الأمم المتحدة: العالم العربي يحتاج لاستثمار 200 مليار دولار لمواجهة أزمة المياه

ارتفعت الكميات التي استوردتها بلدان المنطقة من 147 مليار متر مكعب عام 2000 إلى 309 مليارات متر مكعب في 2010

وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة خلال استقباله مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في المنامة أمس (رويترز)
TT

قال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أمس إن الدول العربية قد تحتاج إلى استثمار ما لا يقل عن 200 مليار دولار في مجال الموارد المائية خلال الأعوام العشرة المقبلة. وأضاف البرنامج، التابع لمنظمة الأمم المتحدة، في تقرير بعنوان «حوكمة المياه في المنطقة العربية.. بين تأمين العجز وضمان المستقبل»، أن حصة الفرد من المياه في 12 دولة عربية تقل عن مستوى الندرة الحادة الذي حددته منظمة الصحة العالمية.

وأضاف التقرير، الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أنه «من المتوقع أن يرتفع عدد سكان البلدان العربية المقدر حاليا بنحو 360 مليون نسمة ليصل إلى 634 مليون نسمة بحلول عام 2050، وأن الفجوة ما بين العرض والطلب في مجال الموارد المائية بالمنطقة قدرت بأكثر من 43 كيلومترا مكعبا سنويا ومن المتوقع أن تبلغ 127 كيلومترا مكعبا في العام مع اقتراب العقد 2020 - 2030.

وأكد التقرير الذي أطلقه أمس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العاصمة البحرينية المنامة أنه من الضروري أن تجابه المنطقة العربية التحديات التي تفرضها ندرة المياه، وأن تتصدى لها بجدية، إذا ما أرادت تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، وبلوغ مستويات من الازدهار يتمتع بها الجميع، وإدراك مستقبل تسوده التنمية الإنسانية المستدامة، والتصدي لتحديات المياه اليوم ومن دون إبطاء من شأنه تعزيز قدرة الدول العربية على إدارة مخاطر الأزمات المحتملة التي يمكن أن تنشأ عن تقاعسنا عن التحرك، من هجرات غير مخطط لها، وانهيارات اقتصادية، وصراعات إقليمية.

وذكر التقرير أن الوضع المائي في المنطقة يتجه وبخطى متسارعة نحو مستويات تنذر بالخطر، وبعواقب وخيمة على التنمية البشرية، والدلائل قد تم تداولها من قبل.. فالمنطقة العربية التي تحوي خمسة في المائة من سكان العالم وتشغل عشرة في المائة من مساحته يقل نصيبها من الموارد المائية العالمية عن واحد في المائة؛ كذلك تقل حصة المنطقة من موارد المياه المتجددة سنويا عن واحد في المائة، ولا يتجاوز ما تتلقاه من هطول الأمطار السنوي في المتوسط نسبة 2.1 في المائة، فضلا عن ذلك فإن الصحاري تشغل أكثر من 87 في المائة من أراضي المنطقة العربية، كما تضم هذه المنطقة أربعة عشر بلدا من بين البلدان العشرين الأكثر تضررا من نقص المياه عالميا، ويقارب نصيب الفرد العربي من المياه المتجددة ثُمن ما يتمتع به نظيره في المتوسط على المستوى العالمي.

وخلال إطلاق تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العاصمة البحرينية المنامة أمس، قالت هيلين كلارك، مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إنه «في حين أن كثيرا من بلدان العالم تواجه اليوم تحديات متنامية من شأنها أن تهدد نوعية وكمية المياه، مثل تغير المناخ على سبيل المثال، فإن هذه التحديات تثير القلق بشكل خاص هنا في المنطقة العربية، إذ وصلت معدلات ندرة المياه بالفعل إلى مستويات حادة». وأضافت أنه من المتوقع أن تسهم زيادة الطلب على المياه بسبب زيادة السكان والتوسع في النمو الاقتصادي في تعميق ما يصفه كثير من الخبراء بـ«أزمة المياه الإقليمية». وأكد تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنه على الرغم من أن الندرة تشكل أساس أزمة المياه العربية، فإن الأزمة تكمن كذلك في سوء إدارة هذا المورد الثمين والذي لا يتم تقديره بحق قدره في المنطقة.

وتشمل التحديات الرئيسة التي يواجهها قطاع المياه في المنطقة «تجزئة عمل المؤسسات العاملة بالقطاع وتداخل - وعدم وضوح - مسؤوليات كل منها، وعدم كفاية القدرات، وعدم كفاية التمويل، فضلا عن مركزية صنع القرار، وعدم الامتثال للقوانين المنظمة وإنفاذها بشكل فعال، ومحدودية الوعي العام».

