الائتلاف السوري يعرض على اجتماع باريس مطالب يؤدي تنفيذها إلى تأجيل «جنيف 2»

فرنسا تحض «المعارضة السورية المعتدلة» على المشاركة في المؤتمر رغم التشكيك في النتائج

معارضون سوريون يجتمعون أمس في اسبانيا لبحث توحيد مواقفهم قبل «جنيف 2» (رويترز)
TT

بينما تتواصل التحضيرات في باريس لاستضافة اجتماع الوزراء الـ11 الذين تتشكل منهم «مجموعة لندن» المنبثقة عن «أصدقاء الشعب السوري»، صباح الأحد المقبل، لا يخفي المسؤولون الفرنسيون «تشاؤمهم» إزاء ما يمكن أن يصدر عن مؤتمر «جنيف 2» وإزاء الشروط والظروف التي تتحكم في انعقاده. ورغم ذلك، فإن باريس ومعها آخرون تضغط باتجاه دفع المعارضة الممثلة بالائتلاف الوطني السوري إلى المشاركة في المؤتمر الموعود، وهي تعدها بتوفير الدعم والمساندة لها لتحسين وضعيتها حتى تتمكن من التفاوض من موقع مقبول، الأمر الذي يشكل، وفق مصادر فرنسية رسمية، «جوهر» اجتماع الأحد.

وينتظر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية نتائج مباحثات الساعات الأخيرة التي تسبق مؤتمر «أصدقاء سوريا» الأحد المقبل في باريس، وما إذا كانت ستؤدي إلى إعادة «لم شمل المختلفين» بعد الاستقالات الجماعية في اجتماع الهيئة العامة الأخير، ليتخذ على ضوئها القرار النهائي المتعلّق بالمشاركة في «جنيف 2»، أم لا، في حين عُقد أمس لقاء تشاوري جمع أطرافا عدة من المعارضة السورية، بينهم، وللمرة الأولى، إسلاميون، في مدينة قرطبة الإسبانية، في مسعى منهم للتوصل إلى قواسم مشتركة قبل المؤتمر.

وقال وزير الخارجية لوران فابيوس، أمس، بمناسبة مؤتمر صحافي مشترك ضم نظيره الياباني ووزيري خارجية ودفاع البلدين (فرنسا واليابان)، إن «(جنيف 2) ضرورة، لكن بشرط احترام الغرض من عقده» الذي هو، وفق رسالة الدعوة التي وجهها بان كي مون إلى الأطراف المعنية، إقامة سلطة انتقالية تعود إليها كل الصلاحيات التنفيذية وتضم «عناصر من النظام السوري وأطراف المعارضة المعتدلة». وبحسب فابيوس، لا حل في سوريا إلا الحل السياسي «ولذا يجب التفاوض عليه» في «جنيف 2». لكنه في الوقت عينه يعترف بأن «الوضع ليس سهلا». وحث الوزير الفرنسي «جميع الأطراف» على «القيام بالجهود اللازمة» من أجل المشاركة في أعمال مؤتمر «جنيف 2».

ويرى فابيوس أن ثمة صعوبتين كبريين: الأولى تتمثل في وضع المعارضة السورية وتحديدا الائتلاف الوطني السوري الذي يسميه «المعارضة المعتدلة» المنقسمة على نفسها والتي لم تنجح حتى الآن في الاتفاق على موقف موحد، رغم الساعات الطويلة من المناقشات في اسطنبول هذا الأسبوع، من موضوع المشاركة في جنيف أو مقاطعته. وحاول فابيوس الدفاع عنها وتخفيف وطأة الاتهامات الموجهة إليها بالقول إنها تحارب على جبهتين: جبهة النظام من جهة وجبهة الإرهابيين من جهة أخرى. أما مصدر التشاؤم الفرنسي الثاني فيتعلق بصلب المسألة، أي النتائج «المحسوسة» التي يمكن أن يسفر عنها «جنيف 2».

وسبق للوزير الفرنسي أن شكك سلفا في رغبة الرئيس السوري في قبول نقل سلطاته وصلاحياته إلى حكومة انتقالية باعتبار أنه «من الصعب رؤية سبب يجعله يسلم كل سلطاته» إذ إنه «ورغم كل أخطائه فإنه ليس فاقدا للعقل». ومع ذلك، فقد أعلن أمام مجلس الشيوخ أول من أمس أن قبول الأسد إرسال ممثلين عنه إلى جنيف «يعني أنه يقبل بنقل صلاحياته إلى السلطة الانتقالية».

