ضاحية بيروت الجنوبية تختنق بزحمة «عاشوراء»

الأجهزة الأمنية تشدد تدابيرها.. وحزب الله يتولى التفتيش في الشوارع الداخلية

TT

لم تخفف دعوة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مناصريه إلى التعاون مع الإجراءات الأمنية الاستثنائية الخاصة بذكرى عاشوراء، من حالة الاستياء الشعبية من زحمة السير والشوارع المقفلة في ضاحية بيروت الجنوبية. هذه المنطقة التي تسكنها أغلبية شيعية، تتقلص شوارعها الداخلية، بدءا من الساعة الرابعة من بعد الظهر، إلى النصف يوميا، حيث تقفل الشوارع لضرورات أمنية، بموازاة إحياء مراسم عاشوراء.

وتأتي مناسبة عاشوراء هذا العام، محملة بهواجس أمنية كبيرة، بالنسبة لسكان الضاحية. «الخطر كبير علينا»، يقول حسن كركي، الذي يسكن منطقة الشياح في الضاحية، مشيرا إلى أنه «يجب تحمل الإجراءات في هذه المرحلة، مهما كانت قاسية، إلى أن يخف الخطر عنا».

ولا يختلف اثنان في المنطقة على أن الضاحية لا تزال مستهدفة، بعد انفجار سيارتين مفخختين فيها، الصيف الماضي، والعثور على ثالثة قبل شهر. ويلتقي هذا الاعتقاد مع معلومات أمنية، كان وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل كشف عنها نهاية الأسبوع الماضي، من ناحية أن الضاحية لا تزال من أكثر المناطق عرضة للاستهداف. ويسري الخوف على مختلف سكان الضاحية، كبارا وصغارا، نظرا لانتشار التجمعات، بدءا من عصر كل يوم، وخلال مدة 10 أيام. وتقول زينب (47 عاما) ممازحة: «من يرد استهدافنا، يغنم بنا»، في إشارة إلى التجمعات اليومية.

وتعد عاشوراء أكثر المناسبات القادرة على حشد مئات آلاف الشيعة، يوميا، في مواقع دينية، ومتفرعات الشوارع، حيث تقام مجالس العزاء. وتنتشر صالات وخيام العزاء المستحدثة خصيصا لإحياء هذه المناسبة، في معظم مناطق الضاحية، بدءا من مدخلها الغربي في مبنى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، مرورا بأحياء حارة حريك، وبرج البراجنة، والغبيري، ومجمع سيد الشهداء حيث يقام مجلس مركزي ينظمه حزب الله، ومنطقة معوض، حيث يقام مجلس مركزي تنظمه حركة أمل، فضلا عن النوادي الحسينية والقاعات في الشياح وحي ماضي وصفير والحي الأبيض والجاموس.

وينظم الحزبان الشيعيان الأساسيان في لبنان، وهما حزب الله وحركة أمل، مجالس مركزية تحشد الآلاف يوميا، ويتحدث فيها قياديون، فيما تنظم الجمعيات الأهلية الشيعية، والعراقيون في لبنان، وبعض المبادرين بشكل فردي، مجالس عزاء في أوقات متفاوتة.

ومع حلول فترة بعد الظهر، تطول طوابير السيارات على مداخل الضاحية الجنوبية، بسبب تكثيف الإجراءات الأمنية. وتمتد طوابير السيارات المتوقفة أمام حاجز للجيش اللبناني في منطقة مار مخايل، أحد مداخل الضاحية الشمالية، إلى نحو مائتي متر. ويجري الجيش تفتيشا دقيقا، عملا بخطة تشديد الإجراءات التي أعلن عنها وزير الداخلية، في مواقع التجمعات. وينسحب هذا المشهد على المداخل الأخرى من جهة طريق المطار، والمشرفية، ومنطقة صفير. في هذه الأيام، تختنق الضاحية بزحمة السيارات، وتتضاعف الزحمة مساء، مع حلول مواعيد مجالس العزاء المركزية.

ويقول فضل (35 عاما)، إن هذه الإجراءات، مهما كانت قاسية، «قادرة على حمايتنا من النموذج العراقي». فقد سادت مخاوف بالغة في المنطقة، من أن يطبق نموذج التفجيرات في العراق على الضاحية التي تتقاسم مع المناطق الشيعية في بغداد إحياء مجالس عاشوراء. ويضيف: «قد تكون التجمعات مناسبة لاستهدافنا بهدف قتل أكبر قدر من الشيعة»، مشيرا إلى أن المخاوف «جديرة بالاهتمام، وهو ما يدفع القوى الأمنية لتشديد تدابيرها».

وتتولى القوى الأمنية الرسمية اللبنانية أمن الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله، منذ أواخر شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، لتحل محل رجال أمن حزب الله الذين تولوا التفتيش والتدقيق في المنطقة، بعد انفجار الرويس في 15 أغسطس (آب) الماضي. غير أن المهام الرسمية، لم تلغ تدابير أمنية اتخذها رجال حزب الله وحركة أمل، مع بدء عاشوراء. فقد تولى هؤلاء مهام إقفال شوارع تقام فيها مجالس العزاء، ومنع السيارات من الدخول إليها، وما تلبث أن تتشدد الإجراءات مع الاقتراب من موقع المجلس، حيث يخضع الوافدون، رجالا ونساء، لتفتيش دقيق، من قبل شخصين على الأقل، يبعدان عن بعضهما مسافة 20 مترا.

وضاعف إقفال الشوارع من حجم استياء السكان، بسبب التضييق على مواقع سكنهم. وتقول امرأة أربعينية فضلت عدم الكشف عن اسمها: «نتفهم الإجراءات الأمنية والمخاوف، لكنه مبالغ فيها». وتضيف: «حياتنا يجب أن تستمر.. إجراءاتهم تعرقل حياتنا الطبيعية.. كان عليهم حصر مجالس العزاء في مكانين فقط، لتجنيب الناس هذه المعاناة».

ويواجه السكان مشكلة كبيرة في توقيف سياراتهم التي ضاقت أماكنها أصلا، بفعل تدابير أمنية اتخذت بعد تفجير الرويس. فقد قرر بعض السكان عدم الخروج بسياراتهم إلى عملهم، خوفا من أن يعجزوا عن إيجاد موقف لها في وقت العودة.

ويعلم حزب الله حجم الاستياء من التضييق على السكان في فترة عاشوراء، وهو ما دفع الأمين العام للحزب، قبل يومين، إلى دعوة «جمهور المقاومة للتعاون مع إجراءات حواجز القوى الأمنية في مختلف المناطق»، كما دعاهم «لتحمل الإجراءات التي ينظمها القائمون على المجالس العاشورائية»، مشيرا إلى «الظرف الأمني في البلد والمنطقة والتحديات الموجودة والتي تفرض وجود إجراءات مماثلة». كما وجه نصر الله إرشاداته للقائمون على المجالس، داعيا إياهم إلى مراعاة أحوال الناس وعدم نقل أصوات مكبرات الصوت إلى خارج المجمعات.

وتتكثف التدابير الأمنية السنوية في اليوم الـ10 من عاشوراء، حيث يحيي حزب الله المناسبة بالمسيرات التي تجول سائر مناطق الضاحية، وهو ما يدفع المنظمين إلى إخلاء الشوارع بشكل تام من السيارات، وإقفال الشوارع المؤدية إلى المنطقة، وعادة ما تنتهي المناسبة مع إلقاء نصر الله خطبته السنوية ظهر عاشوراء.