وأكدت الدكتورة سيما بحوث، الأمينة العامة المساعدة للأمم المتحدة، والمديرة المساعدة ومديرة المكتب الإقليمي للدول العربية ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أنه «يجب التعامل مع أزمة المياه العربية باعتبارها مسألة ملحة وذات أولوية، تستحق المزيد من الاهتمام والالتزام السياسيين حتى في خضم البيئة السياسية الصعبة التي تشهدها في المنطقة اليوم». وأضافت «في الواقع، يجب علينا اغتنام الفرصة التي تتيحها التحولات السياسية والاقتصادية العربية الراهنة لتعزيز الإصلاح في مجال حوكمة المياه».

وتشمل العناصر الأساسية لحوكمة المياه التي يناقشها التقرير قضايا العدالة والشفافية، والمساءلة، والاستدامة البيئية والاقتصادية، ومشاركة أصحاب المصلحة المعنيين وتمكينهم، إضافة إلى القدرة على الاستجابة لاحتياجات التنمية الاجتماعية والاقتصادية. ويؤكد التقرير أن الحوكمة يمكنها أن تضمن ممارسات فعالة في مجال إدارة الموارد المائية عبر إعادة توجيه السياسات المائية، وإصلاح المؤسسات القائمة عليها، وتعزيز الوعي والتثقيف، وزيادة مشاركة أصحاب المصلحة المعنيين، ووضع الاتفاقيات المائية الدولية، وربط السياسات بعمليات البحث والتطوير، إلى جانب أنه من خلال تحليل فعالية التكلفة يمكن تعيين القيمة الحقيقية للمياه، وتحديد بدائل السياسات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الأكثر فاعلية من حيث التكلفة.

وتابع التقرير أن العلاقة المعقدة بين ندرة المياه والأمن الغذائي والطاقة تعمق كذلك من الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لأزمة المياه في المنطقة. فالأمن المائي يمثل جزءا لا يتجزأ من الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والصحية، فلا بد من ضمان إتاحة المياه لكل مستخدميها في القطاعات (الزراعة والصناعة والنشاطات المحلية) على قدر عادل وآمن ومستدام، وبما يضمن استخدام المياه بكفاءة. كذلك يجب أن تكون الحوكمة الفعالة مرنة، وقادرة على التكيف مع تغير المناخ ومراعاة التغيرات الاجتماعية والسياسية.

ويرى التقرير أن القدرة على التكيف في أي مجتمع تشمل وضع البنية التحتية، والموارد المادية والبشرية والمؤسسية، وهي التي تحدد كيفية تأثر ذلك المجتمع بالندرة، وأن مصدر هذه الندرة الاجتماعية والاقتصادية يرتبط بالعجز الاقتصادي عن تعبئة موارد مائية إضافية أو العجز الاجتماعي عن التكيف مع ظروف الندرة المادية. أما الندرة القسرية فتنشأ بسبب الاحتلال والصراع السياسي. لذلك يتطلب تعزيز القدرة على التكيف أن تعالج حوكمة المياه جميع أنواع الندرة كما يشدد التقرير.

وتابع التقرير أنه لتلبية الطلب المتزايد باطراد على المياه، لجأت دول عربية مختلفة إلى مجموعة من المقاربات لتعزيز توافر المياه وبشكل مستدام بما يحد من مخاطر الكوارث المتعلقة بالمياه، واستثمرت بعض البلدان العربية المعرضة لتقلبات كبيرة في معدلات تساقط الأمطار، وهذه هي ذات الموارد المائية العابرة للحدود في تخزين المياه وشبكات النقل، وبناء السدود، والاعتماد المتزايد على استخدام موارد المياه الجوفية الضحلة والعميقة، على الرغم من أن كثيرا منها يمثل موارد مائية غير متجددة أو من طبقات مائية أحفورية. وقد أسهم الاستغلال المفرط للمياه الجوفية في المنطقة ليس فقط في تقليص هذه الموارد، لكنه تسبب كذلك في الإضرار بالبيئة، وأنضب تملح المياه ينابيع طبيعية وأدى إلى تدهور أوساط المنظومات الإيكولوجية وتدميرها. كما سعت عدة دول عربية أيضا لاستخدام الموارد المائية غير التقليدية بما في ذلك تحلية مياه البحر، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، واستجماع مياه الأمطار، والاستمطار الصناعي، وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي للري.

