أزمة الفساد تهدد الحكومة التركية.. وأردوغان يسعى لتلافي أضرارها الانتخابية

صور توحي برشوة تقاضاها وزير رابع.. ومعلومات عن تسجيلات لوزير الداخلية

صورة تظهر رئيس بلدية فاتح باسطنبول مصطفى ديمير مغادرا مركزا للشرطة أمس (رويترز)
TT

استمرت المواجهة الساخنة، غير المباشرة، بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وجماعة فتح الله غولن، رجل الدين التركي النافذ، مطيحة في يومها الثالث بأكثر من 30 ضابط شرطة على رأسهم رئيس أمن إسطنبول الذي حملته السلطات التركية مسؤولية غير مباشرة عن الاعتقالات التي طالت أبناء وزراء نافذين في حكومة أردوغان في قضايا فساد، والتي تشكل وفق محللين أتراك واحدة من أكبر الأزمات التي تواجه أردوغان منذ صعوده إلى السلطة قبل أكثر من 10 سنوات.

ورغم أن أورهان ارميدلي، أحد محامي فتح الله غولن الذي يقيم في الولايات المتحدة، قال إنه «لا علاقة له وليس له أي معلومة حول التحقيقات الجارية أو الأشخاص المكلفين بها»، فإن العديد من المراقبين يرون أن عملية مكافحة الفساد جزء من تلك الحرب بين الأشقاء في الأغلبية الحاكمة. واعتبر المحلل روسن شاكر أن «حركة غولن أعلنت أنها تقاوم، وقررت حماية مصالحها».

وأدت تداعيات الأزمة المستمرة إلى هبوط لافت في البورصة التركية، فيما وصلت العملة التركية إلى حد قارب الرقم القياسي هبوطا مقابل الدولار والعملات الأخرى. وبدا أن أردوغان يحاول الضغط على القضاء والشرطة اللذين يعتقد أن فيهما نفوذا كبيرا لجماعة فتح الله غولن، الذي يتهمه المقربون من أردوغان في نقاشاتهم الداخلية بالمسؤولية الكبرى عن هذه الحملة التي أصابت أمس وزيرا رابعا هو وزير الدولة المسؤول عن ملف الاتحاد الأوروبي أغمان باش، الذي تم تسريب صور له توحي بتلقيه رشوة من رجل الأعمال الإيراني الأصل رضا صراف. كما قالت مصادر أخرى لـ«الشرق الأوسط» إن المدعي العام يمتلك تسجيلات صوتية تدين وزير الداخلية معمر غولار في الموضوع نفسه، سيصار إلى نشرها قريبا.

وأشارت مصادر أخرى إلى أن حملة التسريبات هدفها الضغط على وزراء حكومة أردوغان لدفعهم للاستقالة، بالإضافة إلى تعزيز موقف المدعي العام المسؤول عن الملف، الذي تمت تنحيته أيضا. ونفى مصدر رسمي تركي في اتصال مع «الشرق الأوسط» تقديم 4 وزراء استقالتهم من الحكومة، مشيرا إلى أن الوزراء الذين وردت أسماؤهم وضعوا استقالاتهم تحت تصرف رئيس الحكومة، لكنه لم يتخذ أي قرار بشأنها. وأكد المصدر أن الحكومة التركية «تحت سقف القانون»، لكنه أشار إلى «روائح قوية لمؤامرة هدفها ضرب حزب العدالة على أبواب عام الانتخابات».

وطالت الأزمة أيضا صحافية، هي ثالث إعلامي تتم إقالته منذ بدء الأزمة، إذ اتهم معارضون أتراك الحكومة بالضغط على صحيفة «صباح» الموالية لإقالة إحدى أهم كتابها، الصحافية المخضرمة نازلي ايلاجيك، لدعوتها أول من أمس في برنامج على شبكة «سي إن إن التركية» الوزراء للاستقالة من أجل سلامة التحقيق.

