لبنان: ثمانية قتلى بينهم خمسة أشقاء بقصف صاروخي على عرسال.. ورئيس بلديتها يتهم حزب الله

أكثر من 20 قذيفة سورية تستهدف مناطق حدودية سقط بعضها قرب مراكز للجيش

لبنانيون يعاينون آثار سقوط القذائف على بلدة عرسال الحدودية أمس (رويترز)
TT

اتسعت دائرة استهداف مناطق البقاع الشمالي بشرق لبنان بالصواريخ، أمس، وصولا إلى بلدة عرسال التي استهدف أحد أحيائها الداخلية بثمانية صواريخ. وأدى القصف إلى مقتل ثمانية أشخاص بينهم خمسة أطفال من عائلة واحدة وجرح 20 آخرين، وتزامن مع سقوط أكثر من 20 صاروخا على مناطق أخرى في المنطقة، بينما طالب الرئيس اللبناني ميشال سليمان المسؤولين العسكريين والأمنيين باتخاذ كل الوسائل لحماية المناطق اللبنانية الحدودية مع سوريا.

الأنباء تضاربت حول مصدر الصواريخ السورية، ففي حين أعلن الجيش اللبناني أن أكثر من 20 صاروخا وقذيفة سقطت في المناطق اللبنانية: «مصدرها الجانب السوري»، اتهم رئيس بلدية عرسال علي الحجيري في تصريحات متزامنة حزب الله بإطلاق الصواريخ، قائلا إنها «انطلقت من مواقع عسكرية لحزب الله في الأراضي اللبنانية»، معتبرا أنها رسالة من حزب الله. غير إن الحزب نفى لاحقا تورطه بالقصف.

ويعد هذا التطور، واقعة جديدة لإطلاق الصواريخ المتكرر على البلدة الحدودية مع سوريا والمؤيدة للمعارضة السورية. وتُتّهم بلدة عرسال، ذات الغالبية السنية، التي تقع في محيط بلدات شيعية مؤيدة بمعظمها لحزب الله، بأنها تحولت إلى قاعدة خلفية للمعارضين السوريين، رغم أن فعاليات البلدة، كررت نفيها في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن تكون مأوى للمعارضة، مطالبة الدولة اللبنانية بضبط الحدود مع سوريا.

وأكد نائب رئيس بلدية عرسال أحمد فليطي لـ«الشرق الأوسط» أن أهالي عرسال واللاجئين السوريين فيها: «شاهدوا الصواريخ تأتي من غرب عرسال، في الأراضي اللبنانية»، مؤكدا «أن لا تداخل بين الأراضي اللبنانية والسورية مع عرسال سوى من جهة الشرق حيث تمتد الحدود لأكثر من 50 كلم». واعتبر أن عرسال «تدفع ثمن استضافتها النازحين السوريين». ويذكر أن عدد النازحين السوريين إلى عرسال، يبلغ اليوم ضعفي عدد سكانها، إذ تشير التقديرات إلى أن أكثر من ستين ألف نازح سوري، لجأوا إليها منذ بدء القتال في ريف القصير والقلمون. وارتفع عدد النازحين بشكل مطرد في الخريف الماضي، على خلفية الاقتتال الدامي في بلدات قارة والنبك وسحل ودير عطية في ريف دمشق الشمالي، وهي القرى والبلدات السورية المتاخمة لعرسال من ناحية الشرق.

وأكد فليطي أن الصواريخ الثمانية «استهدفت موقعا سكنيا يقطنه مدنيون، وسقطت في محيط دائري لا يتجاوز الـ500 متر، ما يشير إلى أنها ليست عشوائية، بل أطلقت نتيجة إحداثية عسكرية»، مشيرا في الوقت نفسه إلى سقوط صواريخ أخرى مصدرها الجانب السوري استهدفت جرود البلدة ليل الخميس وصباح أمس، وتحديدا في منطقة خربة داود التي تبعد عن البلدة 20 كلم، فضلا عن تحليق للطيران الحربي السوري فوق منطقة مشاريع القاع في أقصى شمال شرقي لبنان.

هذا، وكانت عرسال قد تعرضت مرارا خلال الأشهر الماضية لقصف من الطيران السوري. واستهدفت مروحيات سورية البلدة في الثلاثين من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ما دفع الجيش اللبناني إلى إطلاق مضاداته الأرضية ضد سلاح الطيران السوري للمرة الأولى منذ بدء النزاع في سوريا المجاورة.

وسقط صاروخان على منزلين تقطنهما عائلتان في منطقتي السرج والشقف في وسط ومدخل عرسال، ما أدى إلى سقوط سبعة قتلى على الفور، قبل أن يرتفع العدد إلى ثمانية بوفاة طفلة. وقضى خمسة أطفال أشقاء، أولاد زاهر الحجيري، هم حمد 10 سنوات، يارا 8 سنوات، عدلا 6 سنوات، سمر 4 سنوات ومحمود سنة ونصف السنة، إضافة إلى جرح ابنته السادسة سحر، بالإضافة إلى مقتل الطفل حسن محمد عز الدين 10 سنوات وعمر عبد المنعم الحجيري (20 سنة).