فعلى سبيل المثال، تحتل المنطقة العربية موقع الصدارة عالميا في مجال تحلية مياه البحر، إذ تربو على نصف القدرة الإنتاجية العالمية. ومن المتوقع أن يرتفع مستوى استعمال هذه التقنية من نسبة 1.8 في المائة من إمدادات المياه في المنطقة إلى ما يقدر بنحو 8.5 في المائة بحلول عام 2025. ومن المتوقع أن تتركز معظم تلك الزيادة في البلدان المصدرة للطاقة ذات الدخل المرتفع، وبخاصة دول الخليج، وذلك لأن تحلية المياه تتطلب كثيرا من الطاقة ورؤوس الأموال. كذلك تستخدم بعض الدول العربية مياه الصرف الصحي المعالجة، والتي تقدر كمية المستخدم منها حاليا بنحو 4.7 مليار متر مكعب سنويا وهي في تزايد مستمر. ويتطلب تحسين كفاءة جميع هذه المقاربات، وزيادة قابليتها للانتشار والتوسع وتعزيز استدامتها، انتهاج سياسات طويلة الأمد، وتطوير التشريعات، وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية وفي عمليات البحث والتطوير.

وأشار التقرير إلى أنه لمواجهة الطلب المتزايد على المواد الغذائية وجدت البلدان العربية نفسها مضطرة إلى الحصول على المياه من خلال استيراد المواد الزراعية التي تتطلب كميات كبيرة منها. ولأن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تستورد نصف حاجاتها من الحبوب، فإن استيراد المياه الافتراضية يصبح أمرا لا مناص منه. وتضاعفت كميات المياه الافتراضية التي استوردتها بلدان هذه المنطقة بحيث ارتفعت من 147.93 مليار متر مكعب عام 2000 إلى 309.89 مليار متر مكعب عام 2010.

وأوضح التقرير أن عددا من البلدان العربية حاليا بصدد تجريب استعمال تقنيتي «استجماع مياه الأمطار»، و«الاستمطار الاصطناعي»، لكن تطوير تقنية استجماع الأمطار يتطلب سياسة طويلة الأمد في مجال دعم مراكز البحث والتدريب الوطنية، والمؤسسات اللازمة والجهات المعنية (جمعيات، أو تعاونيات)، وبرامج الإرشاد للمزارعين والرعاة وموظفي الإرشاد. أما تجارب الاستمطار الاصطناعي فأظهرت نتائج إيجابية، غير أنها من الممكن أن تؤدي إلى منازعات بخصوص ملكية السحب.

وهناك بلدان عربية، لا سيما مصر وسوريا، تلجأ هي الأخرى كثيرا إلى إعادة استعمال مياه الصرف الزراعي. لكن من الضروري أن تكون هناك سياسة طويلة الأمد مع رصد شامل من أجل الرفع من مستوى الكفاءة في إعادة استعمال مياه الصرف الزراعي والحد من أثره الملوث. وأوضح التقرير أنه تظل حوكمة المياه التي تركز على التنمية المستدامة، والكفاءة في استخدام الطاقة، والاستثمار في البحث والتطوير في مجال تقنية المياه، أساسية في سبيل رفع مستوى الوفرة المائية. كذلك التنسيق الدولي وإبرام معاهدات في ما يخص إدارة الموارد المائية المشتركة من ضرورات ضمان التنمية المستدامة.

واستعرض التقرير بالتفصيل عددا من التحديات الرئيسة التي تواجه إدارة المياه في المنطقة، بما في ذلك تحقيق التوازن بين الاستخدامات المائية المتعددة، حيث تسهم الزراعة بقسط ضئيل في الناتج المحلي الإجمالي، إلا أنها تستهلك كميات من المياه (85 في المائة)، وهو أكبر مما تستهلكه الصناعة (7 في المائة) والنشاطات المحلية (8 في المائة).

ونبه التقرير إلى أنه يتعين على البلدان العربية رفع مستوى فاعلية الري واللجوء إلى موارد مائية غير تقليدية وتنظيم المحاصيل بصورة أكثر مردودية.

