كيري ولافروف يقدمان ثلاثة «حوافز» للائتلاف لحثه على المشاركة في «جنيف 2»

واشنطن وموسكو لم تسويا خلافهما حول حضور إيران

وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف لدى لقائهما في باريس أمس. ويظهر خلفهما المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي (أ.ب)
TT

تواصلت في باريس أمس في كل اتجاه المشاورات المكثفة الخاصة بالملف السوري مع وجود وزيري خارجية الولايات المتحدة جون كيري، والروسي سيرغي لافروف في العاصمة الفرنسية.

وعقد كيري ولافروف صباحا في مقر السفير الأميركي في باريس اجتماعا عد سلفا بالغ الأهمية لأنه قد يكون الأخير قبل موعد 22 يناير (كانون الثاني) الحالي، تاريخ انطلاق مؤتمر «جنيف 2» في مدينة مونترو السويسرية، وبالتالي كان منتظرا منه حسم المواضيع الخلافية التي ما زالت عالقة بين روسيا من جهة والمعسكر الغربي الداعم للمعارضة السورية بشكل عام.

وأهمية لقاء كيري - لافروف أنه جاء مباشرة عقب اجتماع «مجموعة لندن» أو المجموعة الأساسية لأصدقاء الشعب السوري الذي أعاد التأكيد على المواقف «النهائية» للبلدان الـ11 في ما يخص الحل السياسي ورحيل النظام السوري مع قيام الحكومة الانتقالية وتشجيع الائتلاف السوري المعارض على قبول المشاركة في «جنيف 2» القائم على تنفيذ مضمون خريطة الطريق لـ«جنيف 1».

وكان المبعوث الدولي - العربي الأخضر الإبراهيمي انضم إلى كيري ولافروف اللذين استفادا قليلا من حديقة منزل السفير الأميركي التي تنزها فيها. والطريف أن كيري قدم للافروف بطاطس من إنتاج ولاية إيداهو الأميركية وقال له ممازحا: «يمكنك أن تستخدمها لاستخراج الفودكا»، ورد لافروف أن أمرا كهذا كان يحصل أيام الاتحاد السوفياتي وليس اليوم.

وباستثناء الخلاف الذي ما زال مستحكما بين الطرفين حول حضور إيران، فإن الأجواء، كما وصفتها مصادر أميركية قريبة من الاجتماع، كانت «مريحة». ولم تصعد النبرة إلا عندما اتهم لافروف نظيره الأميركي بأنه يتعامل مع موضوع دعوة إيران إلى مؤتمر مونترو - جنيف، الذي ما زالت واشنطن تعارضه، «من منطلق آيديولوجي». ونصحه بمقاربة واقعية ودعا إلى حضور كافة «الأطراف المؤثرة»، مسميا بالاسم المملكة العربية السعودية وإيران.

ورد كيري أن «الآيديولوجيا» لا دخل لها في الموضوع بل إنه لا يمكن دعوة إيران ما دامت لم تعترف أو تؤيد خارطة الطريق في «جنيف 1» وتحديدا عملية قيام سلطة انتقالية من النظام والمعارضة تعود إليها الصلاحيات التنفيذية كافة. ومجددا اغتنم لافروف فرصة الكلام ليعلن موافقته على حاجة إيران للاعتراف ببيان «جنيف 1» ولكن ليغمز أيضا من قناة دول لم يحددها «لا تريد للمؤتمر أن ينجح». وكرر الإبراهيمي موقفه الداعي لحضور إيران المؤتمر الموعود.

وسيكون الموضوع على طاولة المباحثات خلال الزيارة التي سيجريها وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف إلى موسكو، ولكن كذلك خلال زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم القريبة إلى موسكو.

وحرص الطرفان ومعهما الأخضر الإبراهيمي على إظهار التقارب في المواقف. واللافت أن كليهما أشار أكثر من مرة إلى حاجتهما للعمل معا «على إقناع الطرفين (السوريين) للتوجه إلى جنيف» من أجل التفاوض و«إطلاق عملية السلام».

وفي طفرة تفاؤلية، قال كيري إن «جنيف 2» سيكون «بداية النهاية»، مؤكدا أن الحل «سياسي وليس عسكريا» وأن الطرفين «متفقان تماما على الحاجة لإنهاء العنف» ومنع «امتداد الكارثة السورية إلى بلدان الجوار».

