ليبيا: هدوء مشوب بالحذر في طرابلس بعد معركة بالأسلحة الثقيلة بين ميليشيات مسلحة

الهوني: عشرات أجهزة المخابرات الأجنبية تعمل وسط ضعف تام من السلطات الرسمية

الشرطة العسكرية لدى تفتيش إحدى السيارات في العاصمة الليبية طرابلس أمس (إ.ب.أ)
TT

التزمت أعلى سلطتين: الدستورية والتنفيذية، في ليبيا، الصمت حيال الاشتباكات الدامية التي شهدتها عدة أحياء سكنية في العاصمة الليبية طرابلس مساء أول من أمس، وأسفرت، وفقا لما أكدته مصادر ليبية لـ«الشرق الأوسط»، عن سقوط قتيلين و29 جريحا حالة اثنين منهم خطيرة.

وأصدرت حكومات فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة بيانا مشتركا وزعته السفارة الأميركية في طرابلس، أعربت خلالها عن «قلقها بسبب حالة عدم الاستقرار في ليبيا، والتهديد الذي يمثله ذلك للانتقال الديمقراطي».

وأضاف البيان الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه: «نكرر دعمنا للمؤسسات السياسية المنتخبة، وندعـو الليبيين إلى رفض أي استعمال للقوة ضدها، إننا نـدرك أن إقرار الدستور سوف يكون عاملا رئيسيا لتوفير إطار العمل لمستقبل ليبيا الآمـن والمزدهر، ونشجع على التعجيل في البدء في العملية الدستورية».

وتابع البيان غير المسبوق: «إننا ندعو جميع الليبيين لوضع اختلافاتهم الفردية جانبا، وللعمل معا تجاه المصلحة الوطنية العليا والمساعدة في تدعيم المؤسسات الديمقراطية بـغـية تحقيق كامل لتطلعات الثورة، ولكي يتم بذلك تكريم شهدائها وتكريم تضحياتهم». وجاءت هذه التطورات فيما تستعد حركة 9 نوفمبر (تشرين الثاني) لتنظيم مظاهرات شعبية حاشدة اليوم في مختلف المدن الليبية ما عدا مدينة بنغازي (شرق البلاد) بسبب تدهور وضعها الأمني، للمطالبة بإسقاط الحكومة الانتقالية والمؤتمر الوطني العام (البرلمان) وإجراء انتخابات برلمانية جديدة.

وعاش سكان طرابلس ساعات رعب حقيقية بسبب نشوب معركة مفاجئة بين ميليشيات مسلحة جرى خلالها تبادل إطلاق النار الكثيف باستخدام أنواع الأسلحة الثقيلة، فيما خرجت أعداد كبيرة من أهالي منطقة الظهرة وزاوية الدهماني وفشلوم وشارع عمر المختار والمنصورة القريبة من مكان الحادث للتعبير عن رفضهم واستنكارهم لإطلاق النار العشوائي الذي أحدث، بالإضافة إلى الأضرار البشرية، أضرارا لحقت عددا من المباني الخاصة بالمواطنين والمباني العامة.

وقال شهود عيان وسكان محليون في طرابلس لـ«الشرق الأوسط» إن منازلهم تعرضت لهزات قوية بفعل الانفجارات واستخدام الميليشيات المتناحرة للأسلحة المضادة للطائرات والقنابل للمرة الثانية خلال أسبوع. وعاد الهدوء الحذر أمس إلى شوارع لمدينة التي بدت الحركة فيها شبه اعتيادية بينما لم يظهر أي وجود رسمي سواء لقوات الشرطة أو الجيش التابعة للسلطات الرسمية. ورفض مسؤولون في المؤتمر الوطني الذي يعد أعلى هيئة سياسية في ليبيا التعقيب على هذه التطورات، فيما لم تصدر الحكومة الانتقالية التي يترأسها علي زيدان أي بيانات رسمية.

لكن غرفة عمليات ثوار ليبيا التي من المفترض أنها المسؤولة عن تأمين العاصمة طرابلس أعلنت عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، أن قادتها يتوصلون الآن لفض النزاع وإيقاف إراقة الدماء، معتبرة أن الأمور تتطلب التهدئة والاحتكام إلى القانون.