ولم تسلم حواجز الجيش اللبناني من الاستهداف، إذ سقطت بالقرب من أحد مراكزه قذائف مدفعية من عيار 120 ملم، دون أن تسفر عن وقوع إصابات. وأفادت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» بتعرض المنطقة المحيطة بمركز لاستخبارات الجيش اللبناني في رأس بعلبك وحاجز المحطة عند مدخل الهرمل – القاع، للقصف بـ13 قذيفة وصاروخا مصدرها الأراضي السورية شرق البلدة، مشيرة إلى أن خبراء من الجيش اللبناني توجهوا إلى البلدة لدراسة وتحديد مصدر إطلاق الصواريخ والتي يرجح أن معظمها انطلق من شرق البلدة حيث تدور معارك عنيفة على محور القصير وجوسيه.

وبموازاة إطلاق الصواريخ على عرسال، انهمرت صواريخ أيضا بغزارة على مناطق محيطة بمدينة الهرمل، التي كانت قد شهدت أول من أمس تفجيرا انتحاريا أدى إلى مقتل 4 أشخاص وجرح أكثر من 40 آخرين. وسقط أحد الصواريخ داخل الهرمل لكنه لم يلحق أضرارا كبيرة، فيما توزعت صواريخ أخرى، قدرت بعشرين صاروخا، على المناطق المحيطة فيها، وهي مناطق مؤيدة بمعظمها لحزب الله.

وتوزعت الصواريخ على مناطق تشمل بلدات وقرى الكواخ والقصر والناصرية والبويضة والبجاجة وبساتين اللبوة في البقاع الشمالي. وترافق سقوط الصواريخ مع غارات للطيران السوري على جوسيه والقصير في ريف حمص داخل الأراضي السورية، التي يتواصل فيها الاقتتال منذ يومين، وتشهد عمليات كر وفر وهجمات متبادلة بين المسلحين في مناطق نعمات، جوسيه، تل الحنش والقصير.

وعادة ما يتزامن إطلاق الصواريخ على الأراضي اللبنانية، مع القتال في ريف القصير وجوسيه السوريتين، نظرا لما تقول المعارضة السورية إن مقاتلي حزب الله يشكلون طليعة الهجوم.

من جهة ثانية، طالب الرئيس سليمان «المسؤولين العسكريين والأمنيين اتخاذ كل الوسائل الآيلة إلى حماية القرى والبلدات اللبنانية المحاذية للحدود مع سوريا»، معتبرا أن «حماية المناطق اللبنانية وسكانها أولوية حيال أي اعتداء تتعرض له من أي جهة كانت». وكرر الرئيس اللبناني تحذير حزب الله من دون أن يسميه، من انعكاسات مشاركته في المعارك السورية على الوضع اللبناني. وحذر «من مغبة التمادي في التورط في تداعيات الأزمة السورية ما بات يشكل ثمنا باهظا يدفعه اللبنانيون»، وفق ما ورد في بيان وزعه مكتبه الإعلامي اليوم. وسبق لسليمان أن طالب الحزب في الأشهر الماضية «بالعودة إلى لبنان» ووقف مشاركته في المعارك داخل سوريا، والتي أدت إلى تصعيد التوتر السياسي في البلد المنقسم حول النزاع السوري.

ومن جانبه، استنكر رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي الاعتداء على عرسال، وطلب من الجيش اللبناني اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية الأراضي اللبنانية ومنع التعدي عليها، فيما شدد رئيس الحكومة المكلف تمام سلام على «ضرورة التحقيقات في القصف على عرسال، هذه الجريمة المشبوهة»، لافتا إلى أن «مسلسل الإجرام والإرهاب يتواصل متنقلا في المناطق والبلدات اللبنانية، وها هي عرسال اليوم بعد الهرمل بالأمس تتعرض لهجوم بالصواريخ استهدف المدنيين والأبرياء». كما استنكر سلام «هذا الاعتداء المجرم والمشبوه الذي يستهدف إيقاع الفتنة بين اللبنانيين، ولقد بات مكشوفا أمام الرأي العام الذي نرجو أن يساهم الوفاق السياسي في لبنان بتحصينه ضمن شبكة أمان تضمن له السلم الأهلي».

ومعروف أنه شهدت مناطق عدة في شرق لبنان أعمال عنف على خلفية النزاع السوري، شملت تفجير عبوات ناسفة وسقوط صواريخ استهدفت مناطق نفوذ لحزب الله. وتبنت مجموعات من المعارضة السورية عمليات إطلاق الصواريخ في وقت سابق، قائلة بأنها رد على مشاركة الحزب في المعارك داخل سوريا.

وفي ردود فعل تضامنا مع بلدة عرسال واستنكارا لاستهدافها بالصواريخ، قطع عدد من الشبان الطريق الرئيسي الذي يربط حلبا بالكويخات في منطقة عكار، كما قطعت مجموعة أخرى أوتوستراد التبانة في محلة الملولة بمدينة طرابلس، عاصمة شمال لبنان، بالإطارات المشتعلة وسجل إلقاء قنبلة صوتية في شارع سوريا.