ومساء أمس اجتمع كيري مع وفد الائتلاف السوري برئاسة أحمد عاصي الجربا. وكان الوفد التقى لافروف مساء أول من أمس. وقالت مصادر سورية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن الوزير الروسي «أبدى مرونة وانفتاحا في الشكل لكنه بقي متشددا في ما خص المضمون». وأشارت إلى رفضه إعطاء وعود معينة حول طريقة تعاطيه المستقبلي مع النظام السوري والضغوط التي يمكن أن يمارسها عليه. بيد أن ما تمخض عن اجتماع الوزيرين أمس يشير إلى ليونة روسية ربما لا تكون محض شكلية. ويتمثل هذا «التطور» في ثلاثة ميادين متصلة، أو حوافز قدمها الطرفان للمعارضة السورية: الأول، دعوة الطرفين، النظام والمعارضة، لوقف «محدود» لإطلاق النار في مناطق معينة «قبل مؤتمر جنيف» بدءا بمدينة حلب، وفق كلام الوزير الأميركي. والثاني، تشجيعهما على عملية تبادل أسرى. والثالث، فتح ممرات إنسانية لإغاثة المناطق المنكوبة والمحاصرة. وفي هذا الخصوص أشار لافروف إلى منطقة الغوطة القريبة من دمشق.

وأفاد كيري بأنه فهم من المعارضة السورية، التي لم يحدد منها طرفا بالذات، أنها «قابلة» للبحث في وقف جزئي لإطلاق النار وتبادل الأسرى «إذا قبل الأسد بذلك». ونقل كيري عن الوزير الروسي قوله إنه ناقش موضوع الممرات الإنسانية مع النظام السوري ورجح أن يكون الأخير «قابل ذلك في منطقة الغوطة» بريف دمشق.

وكان لافتا في كلام لافروف تشديده على أن غرض «جنيف 2» هو تنفيذ مقررات «جنيف 1»، لكنه حرص على عدم الإشارة لا من قريب ولا من بعيد إلى مصير الرئيس السوري بشار الأسد. وقالت مصادر روسية مرافقة له لـ«الشرق الأوسط» إن موسكو «لن تكون جاهزة لتقديم أي تنازلات قبل بدء أعمال المؤتمر وبعد أن تكون قد تكونت لديها صورة واضحة عما سيجري فيه وعن المسائل الرئيسة التي تهمها مثل شكل السلطة الانتقالية وتكوينها وولاءاتها ومصير القوات والأجهزة الأمنية والجيش ومحاربة الإرهاب والمجموعات الجهادية ومصير المصالح الروسية». ووعد لافروف بـ«إرسال إشارات إلى الأطراف السورية حول الحاجة لوقف النار والنظر في لوائح الأسرى وتوسيع فرص إيصال المساعدات الإنسانية، وكلها خطوات من شأنها إقناع المدنيين أننا نعمل لتسهيل الأمور». ولم يفت لافروف القول إن هناك إجماعا حول الحاجة لمحاربة الإرهاب. ووصف الإبراهيمي هذه التدابير بأن غرضها «بناء الثقة» بين الأطراف.

وأفادت مصادر مواكبة لمشاورات باريس أن الخطوات أو التحفيزات الثلاثة «موجهة بالدرجة الأولى للمعارضة» التي كانت تطالب بها وتأتي مباشرة بعد الدعم السياسي الجديد الذي حصلت عليه من «مجموعة لندن» أول من أمس. وترى هذه المصادر أن بيان مجموعة الـ11 بما تضمنه، والتدابير الثلاثة التي وردت أمس على لسان كيري ولافروف، تهدف كلها إلى «إقناع الائتلاف ومن معه بقبول المشاركة في مونترو - جنيف باعتباره الطريق الذي لا بديل عنه للحل السياسي».

لكن كل هذه العناصر لا تبدو كافية لتبلور قناعة بأن مؤتمر «جنيف 2» سيحصل في تاريخه. وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، أمس، في حديث صحافي إن قرار الائتلاف بالموافقة «ليس مؤكدا بعد»، مما يعني أن أنظار الجميع ستكون متجهة إلى إسطنبول، حيث سيعقد الائتلاف اجتماعا حاسما الجمعة سيقرر فيه المشاركة من عدمها.