* العدالة في توزيع المياه

* ويشير التقرير إلى أنه على الرغم من التحسن في إتاحة الوصول للمياه بشكل عام، فإن هذا التحسن يظل بطيئا في بعض البلدان، ففي عام 2010 كان هناك نحو 18 في المائة من سكان البلدان العربية محرومين من الاستفادة من المياه النظيفة، وظل نحو 24 في المائة منهم محرومين من خدمات الصرف الصحي المحسنة. وعادة ما يتصدر سكان المناطق الريفية والنساء والفقراء والفئات المهمشة الأخرى قائمة أولئك الذين يفتقرون إلى الوصول إلى المياه بشكل مستدام. ويرى التقرير أن مقاربات الحوكمة المستندة إلى الإدارة من الأسفل إلى الأعلى في مجال إدارة الموارد المائية هي الأنجع لضمان عدالة التوزيع، بما تتيحه من مشاركة أصحاب المصلحة المعنيين في إدارة المياه، خصوصا الفقراء والنساء.

* النزاعات المتصلة بالمياه

* ويذكر التقرير أن عدم كفاءة الحوكمة في مجال الموارد المائية المشتركة لا يزال يهدد استقرار المنطقة العربية ويفرض قدرا من عدم اليقين على تخطيط الموارد المائية في دول المصب، مؤكدا أن التنافس على المياه العابرة الحدود يمكن أن يمثل مصدرا للنزاعات السياسية الإقليمية.

وفقا لتقرير للأمم المتحدة، تتطلب الحوكمة الفعالة للمياه فهما جيدا للترابط المتبادل بين الأمن الغذائي والمياه والطاقة. فمن ناحية، يتوجب على الحكومات زيادة الإنتاجية الزراعية، ورفع إنتاجية الموارد المائية، وزيادة التجارة في المياه الافتراضية من خلال توسيع الواردات الغذائية كثيفة الاستخدام للمياه، والعمل على تحقيق التكامل الزراعي الإقليمي من أجل تحقيق الأمن الغذائي الوطني. ومن ناحية أخرى، يجب أن يقترن الاعتماد على تقنيات الموارد المائية غير التقليدية كثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل تحلية مياه البحر، بالاستثمار في استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية.

التدهور البيئي ويدعو التقرير إلى حوكمة للمياه توازن ما بين الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية من جهة وحماية البيئة من جهة ثانية. فالإسراف في استعمال الموارد المائية وظاهرة التلوث لم يؤديا فقط إلى تدهور نوعية المياه وكميتها بل أيضا إلى تدهور النظام البيئي، وهذا أمر تترتب عليه تكاليف اقتصادية واجتماعية معا.

* الخصخصة

* ويبرز التقرير أنه بسبب أوجه القصور المتعددة التي يعانيها قطاع الموارد المائية، الذي هو تابع في معظمه للدولة في مختلف أنحاء المنطقة، يعاني القطاع من العجز المالي المتراكم. ولذلك قد تحتاج البلدان العربية إلى استثمار ما لا يقل عن 200 مليار دولار في مجال الموارد المائية خلال الأعوام العشرة المقبلة، وهو قدر من الاستثمار يفوق القدرات الاقتصادية للعديد من الدول العربية. ويبين التقرير أن خصخصة إدارة المياه وتوزيعها قد تسهم في زيادة الكفاءة وتسعير المياه بفعالية أكبر من شأنها أن تحد من الهدر وأن تحسن من أنماط الاستهلاك، ولكن في الوقت نفسه قد تؤدي خصخصة المياه إلى إقصاء الفقراء والمهمشين من التمتع بعنصر أساسي لإدامة الحياة. وتجري حاليا في العديد من بلدان المنطقة تجربة طرائق مختلفة من الشراكات بين القطاعين العام والخاص في مجال المياه.

* الطريق إلى الأمام

* وخلص التقرير إلى إعادة توجيه السياسات العامة في البلدان العربية المجهدة مائيا، حيث أدى التركيز على العرض من غير الاهتمام بالاستعمال وكفاءة التوزيع إلى استهلاك غير مستدام، كما أخفق في تحقيق الأمن المائي، ولا بد من تغيير اتجاه السياسات العامة من إدارة العرض إلى إدارة الطلب القابل للاستدامة، أي من إدارة الأزمة إلى التخطيط الطويل المدى، وينبغي أن تعمل التحولات المطلوبة في مجال السياسيات المائية على أن تكون تشاورية، وأن تشرك جميع أصحاب المصلحة المعنيين، وأن تتجنب تسييس التنافس على الموارد المائية، وأن تربط بين اقتصاديات المياه والقطاعات الاقتصادية الأخرى، وأن تفسح مجالا لمقاربات الإدارة التعاونية للموارد المائية العابرة للحدود.

