تضافر الجهود للإفراج عن الراهبات المحتجزات بعد ظهورهن في شريط فيديو

العملية أحرجت داعمي المعارضة.. ولبنان يدخل على خط الوساطة لإطلاقهن

TT

لم يخفف ظهور الراهبات السوريات الـ12 المحتجزات لدى فصيل سوري إسلامي معارض في سوريا، من القلق حول مصيرهن والملابسات المحيطة بظروف اختطافهن، رغم التطمينات التي حاولت الراهبات تأكيدها بأنهن بخير، وغير مختطفات. وشكك مراقبون بصحة ما قالته الراهبات في شريط فيديو بث على قناة «الجزيرة» في وقت متأخر من مساء الجمعة، على قاعدة أن المحتجز «ليس بإمكانه قول غير ما يمليه عليه خاطفون»، فضلا عن «اختفاء الصلبان التي عادة ما تحملها الراهبات في رقابهن أو أيديهن»، في إشارة إلى إرغامهن على نزعها.

وظهرت الراهبات السوريات الـ12 اللاتي أختفين عقب استيلاء مقاتلين إسلاميين على قرية مسيحية الأسبوع الماضي، في لقطات فيديو بزيهن الأسود الطويل يجلسن على أرائك في غرفة، وصرحن بأنهن على ما يرام ونفين أنباء تفيد بخطفهن، من غير أن يتضح توقيت أو مكان تصوير اللقطات. ونفت الراهبات أن يكن تعرضن للاختطاف، ردا على سؤال رجل من خلف الكاميرا، مؤكدات أنهن غادرن الدير هربا من القصف وأنهن سيخرجن بعد يومين. وقالت راهبة «نلقى معاملة جيدة ونقلونا من الدير حيث تعرضنا للقصف... أنقذونا ونحن سعداء معهم».

واختفت الراهبات بعدما سيطر المتشددون على الحي القديم من قرية معلولا شمالي دمشق بعد قتال شرس مع قوات الرئيس بشار الأسد في منطقة القلمون القريبة من الحدود اللبنانية.

وقال مبعوث الفاتيكان إلى سوريا إن «المقاتلين نقلوا الراهبات من دير مار تقلا للروم الأرثوذكس إلى بلدة يبرود الاثنين الماضي».

وتضاربت الأنباء حول الجهة الخاطفة، في حين لم يتبن أي فصيل رسميا عملية احتجازهن. وقالت مصادر لبنانية مواكبة لملف الجهود الآيلة للإفراج عنهن لـ«الشرق الأوسط»، إن «لا معطيات أكيدة حتى الساعة حول الجهة الخاطفة، رغم اليقين بأن الخاطفين هم فصيل إسلامي متشدد، من غير تحديد هويته»، مؤكدة أن الراهبات «لا يزلن في الأراضي السورية».

وأكدت المصادر أن اختطاف الراهبات «أحرج كل الداعمين للمعارضة السورية»، موضحة أن «ردة الفعل الدولية السلبية على مستوى المجتمع الدولي، أحرجت الدول الداعمة للمعارضة، باعتباره خروجا عن إطار العمل الثوري، وانقلابا على مبادئ الثورة السورية». وأكدت المصادر أن الجو السائد في الأوساط الدولية المتابعة لملف اختطاف الراهبات «بات على يقين أن الجهة الخاطفة متمردة على الجيش السوري الحر الذي يرفض هذا العمل، كما هي متمردة على النظام السوري»، مستدلة على «تصاعد نفوذ المتشددين الرافضين للجيش الحر أيضا، والذين سيطروا على مقرات عسكرية تابعة لهيئة الأركان في معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا».

وأكدت المصادر أن قضية خطف الراهبات «لها تشعباتها الإقليمية والدولية»، وهو «ما حرك الجهود والوساطات الدولية باتجاه البحث عن أفضل السبل لإطلاق سراحهن، من غير أن تستثني «دولا قد تكون مؤثرة في سوريا، وقادرة على الضغط على الجهة الخاطفة بعد إعلان هويتها». وتسارعت وتيرة الاتصالات الدولية لبذل جهود تفضي إلى الإفراج عن الراهبات المحتجزات. وانضم لبنان إلى جهود الوساطة للإفراج عن راهبات دير القديس تقلا في معلولا. ويجري مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، محادثات في الدوحة بقطر، في مسعى للإفراج عن الأسيرات الـ12، ومن بينهن عدة لبنانيات. وكانت زيارة إبراهيم إلى الدوحة مقررة قبل ظهور الراهبات المختطفات في شريط فيديو على قناة «الجزيرة» مساء أول من أمس، وهي زيارة رسمية، تأتي ضمن إطار متابعة الاتصالات واللقاءات حول ملفات سابقة تنسق مع الجانب القطري، وكان مقررا البحث خلالها بعدة ملفات، بينها ملف المطرانين المطوفين في حلب بولس اليازجي ويوحنا إبراهيم.

ولعب اللواء إبراهيم في السابق، دورا مهما في تحرير 11 من الزوار الشيعة من لبنان، الذي أسروا قبل أكثر من عام، من قبل متشددين في شمال سوريا.

وأثار حديث الراهبات في شريط الفيديو موجة من الأسئلة المشككة بتصريحاتهن، على قاعدة أن المحتجز «يتحدث كما يريد محتجزوه، ويجبر على قول ما يريدوه». ورأى مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»، إن «ظهور الراهبات هو إدانة للجهة الخاطفة»، مؤكدا أنه «لو كان الخاطفون يريدون حماية الراهبات، لكان الأجدى بهم تسليمهن إلى الصليب الأحمر الدولي».

ولم يستبعد عبد الرحمن أن يكون الراهبات تعرضن لضغوط، مستدلا إلى «نزع الصلبان التي يضعها الكهنة والراهبات المسيحيون في أعناقهم».

وتواصلت إدانة الفعاليات السياسية والدينية لاختطاف الراهبات في لبنان وسوريا. ورأى عضو تكتل «التغيير والإصلاح» نبيل نقولا أن خطف راهبات يعد من أسوأ عمليات الخطف لأن رسالة الأخوات الراهبات هي رسالة إنسانية ويقدمن أعمالا إنسانية لكل الطوائف، واضعا الحادثة «برسم الدول الغربية». وعد نقولا أن «أكبر عمل إرهابي ضد الراهبات هو إجبارهن على نزع الصليب عن صدرهن وهذا أكبر تعذيب نفسي لهن وهو أصعب من التعذيب الجسدي». بدوره، دعا راعي أبرشية صيدا ودير القمر لطائفة الروم الكاثوليك الملكيين المطران إيلي بشارة الحداد إلى «العمل الدؤوب من أجل إطلاق سراح المطرانين والراهبات المخطوفين بسوريا وإعادتهم إلى أهلهم وأحبائهم لأنهم ثمرة كهنوتية وجدت لخدمة الإنسان بالمحبة والغفران».