الأزمة السورية تفرض نفسها على الأردن رغم مساعيه للنأي عنها

يعاني ضغط 60 ألف لاجئ وارتفاع التهريب وتسلل المقاتلين

يشكل اللاجئون السوريون في الأردن ضغطا على الاقتصاد والخدمات (رويترز)
TT

حاول الأردن على مدار ثلاثة أعوام من عمر الأزمة السورية، التي اشتعلت منتصف مارس (آذار) 2011، أن ينأى بنفسه بعيدا عنها رغم التداعيات التي رافقت هذه الأزمة وألقت بظلالها السياسية والاجتماعية والاقتصادية عليه وعلى دول الجوار، وذلك بسبب التداخل الجغرافي والديمغرافي، إذ يرتبط الأردن مع سوريا بحدود يبلغ طولها 375 كيلومترا وتداخلات عشائرية وعائلية بين السكان في المدن والبلدات المتاخمة لهذه الحدود.

ومع أن الأردن بادر منذ اندلاع الأزمة السورية وبدء تدفق اللاجئين السوريين على أراضيه إلى تبني جملة من التدابير الاحترازية والوقائية لاستيعاب ارتدادات الأزمة وامتداداتها، فإنه كان أول بلد تأثر بها.

ويقول محمد المومني، وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، إن موقف بلاده من الأزمة السورية يأتي «بناء على أساس الواقع البراغماتي للأزمة التي أفضت إلى استحالة الحسم العسكري وحتمية الحل السياسي، من خلال عملية سياسية تشارك فيها جميع أطراف المعادلة السورية تؤدي في النهاية إلى استعادة الأمن والاستقرار لسوريا والذي من شأنه أن يوقف تداعيات الأزمة على دول الجوار خاصة عمليات اللجوء». ويدعو المومني في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «ضرورة أن يكون هناك بعدا إنسانيا في العملية السياسية وأن ينظر بالآليات الفاعلة من أجل إيصال المساعدات الإنسانية إلى النازحين السوريين داخل سوريا، مما يخفف من حدة اللجوء ويشجع اللاجئين العودة إلى بلادهم».

ومع أن الموقف السياسي الرسمي إزاء الأزمة السورية يتسم بالتوازن والنأي بالنفس عن التدخل فيها عبر دعواته المتكررة إلى إيجاد حل سياسي لها يوقف نزيف الدماء في سوريا ويحافظ على وحدتها أرضا وشعبا، إلا أن نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن زكي بني أرشيد يرى أن الموقف الرسمي لبلاده تجاه الأزمة السورية «حددته مجموعة متناقضة من الاعتبارات المحلية والإقليمية والدولية، وهو موقف يراوح بين الانسجام مع موقف جامعة الدول العربية الذي اعترف بائتلاف المعارضة بديلا عن النظام، وبين الاعتبارات المحلية التي راعت تداعيات ذلك الموقف على المستويات المختلفة ومن بينها الموقف الأمني، ووجود التيار القومي واليساري الأردني الذي أيد النظام السوري، في مقابل موقف التيار الإسلامي الذي أيد المعارضة السورية».

ويعتبر بني أرشيد «تأثر الموقف الأردني بالموقف الخليجي والأميركي المؤيد لتغيير النظام السوري، أظهر الموقف الأردني مترددا وغير واضح، وربما عن قصد؛ لأنه كان ولا يزال يحاول أن يرضي جميع الأطراف المتناقضة».

وفرضت الانعكاسات العسكرية والأمنية للأزمة السورية كثيرا من التهديدات على الأردن، حسب قائد حرس الحدود الأردني العميد حسين الزيود، الذي اعتبر العمليات العسكرية وتبادل إطلاق النار بين القوات النظامية والمعارضة المسلحة على مقربة من الحدود بين البلدين، أبرز هذه التهديدات. ويقول إن هذه التهديدات جعلت الحدود في حالة استنفار عسكري وأمني من الجانب الأردني بعد تعرض الأراضي الأردنية لصواريخ وقذائف، أصابت في مناسبات عدة مواطنين عزل، وألحقت أضرارا بالممتلكات العامة والخاصة. وينبه العميد الزيود أن هذه التهديدات ترافقت أيضا مع ارتفاع عمليات التهريب عبر الحدود بنسبة 300 في المائة، بما فيها تهريب الأسلحة والمخدرات، وكذلك ارتفاع عمليات تسلل الأشخاص من جنسيات مختلفة بنسبة 250 في المائة خلال عام 2013 مقارنة بالعام الذي سبقه.