ويبرر التشاؤم الفرنسي (وغير الفرنسي) تصريحات أركان النظام العلنية من جهة ومن جهة أخرى، غياب أي ضمانات أو التزامات حقيقية من الطرف الروسي حول رغبته في ممارسة الضغوط على الأسد ليقبل السير بخطة الطريق التي رسمها مؤتمر «جنيف 1». وجل ما تراه باريس اليوم وجود «انفتاح» من قبل موسكو التي سيلتقي وزير خارجيتها سيرغي لافروف يوم الاثنين نظيره الأميركي، ويرجح أن تكون للوزيرين اجتماعات مع فابيوس. بيد أن رفض روسيا الموافقة على بيان من رئاسة مجلس الأمن حول الوضع في سوريا أول من أمس لا يترك المجال مفتوحا لكثير من التفاؤل إزاء ما سيكون عليه السلوك الروسي في جنيف. وردا على تحذير موسكو من أن سقوط الأسد سيعني «الفوضى»، قال فابيوس إن الفوضى تعم سوريا اليوم، محذرا من تقسيمها «غدا» ومن تمدد الإرهاب بكل تشعباته «إلى القوقاز وإلى أصقاع أخرى».

وحتى لا تشعر المعارضة بأنها وحيدة في مواجهة النظام ودعائمه، فقد أعرب الوزير الفرنسي، متوجها إلى «الأسرة الدولية»، عن تأييده مطالب المعارضة التي رفعتها شرطا لقبولها المشاركة وأهمها اثنان: وقف القصف الجوي وإقامة ممرات إنسانية لتوصيل المساعدات للمناطق المنكوبة والمحاصرة.

وفي هذا الإطار، لفت مصدر في الائتلاف لـ«الشرق الأوسط» إلى أن المعارضة السورية تحتاج إلى المزيد من الوقت لإعادة ترتيب أوراقها على ضوء الخلافات المستجدة وإعادة مناقشة قضية مشاركتها في «جنيف 2»، مرجحا تأجيل موعد المؤتمر إذا نفذ النظام شروط الائتلاف للمشاركة فيه. وقال المصدر إن الائتلاف سيقدم الأحد المقبل لوزراء خارجية «أصدقاء سوريا» تصوره ومطالبه الأساسية قبل اتخاذ القرار بشأن «جنيف 2»، وأهمها «تأمين الممرات الآمنة وفك الحصار عن المناطق المحاصرة وتوصيل المواد الغذائية والطبية إلى الأهالي، إضافة إلى البدء في إطلاق سراح المعتقلين من النساء والأطفال»، وهو الأمر الذي يرى المصدر أن من شأنه أن يؤدي إلى تأجيل موعد «جنيف 2»، إلا إذا تم الشروع في تنفيذهما بين ليلة وضحاها، وهو أمر مستبعد، بحسب المصدر. وهذا ما أكد عليه أيضا أحمد رمضان، عضو الهيئة السياسية في الائتلاف، مشيرا في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى تلقي الائتلاف وعودا أميركية تؤكد أن وفدا من خارجيتها، برئاسة سفيرها لدى دمشق، روبرت فورد، سيزور في وقت قريب روسيا، حاملا لائحة بأسماء المعتقلين لدى النظام وحث موسكو للضغط عليه للإفراج عنهم. وأشار رمضان إلى أن تذليل هذه العقبات من شأنه أن يسهل مهمة اتخاذ الائتلاف القرار الإيجابي المتعلق بالمشاركة في «جنيف 2» في اجتماع الهيئة العامة في 17 يناير (كانون الثاني) الحالي، أما إذا كان الوضع عكس ذلك فإن النتيجة ستكون مما لا شك فيه سلبية.

وتستشف المرارة أحيانا من كلام المسؤولين الفرنسيين الذين يعتبرون أن السياسة التي سارت عليها باريس منذ البداية كانت «السياسة السليمة» التي لو حظيت بالدعم والتأييد اللازمين لما كانت الأمور على ما هي عليه اليوم في سوريا ولا لما تشكله من تهديد جدي للأمن والاستقرار في بلدان الجوار السوري. لكن ما حال، وفق باريس، دون السير في سياسة متشددة إزاء النظام السوري، أنه كانت هناك الانتخابات الرئاسية الأميركية وانقسام البلدان العربية على نفسها. وكان يكفي القيام، بحسب باريس، بجهد إضافي للتخلص من نظام الأسد في وقت لم يكن قد تعاظم فيه تدخل إيران السافر أو حزب الله ولا وجود للمنظمات الإرهابية.

