العاهل المغربي: حماية القدس من التهويد ودعم المرابطين بها لن يتأتيا بالشعارات الفارغة

أبو مازن أشاد بدعم خادم الحرمين الشريفين صمود شعبه في فلسطين والمدينة المقدسة

جانب من اجتماع أعضاء لجنة القدس برئاسة العاهل المغربي في مراكش أمس (أ.ف.ب)
TT

قال العاهل المغربي الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس، إن الدورة الـ20 للجنة التي بدأت أعمالها في مراكش، أمس، تأتي في ظل تراجع ملحوظ، في التضامن مع القضية الفلسطينية، سواء من حيث الدعم السياسي والمادي، أو على المستوى الإعلامي. بيد أنه أشار إلى أن انعقاد هذه الدورة «يعدّ خير دليل على إرادتنا المشتركة، في مواصلة الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق، وعن الهوية العربية والإسلامية للقدس الشريف».

وأضاف العاهل المغربي، في كلمته بالجلسة الافتتاحية لاجتماع اللجنة، أن هذا الأخير يشكل أيضا «مناسبة سانحة للتشاور والتنسيق، بشأن ابتكار الوسائل الملائمة، لمواجهة السياسات العدوانية على الشعب الفلسطيني الصامد، والمخططات الاستيطانية، والانتهاكات التي يتعرض لها الحرم القدسي الشريف، والمسجد الأقصى المبارك».

وزاد ملك المغرب قائلا: «بل إننا نريده فرصة سانحة لبلورة مواقف موحدة، من شأنها المساهمة بفعالية في مسار السلام».

ولم تعقد لجنة القدس اجتماعها منذ 14 سنة، وكان آخر اجتماع لها التأم عام 2002 في مراكش.

وفي السياق ذاته، قال الملك محمد السادس إنه منذ آخر دورة للجنة: «لم نقف مكتوفي الأيدي، ذلك أن قضية القدس أمانة في أعناقنا جميعا، حيث جعلناها في نفس مكانة قضيتنا الوطنية الأولى (قضية الصحراء)، وأحد ثوابت سياستنا الخارجية». وأوضح العاهل المغربي أن الدفاع عن مدينة القدس السليبة «ليس عملا ظرفيا، ولا يقتصر فقط على اجتماعات اللجنة. وإنما يشمل بالخصوص تحركاتها الدبلوماسية المؤثرة، والأعمال الميدانية الملموسة داخل القدس، التي تقوم بها وكالة بيت مال القدس الشريف، باعتبارها آلية تابعة للجنة».

وشدد الملك محمد السادس على القول: «إن حماية المدينة المقدسة من مخططات التهويد، ودعم المرابطين بها، لن يتأتى بالشعارات الفارغة، أو باستغلال هذه القضية النبيلة كوسيلة للمزايدات العقيمة، بل إن الأمر عظيم وجسيم، يتطلب الثقة والمصداقية، والحضور الوازن في مجال الدفاع عن المقدسات الإسلامية».

وأضاف قائلا: الحماية القدس «يقتضي بلورة مقترحات جدية وعملية، والإقدام على مبادرات واقعية، مع ضمان وسائل تنفيذها، وآليات تمويلها، ذلك أن القضية الفلسطينية، بما فيها القدس الشريف، هي قضية الأمة الإسلامية جمعاء».

وتحدث الملك محمد السادس عن رئاسة لجنة القدس، وقال: «إنها ليست حظوة أو جاها، وإنما هي أمانة عظمى، ومسؤولية كبرى، أمام الله والتاريخ»، مشيرا إلى أنه انطلاقا من ذلك «ما فتئنا نكرس جهودنا، بتشاور مع أشقائنا وشركائنا، للدفاع عن الطابع العربي والإسلامي للقدس، وصيانة هويتها الحضارية، كمهد للديانات السماوية، ورمز للسلام والتعايش بين الثقافات».

وأشار العاهل المغربي إلى تحركاته الدبلوماسية بشأن القدس، فقال: «عبّرنا، أخيرا، لقداسة البابا وللأمين العام للأمم المتحدة، عن انشغالنا العميق، بخصوص عزم الفاتيكان توقيع اتفاقية مع إسرائيل، حول الوضع القانوني لممتلكات الكنيسة في القدس المحتلة. وأكدنا أن من شأن إبرام هذه الاتفاقية إضفاء شرعية على ممارسات سلطات الاحتلال، فضلا عن كونها تشكل انتهاكا للقرارات الدولية، المتعلقة بعدم المسّ بالوضع القانوني للقدس».