وهاجمت ميليشيا مدججة بالسلاح منطقة سوق الجمعة في شرق المدينة انتقاما لمقتل أحد أفرادها في تبادل لإطلاق النار في طرابلس قبل يومين، وهتف مقاتلون على شاحنة صغيرة عليها مدفع مضاد للطائرات مكبرين بينما كانت الشاحنة تنطلق بسرعة كبيرة قرب وزارة الخارجية، حيث أمكن مشاهدة طلقات استكشافية من المدافع المضادة للطائرات لتحديد أهدافها في منطقة سوق الجمعة وعدة مناطق من طرابلس تبعتها انفجارات مدوية.

كما سمع سكان في المدينة أصوات إطلاق قذائف صاروخية بالقرب من وزارة الخارجية ومبنى التلفزيون الليبي في وسط العاصمة، فيما قال مصدر أمني آخر إن معظم العيارات النارية كانت استعراض قوة من قبل الطرفين. وأضاف: «كل فريق أطلق العيارات النارية في الهواء كي يظهر قوته». وطبقا لما روته مصادر ليبية لـ«الشرق الأوسط» فقد بدأت المشكلة عندما استوقفت دورية تابعة لميليشيا قوات الردع المشتركة التي تتبع اسميا وزارة الداخلية لكنها فعليا تقع ضمن ولاية أحد أمراء الميليشيات الإسلامية السلفية، سيارة كان سائقها مخمورا كما ذكرت التحقيقات الأولية، وكان زجاج السيارة معتما، فقاموا بإزالة التعتيم وأطلقوا السيارة والسائق في حال سبيلهما.

لكن السائق الذي ترجع أصوله إلى مدينة مصراته، استدعى مجموعة من رفاقه للانتقام من الدورية، حيث تصادف وجود نوري فريوان أحد قادة الثوار من مدينة مصراته والذي أصيب أثناء تبادل إطلاق النار بثلاثة أعيرة نارية نقل على أثرها مباشرة إلى مالطا لتلقي العلاج، لكنه لقي حتفه.

وتزامنت هذه المشكلة مع نشوب خلاف في وجهات النظر بين عضو المؤتمر الوطني عن مصراته صلاح بادي وهو أيضا أحد قيادات ثوار مدينة مصراته وله نفوذ على ميليشيات مدينة مصراته المقيمة داخل حي غرغور بالعاصمة طرابلس، وبين هاشم بشر الذي كان مكلفا برئاسة اللجنة الأمنية في المدينة. وقالت مصادر ليبية لـ«الشرق الأوسط» إنه نتيجة لهذا الخلاف جرى تبادل لإطلاق النار بين الحرس التابع للطرفين أصيب خلاله أحمد الساعدي الذي يشغل منصب المقرر والذي تغيب عن باقي جلسات المؤتمر. وقال قائد إحدى الميليشيات المسلحة في المدينة لـ«الشرق الأوسط»: «الوضع أصبح متوترا نوعا ما بين ميليشيات حي سوق الجمعة وميليشيات مصراته الموجودة بالعاصمة».

من جهته، اعتبر عبد المنعم الهوني، أول دبلوماسي ليبي يستقيل عقب الانتفاضة الشعبية التي اندلعت عام 2011 ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي، أن من حق الشعب الليبي أن يثور مجددا على ما وصفه بالفوضى الأمنية والسياسية وانعدام الاستقرار حاليا في ليبيا.

وقال الهوني إن الوضع في البلاد يتجه إلى مرحلة خطيرة، حيث تنتشر عشرات أجهزة المخابرات الأجنبية وسط ضعف تام من السلطات على إعادة فرض هيبة الدولة وإنشاء دولة القانون.

وأكد الهوني في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، أن استمرار اقتتال الميليشيات المسلحة في قلب طرابلس يحمل تهديدات حقيقية للوضع السياسي والعسكري في البلاد.

ودعا الشعب الليبي إلى الخروج في مظاهرات سلمية منظمة، للتعبير عن استيائه من الانفلات الأمني الراهن الذي لم تنجُ منه مدينة ليبية واحدة، مطالبا كل الميليشيات المسلحة بتسليم سلاحها إلى السلطات والمشاركة في بناء الجيش الليبي باعتباره القوة الوحيدة التي تمتلك صلاحيات البقاء على الأرض. وأضاف: «لماذا يتم قتل ضباط الجيش ورجال الأمن في شوارع ليبيا، ومن لديه مصلحة في بقاء الفوضى على وضعها الراهن هم أعداء الوطن الذين يرون في الاستقرار نهايتهم المحتومة».

وقال الهوني إنه يشعر بالحزن على ما آلت إليه الأمور من ضياع لكل المعاني النبيلة التي قامت من أجلها ثورة الشعب الليبي على النظام الديكتاتوري السابق.