مصادر رسمية فرنسية لـ «الشرق الأوسط»: إيران رفضت حتى الآن اعتبار «جنيف 1» أساسا للحل السياسي في سوريا

قالت إن روسيا ترهن قبولها بخروج الأسد بضمانات حول مضمون الحل

TT

ما زال موضوع مشاركة إيران في مؤتمر «جنيف 2»، المزمع عقده الشهر المقبل، يمثل إحدى العقبات الأساسية التي تعيق الدعوة إليه، ليس فقط بسبب الانقسام الدولي الحاصل بشأنه بين متمسك بالحضور ورافض له، بل كذلك بسبب طبيعة الموقف الإيراني والتجاذبات الخاصة به داخل القيادة الإيرانية نفسها.

وقالت مصادر فرنسية رسمية واكبت زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى باريس، إن الأخير ما زال «يرفض» التجاوب مع المطلب الغربي الذي يشترط على إيران قبول مضمون بيان «جنيف 1» واعتباره أساسا لانعقاد «جنيف 2»، وتحديدا بالنسبة إلى دعوته لإنشاء حكومة انتقالية تعود إليها الصلاحيات التنفيذية الخاصة بالحكومة والرئاسة في سوريا، بما في ذلك الإشراف على القوات المسلحة وأجهزة الأمن والمخابرات والإشراف على الانتخابات.

وتعد إيران، كما شرح موقفها الوزير ظريف، «بيان جنيف» «لا يوفر قاعدة للحل»، و«لا يمكن قبوله كما هو» وفق التفسير الغربي له الذي يؤكد أنه يعني «رحيل الأسد» أو مصادرة كافة صلاحياته. وفي المقابل، ترى إيران أن الحل «يجب أن يكون سوريا»، وأنه «يقوم على قبول بقاء الأسد في السلطة حتى نهاية عهده ثم إجراء انتخابات مفتوحة أمام الجميع، بمن فيهم الرئيس السوري». والخلاصة التي توصلت إليها المصادر الفرنسية، هي أنه إذا أصرت «مجموعة أصدقاء سوريا» على مطالبة إيران بالاعتراف ببيان «جنيف 1» أساسا للحل، فإن طهران «لن تقوم بهذه الخطوة».

وقالت المصادر الفرنسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، إن الانطباع الذي أعطاه ظريف هو أنه «لا يملك هامشا للمناورة» فيما يخص الملف السوري بعكس الحال في الملف النووي بسبب الدور المهيمن الذي يلعبه «الباسدران» و«حراس الثورة» و«فيلق القدس» والجماعات المحافظة، وصولا إلى المرشد الأعلى الإمام علي خامئني. بيد أنها تعد هذا الواقع يمكن أن يتغير في حال نجح في الحصول على نتائج إيجابية في الملف النووي، مما قد يقوي موقعه ويمنحه الهامش المطلوب.

وتدافع باريس، ومعها أطراف غربية، عن فكرة أن بيان «جنيف 1» تغيرت طبيعته بعد أن تبناه مجلس الأمن الدولي في قراره الخاص بسوريا رقم 2118. ولذا، فإن حجة إيران القائلة إنها لا يمكن أن تقبل مبادئ جرى تبينها من غير مشاركتها، تصبح من غير ذي معنى، باعتبار أن طهران «تتقبل» قرارا أجمع عليه مجلس الأمن الدولي ووافقت عليه سوريا نفسها التي بدأت بتنفيذ بنوده الخاصة بالسلاح الكيماوي. لكن هذه الحجة تبدو شكلية إلى حد كبير، إذ إنها لا تستجيب في العمق لما تريده طهران.

ونقلت هذه المصادر أصداء «إحباط» عبر عنه المبعوث العربي - الدولي الأخضر الإبراهيمي الذي عبر عن خيبته من عدم تمكنه من لقاء بعض مسؤولي الخليج بسبب عقدة الدور الإيراني وميل الخليجيين إلى «موقف متشدد موحد» من المشاركة الإيرانية. ولا يمكن حل العقدة المذكورة إلا بـ«ضمانات» تتناول تمثيل المعارضة السورية وكيفية تشكيل وفدها وما سيخرج به المؤتمر من قرارات وحلول؛ أولها «إخراج الأسد من الصورة» بشكل أو بآخر.

بيد أنه رغم الصعوبات، تحدثت المصادر الفرنسية عن «تفاهمات» قد تحققت؛ أهمها وجود قبول «بأن تتطابق نهاية المرحلة الانتقالية مع انتهاء ولاية الأسد والوصول إلى انتخابات جديدة». وبحسب ما أكدته لـ«الشرق الأوسط»، فإن روسيا نفسها «يمكن أن تسير في هذه الخطة» إذا توافرت لها بعض الشروط وإذا «جرى التوافق على مكونات الحل ومراحله وروزنامته». ولذا، فإن موقف روسيا، المتمسك ببقاء الأسد، هو «موقف تفاوضي»؛ بمعنى أنها يمكن أن تتزحزح عنه إذا حصلت على ما تريده، ومن ضمنه: شكل الحكومة الانتقالية ومكوناتها، وموقع معارضة الداخل والخارج، والضمانات التي ستعطى للأقليات، ومصير الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة وقياداتها. ولذا، فإن لروسيا مشكلة «روزنامة»؛ بمعنى كيفية بناء التراتبية الزمنية لحلقات الحل وتسلسلها وخطواتها. والخلاصة، أن روسيا «لن تتخلى عن ورقة الأسد إلا في نهاية المسار وليس في بدايته». من هنا، فالصعوبة الكبرى أمام المبعوث الدولي في التوفيق بين المطالب المتعارضة، خصوصا أن أطرافا في النظام والمعارضة ما زالت تريد الحل العسكري وتراهن على قدرتها في تحقيقه.

من هذا المنطلق، يبدو بيان «جنيف 1» كإطار ليس إلا، ويتعين ملء مربعاته وتعيين محدداته. لكنه رغم كل ما يعتوره من عاهات، فإنه يبقى الأساس الوحيد الذي يمكن أن يقوم عليه الحل السياسي أو التسوية التي يفترض أن تضم كافة الأطراف لضمان تنفيذها رغم أنها لن تستجيب لكل مطالب طرف على حساب الطرف الآخر.