بيد أن الملك محمد السادس، أوضح أنه «بما أن المساعي الدبلوماسية، على أهميتها، لا تكفي وحدها لتغيير الوضع على الأرض، فقد حرصنا على تعزيز عمل لجنة القدس، بتكثيف وكالة بيت مال القدس الشريف لأعمالها الميدانية، التي لها أثرها المباشر والملموس في تحسين ظروف عيش المقدسيين».

وأشار إلى أن الوكالة، تحت إشرافه، قامت بإنجاز كثير من الأوراش، التي تهدف للنهوض بالتنمية البشرية لأهل القدس، لتوفير سبل العيش الكريم لهم، ودعم صمودهم في وجه المضايقات الرامية لدفعهم لمغادرة أرضهم وممتلكاتهم، بالمدينة المقدسة.

وعدّد العاهل المغربي المنجزات التي قامت بها وكالة بيت مال القدس، وقال إنها بلورت مخططا خماسيا، للفترة الممتدة من 2014 إلى 2018، مشيرا إلى أنه لتوفير شروط النجاح لهذا المخطط، حرصت الوكالة على إعداد دراسة دقيقة لمختلف المشاريع التي تعتزم إنجازها، مع تحديد آجال تنفيذها، ووسائل تمويلها، «غير أن طموحنا يتجاوز بكثير الإمكانات المحدودة، التي تتوفر عليها الوكالة، بسبب ضعف المساهمات المنتظرة في ميزانيتها».

وفي غضون ذلك، دعا ملك المغرب «للتعبئة القوية لوسائلنا وإمكاناتنا الذاتية، وتسخيرها للدفاع عن المدينة المقدسة، باعتبارها قضية الأمة الإسلامية جمعاء».

وأشاد العاهل المغربي بالجهود الدؤوبة، التي تبذلها الإدارة الأميركية، بتوجيه من الرئيس باراك أوباما، وبإشراف وزير الخارجية، جون كيري، التي خلقت دينامية بناءة في مسار السلام.

بيد أنه أوضح أن نجاح هذه الدينامية يبقى رهينا باعتماد مقاربة شاملة، تهم كل قضايا الحل النهائي، وفق مرجعيات واضحة، وفي أفق زمني محدد.

ودعا العاهل المغربي إلى تعزيز جو الثقة بين الأطراف المعنية، من خلال الامتناع عن كل الممارسات الاستفزازية، التي من شأنها نسف هذه المسار، والتحلي بالواقعية وروح التوافق، الكفيل بنجاح المفاوضات.

وفي السياق نفسه، ذكر ملك المغرب أنه يتعين التحلي باليقظة، وتضافر الجهود، لقطع الطريق أمام جماعات التطرف والظلامية، التي تحاول استغلال القضية النبيلة للدفاع عن القدس، لنشر العنف والإرهاب بالمنطقة.

وأمام هذا الوضع، قال العاهل المغربي إنه ينبغي توطيد العمل العربي والإسلامي المشترك، وتوحيد الصفوف، وانتهاج أساليب مبتكرة، للإسهام البنّاء في تجسيد إرادة السلام، ودعا لنهج استراتيجية عملية وناجعة، تقوم فيها لجنة القدس بدور حاسم، كآلية دائمة لمنظمة التعاون الإسلامي، والتشديد على أن القدس هي جوهر القضية الفلسطينية، وأنه لا سلام من دون تحديد الوضع النهائي للقدس الشرقية، كعاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة.

من جهته، أشاد محمود عباس، رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، بجهود المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين «لدعم صمود أهلنا في فلسطين والقدس»، كما أشاد بالدور الكبير الذي تقوم به المملكة المغربية، بقيادة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، دفاعا عن القدس الشريف.

ويمثل السعودية في اجتماع لجنة القدس الأمير عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز نائب وزير الخارجية السعودي، بينما مثّل إيران مندوبها لدى منظمة التعاون الإسلامي، حميد رضا دهقاني.

