تأهيل قطاع المواصلات في سوريا يتطلب 12 مليار دولار.. والتنفيذ على ثلاث مراحل

يشمل طرقات ومطارات وسكك حديد وموانئ ومعابر حدودية خربها القتال

TT

أعلنت «مجموعة عمل اقتصاد سوريا» أن التكاليف المتوقعة لإعادة الإنشاء لكافة قطاع النقل والمواصلات بالبلاد، المتضرر بفعل العمليات الحربية منذ مارس (آذار) 2011، تبلغ 3.835 مليار دولار، مشددة على أن هذه التكلفة تقتصر على المرحلة الإسعافية، المحددة بفترة زمنية تمتد لستة أشهر، مشيرة إلى أن التكلفة الإجمالية لإعادة تأهيل قطاع المواصلات في سوريا، خلال المراحل الإسعافية والمتوسطة والطويلة الأجل، تفوق الـ12.5 مليار دولار.

وفي تقرير خاص، أصدرته المجموعة الاقتصادية الاستشارية المستقلة التي اعتمدتها مجموعة «أصدقاء الشعب السوري» المعنية بإعادة إعمار سوريا، وحمل عنوان «الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة - قطاع النقل والمواصلات والطرق»، أوضحت المجموعة أن التكاليف تلحظ إعادة تأهيل الطرقات السريعة والمحلية وقطاع النقل الجوي والبحري والمعابر الحدودية، فضلا عن تطويرها، موضحة أن إعادة الإنشاء الطويلة الأجل، تمتد على مدى خمس سنوات.

وجاء التقرير على ضوء الدمار الذي لحق بشبكة المواصلات وقطاع النقل في سوريا، بعد أكثر من عامين ونصف على بدء الأزمة التي عصفت بالبلاد، وأدت خلالها الأعمال الحربية إلى تدمير جزء واسع من شبكة المواصلات. وقدر الخبراء الذين شاركوا في إعداد التقرير، إجمالي أضرار قطاع النقل البري في البلاد منذ بداية الظروف الراهنة وحتى عام 2013 الحالي ما يقارب 1.437 مليار دولار أميركي، ضمن الوضع الحالي لشبكة الطرق والجسور وحالة مراكز خدمات النقل خلال الأزمة الراهنة. أما الأضرار التي لحقت بالطرق الدولية فقط نتيجة القصف والتخريب الوحشي، فقدرت بنحو 4.510 مليون دولار أميركي حتى عام 2013، مع الأخذ بالحسبان وجود منشآت لم تقدر قيمة الأضرار فيها بسبب الظروف الراهنة وتوتر المناطق التي توجد فيها هذه المنشآت.

ويلحظ التقرير ثلاث مراحل لإعادة التأهيل والإنشاء في قطاع النقل على الطرق. ويقول معدوه إنه من الصعب تقدير حجم التدمير والتخريب الذي ارتكبته قوات النظام السوري على مدى عامين من الثورة، بسبب عدم توفر البيانات المتاحة ميدانيا وبشكل غير كاف، علما أن الدمار لحق الطرق والجسور والسكك الحديدية وبعض المراكز الحدودية التي كانت أهدفا رئيسة لقوات النظام.

وتراعي الدراسة، على الأجل الطويل، تطوير القطاع في مختلف المحافظات السورية، مما يشير إلى مخطط لتعزيز اللامركزية الإدارية التي كانت معتمدة في العقود الماضية. وفيما اهتم نظام الرئيسين حافظ وبشار الأسد بتطوير القطاع الحيوي في محافظتي دمشق وحلب، بما يتخطى المحافظات الأخرى، يؤكد رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا الدكتور أسامة قاضي لـ«الشرق الأوسط» أن «كل المحافظات تحتاج إلى شيء من اللامركزية الإدارية وتأخذ حظها من الاهتمام والثروات، وأن لا تتركز كل الأموال في محافظتي حلب ودمشق، فيما تهمل باقي المحافظات». ويوضح القاضي أنه «لم تكن هناك عناية بالمحافظات بالشكل اللائق»، متسائلا: «أليس من المعيب الحديث عن مناطق نائية مثل الحسكة ودير الزور والقامشلي، والاعتراف من قبل النظام، على مدى خمسة عقود، بأنها فقيرة وأقل نموا، على الرغم من أنها سلة سوريا الغذائية، وثروتها من النفط والغاز؟»، لافتا إلى أن النظام يعترف بعدم الاهتمام بها، «عبر مراعاة طلاب تلك المناطق بعلامات شهادة البكالوريا بوصفها مناطق نائية».

