاع ودفع الأسعار لترتفع أكثر وأكثر».

وأضاف الإعلامي الاقتصادي: «إنها لعبة خطيرة جدا على الاقتصاد الوطني لكنها رابحة جدا لتجار النظام الذي سبق واستثمر جيدا عبر التلاعب بسعر الصرف في السوق السوداء».

بدورها، أكدت مصادر حكومية أن هبوط سعر الدولار هو نتيجة لسياسة «اقتصادية بعيدة المدى» انتهجتها للمحافظة على قيمة الليرة، حيث تدخل مصرف سوريا المركزي في السوق، عبر سلسلة من جلسات التدخل في سوق الصرف، أولها كان مطلع يوليو (تموز) الماضي، حيث باع على أثرها لشركات الصرافة كميات من الدولار بسعر 240 ليرة على أن تباع للمواطنين بسعر 250 ليرة، وآخرها في 22 الشهر الماضي إذ باع فيها البنك الدولار للشركات بسعر 165 ليرة، على أن يباع للمواطنين بسعر 166.65 ليرة، علما بأن سعر الدولار في السوق السوداء وصل في يونيو الماضي إلى أكثر من 300 ليرة ما أدى إلى ارتفاع سعر غرام الذهب عيار الـ21 إلى 10 آلاف ليرة سورية، وهو أعلى رقم يصله في تاريخ سوريا.

ومع انخفاض سعر الذهب عاد السوق لينشط. فهناك من راح يبيع مدخراته قبل أن تخسر المزيد من قيمتها وهناك من راح يستغل هبوط السعر ليزيد مدخراته. وكانت «جمعية الصاغة» أوضحت بداية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أن مبيعات الذهب تسجل تحسنا أسبوعيا مستمرا واستقرت عند حدود 10 كيلوغرامات يوميا، بعد أن كانت 8 كيلوغرامات وقبلها ما بين 4 و6 كيلوغرامات.