وعلى الرغم من مظاهر التكافل الكثيرة والمساعدة بين الأردنيين والسوريين، إلا أن نزوح أكثر من 600 ألف سوري إلى الأردن، فرض على هذا البلد تحديات غير مسبوقة على الصعيد الاجتماعي، وأعباء اقتصادية إضافية عجز عن تحملها بمفرده، بسبب محدودية موارده وشحها، فضلا عن الصعوبات المالية التي يواجهها في السنوات الأخيرة.

فبعد أن اختارت السلطات الأردنية نهج سياسة الحدود المفتوحة في وجه السوريين الذين يفرون باستمرار من ويلات الحرب الدائرة رحاها في بلادهم، واتخذت الكثير من التدابير والإجراءات، بالتعاون مع الوكالات الأممية العاملة في المجال الإنساني، لتوفير الاحتياجات الإنسانية والخدمات الاجتماعية لهم، فإنها ظلت غير كافية، بالنظر إلى ارتفاع أعداد اللاجئين السوريين في الأردن، الذين أقبلوا بكثافة على خدمات الصحة والتعليم والمياه والطاقة.

كما أن التأثير الاجتماعي للأزمة السورية على الأردن طال البنية الديموغرافية لهذا البلد، حيث أضحى اللاجئون يمثلون نسبة 10 في المائة من عدد سكانه، مما انعكس سلبا على المجتمعات المحلية، بعد تراجع المساعدات الاجتماعية التي كانت تحصل عليها الأسر الفقيرة لصالح اللاجئين، وحلول اليد العاملة السورية محل نظيرتها الأردنية، ليس فقط بفضل مهارتها، وإنما بفعل انخفاض تكلفتها أيضا، فضلا عن ارتفاع أسعار البضائع والسلع وتضاعف إيجارات المساكن بشكل صاروخي، مما خلف استياء شعبيا ومجتمعيا واسع النطاق.

أما في المجال الاقتصادي، فإن تأثيرات الأزمة السورية لا تقل أهمية، بحيث ساهمت في المزيد من الضغوط على الوضع الاقتصادي في الأردن، الذي يعاني أصلا من عجز كبير في ميزانيته وديون تفوق 27 مليار دولار، ومعدل بطالة يناهز 14 في المائة، بالإضافة إلى تضرر القطاع التجاري والتجارة الخارجية للأردن، التي كانت تعبر أساسا من سوريا باتجاه تركيا وأوروبا، بسبب التراجع في قطاع النقل البري، وبالتالي في حجم تدفق البضائع بين البلدين.

وقدر وزير التخطيط والتعاون الدولي الأردني إبراهيم سيف التكلفة المالية التي ترتبت عليها جراء استضافة اللاجئين السوريين للعام الماضي 2013 بنحو مليار و700 مليون دولار، منها 880 مليون دولار التكلفة التشغيلية في قطاع الصحة والأمن والكهرباء وغير ذلك من الخدمات الأخرى.

ويقول الوزير سيف لـ«الشرق الأوسط» إنه لم تصل من هذه المساعدات سوى 450 مليون دولار من الدعم الخارجي، مما دفع الحكومة إلى دعوة المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته بهذا الصدد. ويضيف أنه إذا بقي عدد اللاجئين يتراوح بحدود 600 ألف لاجئ فإن الأردن بحاجة خلال العام الحالي 2014 إلى مليار و200 مليون دولار من المساعدات التشغيلية للاجئين والمجتمعات المستضيفة لهم وذلك حسب تقديرات الأمم المتحدة.