وتشير «مجموعة عمل اقتصاد سوريا» إلى أن إعادة التأهيل تلحظ ثلاث فترات زمنية، هي المرحلة الإسعافية، والمقصود بها تأهيل الطرق الرئيسية التي تشكل نقاط وصل استراتيجية لا يمكن تأجيل إعادة إصلاحها بين مراكز المدن ودول الجوار. وعليه تخضع لإعادة التأهيل خلال الستة أشهر الأولى من سقوط النظام.

أما المرحلة متوسطة الأجل، فيقصد بها بعض الطرق ذات الأولوية، ومن المهم إعادة إصلاحها وتأهيلها خلال العامين المقبلين. أما المرحلة الطويلة الأجل، فتشمل المشاريع ذات التكلفة العالية والأهمية الاستراتيجية وبمحاور جديدة، وتحتاج لمراحل من التحضير.

ويوضح القاضي، وهو مساعد رئيس الحكومة السورية المؤقتة للشؤون الاقتصادية، أن «التطوير من الخطة الإسعافية يعني إصلاح ما يمكن إصلاحه من الطرق، ريثما تتأمن وسائل التطوير وتمويلها، بعدما عطلها النظام على مدى خمسة عقود»، مشيرا إلى أن الحكومات المتعاقبة منذ تسلم الرئيس الراحل حافظ الأسد السلطة في عام 1970، «طورت قطاع النقل والمواصلات بطريقة سلحفاتية، لا تلبي حاجات 23 مليون سوري».

ويشرح القاضي: «طريق حلب - الرقة، منذ قبل اندلاع الثورة السورية، كان يسمى طريق الموت.. أما طريق حلب - دمشق الدولي، وهو الأفضل بين طرقات سوريا، فيحتوي على أكثر من 45 خطأ قاتلا بهندسته»، لافتا إلى أن توصيات بتلك الأخطاء «قدمت إلى وزارة المواصلات السورية في عام 2005، من غير أن تؤدي إلى أي تغيير». ويضيف: «فلنتخيل باقي الطرق في الشرق السوري وعدد الحوادث التي تحدث في سوريا مثل الطرق الصعبة التي لم يوسعها النظام وتركها على حالها منذ أيام الفرنسيين»، مشيرا إلى أن الطرقات في سوريا والتي «أجزم أن هندستها وتنفيذها لا تراعي المعايير الدولية على الإطلاق، تشهد سنويا ما يزيد على 60 ألف حادث مروري، مما يجعل سوريا واحدة من أعلى نسبة الحوادث في العالم العربي».

والى جانب الطرقات التي «يجب أن ينشأ فيها طريق سريع بين القامشلي ودمشق»، يلحظ التقرير إعادة تأهيل وتطوير شبكة سكك الحديد التي تمتد من دمشق إلى الأردن، وحلب واللاذقية والمحافظات الشرقية والشمالية، فضلا عن إنشاء خط حيوي يربط دير الزور بالعاصمة دمشق، بدلا من الخط الذي يمر من الشرق إلى حلب، ثم دمشق، مما يجعل المسافة تحتاج إلى ست ساعات.

وبهدف تمويل المشاريع في سوريا المستقبل، يوصي التقرير بـ«إعداد مصفوفة للمشاريع التجارية الاستثمارية في سوريا بالتعاون مع جهة استشارية عالمية وبمشاركة الخبراء الاقتصاديين ومنظمات المجتمع المدني الموجودة حاليا وغرف التجارة والصناعة وكافة ممثلي القطاع الخاص وكذلك الدول المانحة، مما يفيد في وضع إطار لما يمكن أن يقوم به القطاع الخاص المنفتح على كافة مكونات المجتمع السوري»، كما يوصي «بإيجاد سياسة مالية تحقق العدالة في النظام الضريبي والتعرفات التنافسية التي تؤدي إلى زيادة إنتاج وإمكانية المنافسة». و«دعوة الدول المانحة والصديقة لتحفيز باقي الدول لدعم تطبيق خطة مارشال»، وغيرها من التوصيات.