وتظهر صور بثت أمس مرافقا لرجل الأعمال رضا صراف يدخل مكتب الوزير باش حاملا حقيبة كبيرة ويخرج من دونها، في إيحاء واضح، فيما تردد أن الشرطة عثرت في منزل نجل الوزير غولار على 4.5 مليون دولار مخبأة في علب الأحذية. وأقال الوزير نفسه أمس نحو 22 مدعيا عاما، فيما تم تغيير موقع رئيس شرطة إسطنبول حسين جابكين. وأوضحت قناة «سي إن ان ترك» الإخبارية أنه قبل جابكين، عوقب ثلاثون من كبار ضباط الشرطة منذ ثلاثة أيام بعد أن اتهمتهم قيادتهم والحكومة بـ«استغلال النفوذ» في هذا التحقيق. وقال جابكين للتلفزيون التركي «مثلما كان طبيعيا بالنسبة لنا أن نتولى هذا المنصب فمن الطبيعي بنفس القدر أن نتركه.. حاولنا أن نخدم بلادنا وأمتنا بإخلاص». كما نقلت صحيفة «حرييت» عن جابكين قوله «لقد عزلت من منصبي. عينت مديرا في وزارة الداخلية».

وقد اعتقل تسعة أشخاص الثلاثاء في إسطنبول وأنقرة وأفرج عنهم مساء الأربعاء، وفق وسائل الإعلام التركية، لكن 41 آخرين ما زالوا يخضعون إلى الاستجواب، بينهم أبناء وزيري الاقتصاد والداخلية والبيئة ورئيس مصرف «هالك بنكزي» (بنك الشعب) سليمان أصلان، ورئيس بلدية فاتح في اسطنبول مصطفى دمير، العضو في الحزب الحاكم. وأثارت المعلومات الواردة يوميا عن تورط تلك الشخصيات القريبة من الحكم صدمة في تركيا، حيث تسخر مواقع التواصل الاجتماعي من «جنون الورقة الخضراء» الذي تملكها هذه الشخصيات.

واندلعت الفضيحة في أسوأ ظرف بالنسبة لرئيس الوزراء الذي باشر منذ فترة الحملة الانتخابية لحزبه للانتخابات البلدية المقررة في مارس (آذار) في مهرجانات ضخمة. وافتخر أردوغان بأنه رئيس حزب يحمل اسم «آك» الذي يعني بالتركية «أبيض» و«نظيف». واعتبر سيدات ارغين، من صحيفة «حرييت»، أنه «عندما يتعلق الأمر بالفساد، لا يثق الناس في الحكومة لأنها تميل إلى تعطيل كل تحقيق يستهدفها». ويرى العديد من المراقبين أن الثمن الذي سيدفعه أردوغان على الصعيد الانتخابي بسبب هذه القضية التي تدل يوميا على فداحة النزاع بين الحكومة وجمعية فتح الله غولن، قد يكون باهظا. وكتب امري اوصلو، محرر افتتاحية صحيفة «زمان» التي يملكها غولن، أن هذه «القضية لطخت سمعة الحكومة في نظر الناخبين». وأضاف أنه «اعتبارا من الآن لن يتمكن أي محافظ من الدفاع عن هذا الحزب بالقول إنه وضع حدا للفساد»، مؤكدا أنه «بالتالي يمكن التصور أن حكومة حزب العدالة والتنمية ستخسر أصواتا في الانتخابات المقبلة».

إلى ذلك، بدأ نائب وزير الخزينة الأميركي المكلف بالإرهاب والاستخبارات المالية ديفيد كوهين زيارة إلى العاصمة التركية في إطار جولة في أوروبا وإسرائيل. وأوضح مصدر تركي أن كوهين سيبحث «خلال هذه اللقاءات خصوصا في الملف الإيراني». كما يتردد أن كوهين سيبحث في ملف بنك خلق الذي يعتقد، حسب الصحف التركية، أنه استعمل ممرا لمبادلات خصوصا بالذهب مع إيران بينما تخضع طهران إلى عقوبات بسبب برنامجها النووي المثير للجدل.