وندد الوزير الفرنسي، في كلمته أمام مجلس الشيوخ، بـ«التحالف الموضوعي» القائم بين النظام السوري والإرهابيين الذين «يبيعون النفط الذي يستخرجونه» من الآبار التي يسيطرون عليها «للنظام نفسه».

وفي ما يتعلّق بالخلافات التي أدت إلى انقسام في الائتلاف واستقالات جماعية، لفت رمضان إلى أن هناك لجنة من الائتلاف تقوم بالحوار مع المستقيلين، الذين ينقسمون في آرائهم، إلى قسمين، الأول يطالب بإعادة الانتخابات بعيدا عن أي حجة قانونية، والثاني يبدي ملاحظاته واعتراضه على المشاركة في جنيف 2، فيما كشف مصدر الائتلاف أن المباحثات التي تسبق «أصدقاء سوريا» تركز بدورها بشكل أساسي على هذا الشق، لا سيما أن قسما كبيرا من المستقلين كان نتيجة اعتراضهم على الانتخابات، ومن المتوقع أن يتم خلاله، لتجاوز المشكلات، التعهد بتنفيذ ما تم التوافق عليه، في الهيئة العامة للائتلاف في الاجتماع ما قبل الأخير، والمتعلق بتوسعة الهيئة السياسية بإضافة 5 أعضاء جدد، ليصبح عددهم 24 بدلا من 19، على أن يكونوا ممثلين من مختلف القوى السياسية، ويتمكنوا بالتالي من الاطلاع على كل التطورات والمشاركة في اتخاذ القرارات.

وفي حين لفت رمضان إلى عدم امتلاكه والائتلاف الوطني أي معلومات دقيقة حول «اجتماع قرطبة» المستمر لغاية اليوم، مشيرا إلى أن عددا من الأسماء التي تم التداول بها على أنها مشاركة نفت الأمر، أعلنت وزارة الخارجية الإسبانية أن بلادها استضافت اجتماعا للمعارضة يضم نحو 150 ممثلا عن مختلف جماعات المعارضة السورية لإيجاد نقاط التوافق والعمل على صياغة رؤية سياسية مشتركة تحضيرا لمؤتمر «جنيف 2». وجاء في البيان، أن «الاجتماع يهدف إلى «زيادة التماسك بين أطياف المعارضة السورية وأفراد المجتمع المدني والقيادات الدينية لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية في سوريا إلى جانب تسهيل الحوار بينها للحد من تشرذمها فضلا عن توحيد المواقف قبل انعقاد المؤتمر».

يذكر أن إسبانيا كانت احتضنت اجتماعا سابقا للمعارضة السورية خلال عام 2013، حيث اجتمع 80 ممثلا عن مختلف جماعات المعارضة السورية بينها المجموعات المشكلة «للائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية»، لبحث السيناريوهات المتوقعة في اجتماع مجموعة الاتصال حول سوريا في جنيف.

من ناحيتها، ذكرت وكالة «رويترز» أن المشاركين هم من الائتلاف الوطني السوري ومن الجيش الحر، إضافة إلى ممثلين لجماعات معارضة داخل سوريا لا يرفضها الرئيس السوري بشار الأسد لأنها لا تطالب برحيله، وهو نفس السبب الذي يفقدها ثقة عدد كبير من المعارضة السورية في المنفى.

وقال المعارض كمال اللبواني إن معظم الأطياف السورية ممثلة في اجتماع إسبانيا، حتى إن أحد أفراد الأمن السوري الذي يدعم الأسد يشارك في الاجتماع. وأضاف أن ثلاثة أعضاء على الأقل من الجبهة الإسلامية جاءوا أيضا لحضور الاجتماع. وتضم الجبهة الإسلامية عددا من الألوية الإسلامية التي تمثل قطاعا عريضا من المقاتلين في الميدان وترفض سلطة الائتلاف الوطني. وذكر اللبواني أن الخلافات بين الوفود عميقة جدا لدرجة يصعب معها تجاوزها في الاجتماع الذي يهدف إلى إقامة حوار بين تلك الوفود.