وقال عباس إنه لم يسبق أن كان الخطر يحدق بالقدس كما يحدق بها اليوم، مشيرا إلى أن سلطات الاحتلال تواصل العمل لتحقيق هدفها النهائي، المتمثل بتهويد القدس، بالعمل على عدة محاور، تشمل أولا: محاولة تغيير معالم وبنية المشهد المقدسي بأدق تفاصيله، وإحلال مشهد مغاير يخدم أوهام الخرافات وغطرسة القوة، «متوهمين أنهم بحكم القوة الغاشمة تلك قادرون على ابتداع تاريخ وتثبيت مزاعم، وإلغاء حقائق دينية وتاريخية راسخة».

وفي هذا السياق، قال عباس إن القدس تشهد تسارعا غير مسبوق في الهجمة الاستيطانية، وتواصلا في هدم البيوت التي تحمل رمزية تاريخية، وبناء المستوطنات في أكثر من موقع على أراضٍ جرى الاستيلاء عليها من المواطنين، وفي السياق نفسه تجري إحاطة القدس بجدار الفصل العنصري، وبطوق من المستوطنات لعزل المدينة عن محيطها في الضفة الغربية.

وفي محور آخر، يضيف أبو مازن، يواصل الاحتلال استكمال خطة التطهير العرقي، عبر تنفيذ مخطط هدفه دفع المواطنين الفلسطينيين إلى مغادرة مدينتهم، من خلال إرهاق المقدسيين بترسانة من الضرائب المتعددة والباهظة، المرتبطة بإجراءات عقابية، ورفض منح رخص لبناء البيوت، والقيام بهدم البيوت التي ترى أنها بنيت من دون موافقتها، ومصادرة هويات المقدسيين وحرمانهم من الإقامة في مسقط رأسهم.

ووصف أبو مازن ما تنفذه سلطات الاحتلال بأنه تطهير عرقي، بكل ما يعنيه ذلك، ضد المواطنين الفلسطينيين، لجعلهم في أحسن الحالات أقلية في مدينتهم، لهم صفة المقيم فقط، مقابل تعزيز الوجود اليهودي ببناء المزيد من المستوطنات.

وأضاف: «وعلى محور ثالث، تعمل سلطات الاحتلال على إفقار المدينة المقدسة وتدمير بنيتها التحتية وضرب مواردها الاقتصادية، وهي التي كانت على الدوام وفي كل العصور عنوانا للازدهار ومركزا رئيسا للنشاط الاقتصادي والسياحي والطبي والتعليمي، وحاضنة للنشاط الثقافي والفكري والفني في فلسطين».

وقبيل اجتماع لجنة القدس، عقدت لجنة الوصاية لوكالة بيت مال القدس الشريف، وتتكون من وزراء خارجية خمس دول هي المغرب وفلسطين وإيران والسنغال والسعودية، ووكالة بيت مال القدس الشريف، والأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي.

وتتلخص اختصاصات لجنة الوصاية في إعداد برنامج العمل وميزانية الوكالة السنوية، والقيام بمتابعة تنفيذ البرامج والميزانية، والإشراف على تسيير إدارة الوكالة، وتعيين المدير العام وتحديد مهامه وأحداث ممثليات للوكالة.

وفي سياق ذلك، أكد وزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، أن مخطط عمل وكالة بيت مال القدس ما بين 2014 و2018 طموح، ومن شأنه تلبية الحاجيات الملحة للمقدسيين في مختلف المجالات.

وأوضح مزوار، في تصريح للصحافة قبيل انعقاد اجتماع لجنة الوصاية لوكالة بيت مال القدس الشريف، أن إعداد هذا المخطط جرى وفق دراسة ميدانية لأولويات الحاجيات بالنسبة للمقدسيين، مضيفا أن «طموحنا خلال هذا الاجتماع يتمثل في بلوغ دعم واضح لهذا المخطط»، وخاصة في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة التي تمر بها المدينة المقدسة.

وبعدما ذكر أن المغرب يحمل في إطار مخطط العمل السابق (2007 - 2012) ما نسبته 80 في المائة من ميزانية وكالة بيت مال القدس، شدد مزوار على ضرورة تعزيز مساهمات باقي الأعضاء، حيث إن الوكالة تعد بمثابة الوعاء الذي يجب أن تصب فيه جميع المساهمات.

وأبرز مزوار أن اجتماع لجنة الوصاية يشكل أداة لتقييم مخطط عمل وكالة بيت مال القدس (2007 - 2012)، سواء من حيث المساهمات والإنجاز الميداني وصعوباته، وكذا ردود فعل المقدسيين بهذا الخصوص.