وتتمتع أغلب البلدان العربية بالأطر القانونية والمؤسسية التي يمكن أن تسهم في تأسيس حوكمة رشيدة للموارد المائية، غير أنها تفتقد الأدوات القانونية التي تضمن التنفيذ، وتقتضي التحديات الحالية ابتكار أدوات جديدة مثل اللامركزية، وتعزيز القدرات المحلية التقنية والمالية، والحوار والتوافق، والإنفاذ الفعال للقوانين والزيادة في كفاءة المؤسسات المعنية بالموارد المائية. بالإضافة إلى معالجة عدم كفاية التشريعات وضعف إنفاذها، عن طريق ضمان إنفاذ التشريعات والالتزام بتطبيق القوانين المعنية بالموارد المائية مع تحديثها كلما لزم الأمر من خلال التقارب والمشاركة، ورفع مستوى الوعي لدى الجمهور، وتقديم مساعدات تقنية وحوافز اقتصادية، والرفع من مستوى القدرات المتصلة بالتفتيش والرقابة الكفيلة بالكشف عن المخالفات والمعاقبة عليها عند الحاجة.

وأوضح التقرير أنه لا بد أن تكون العدالة الاجتماعية هي مصدر السياسات العامة، كما ينبغي لهذه السياسات أن تسمح بمشاركة حقيقية للأطراف ذات المصلحة، بغض النظر عن وضعها الاجتماعي أو قوّتها السياسية، ولا بد من تمكين جميع فئات المجتمع من التعبير عن مطالبها وهمومها في بيئة مفتوحة وشفافة، وأن تأخذ القضايا المتصلة بالعدالة على أساس الجنس والوضع الاجتماعي بعين الاعتبار في صياغة السياسات العامة والبرامج الإنمائية لشرط أولي في ما يخص الحوكمة المائية الناجعة. كذلك يوجب تحقيق الهدف المتعلق بإشراك جميع الأطراف المعنية دون إقصاء على البلدان العربية ألا تكتفي بما وضعته من تدابير قانونية وأطر تشاركية، فيجب أن تعمل من أجل تغيير ثقافة التعامل مع الموارد المائية. وتشمل الأدوات الأساسية للتمكين إشراك المجتمع المدني، وإشراك أصحاب المصلحة المعنيين من خلال جمعيات المستخدمين، والشروع في حوار عام مع الجماهير حول قضايا المياه تقوده المؤسسات البحثية والأكاديمية، وإتاحة الوصول إلى المعلومات ذات الصلة وفي الوقت المناسب في ما يتعلق بقطاع المياه.

كما خلص التقرير إلى تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وهما شرطان أساسيان للاستدامة، وينبغي أن تكون المشاركة الفعالة والحقيقية لأصحاب المصلحة المعنيين سياسة ثابتة في جميع مستويات الحوكمة، كما تقتضي الاستدامة الاقتصادية احتساب الفوائد والتكاليف المرتبطة بالسياسات المائية. أما الاستدامة البيئية فيجب أن تعمد إلى ضمان استمرار توافر المياه مع ترشيد استخدام الموارد المائية المتجددة وضمان الحفاظ على النظم البيئية الطبيعية. وتظل قضايا مكافحة التصحر والحفاظ على بيئات الأراضي الرطبة والواحات على رأس الأولويات الأكثر إلحاحا.

بالإضافة إلى التصدي للتحديات والعلاقات المرتبطة بالمياه، يتطلب التخفيف من ندرة المياه، والتقلبات الكبيرة في مستويات توافرها، وضمان إتاحة المياه بالكمية والنوعية المطلوبة عند الحاجة إليها، جهودا واسعة ومتواصلة من جميع أصحاب المصلحة المعنيين، بما في ذلك صناع القرار والمخططون والمهندسون وجمهور المستخدمين، وينبغي وضع الحد من هشاشة الوضع المائي للفقراء والمحرومين على رأس أولويات جهود التكيف في قطاع المياه. كما يشكل تأمين الاستدامة البيئية والأيكولوجية أولوية رئيسة أخرى، وتتطلب مواجهة ندرة المياه سلوكيات وإجراءات أساسية من أجل التكيف. وكل هذا من شأنه أن يتيح إدارة أفضل للتحديات والعلاقات المرتبطة بالمياه مثل تغير المناخ، وعلاقات المياه والأمن الغذائي، وعلاقات المياه والطاقة، وغيرها.