«القاعدة» تعلن قطع علاقتها بـ «داعش» في سوريا لعصيانه أوامر القيادة

في خطوة من شأنها تعزيز شأن «جبهة النصرة»

TT

نفت القيادة العامة لتنظيم «القاعدة» أمس أي علاقة لها بتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)التي عرف مقاتليها بشراستهم في سوريا والعراق. وأعلنت في بيان موقع باسم «جماعة قاعدة الجهاد» ألا صلة لها بجماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، فلم تخطر بإنشائها، ولم تستأمر فيها ولم تستشر، ولم ترضها، بل أمرت بوقف العمل بها.

وقالت قيادة «القاعدة»، في بيان نقلته مؤسسة «سايت» المتخصصة في رصد المواقع الإسلامية، إن التنظيم «ليست فرعا من جماعة قاعدة الجهاد، ولا تربطها بها علاقة تنظيمية، وليست الجماعة مسؤولة عن تصرفاتها». وشددت على «البراءة من أي تصرف ينشأ عنه ظلم ينال مجاهدا أو مسلما أو غير مسلم»، مشيرة إلى البراءة من الفتنة التي تحدث في الشام بين فصائل المجاهدين، ومن الدماء المحرمة التي سفكت فيها من أي طرف كان.

ولم يستبعد مراقبون أن يكون هذا التحول محاولة لإعادة توجيه جهود الإسلاميين إلى القتال ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد بدلا من تبديد الموارد في الاقتتال، ملمحين إلى أن تبرؤ «القاعدة» من تنظيم «داعش» بعد شهر من الاقتتال بين فصائل المعارضة العسكرية، يأتي بمثابة خطوة لتعزيز جماعة إسلامية منافسة وهي جبهة النصرة. لكن فستق قلل من هذه الفرضية، معتبرا أنه «لا انقسام في صفوف الجهاديين والخلاف يأتي في السياق التنظيمي فحسب».

وقالت القيادة العامة للتنظيم في بيان نشر بمواقع جهادية على الإنترنت أمس إن التنظيم قطع علاقته مع «داعش»، التي يقودها أبو بكر البغدادي، عقب عصيانه للأوامر الصادرة عن زعيم التنظيم أيمن الظواهري. وعلى الرغم من عدم التمكن من التأكد من صحة البيان من مصدر محايد، فإنه نشر على مواقع يستخدمها عادة تنظيم القاعدة. وكان الظواهري قد أمر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بالعمل مستقلا عن فرع آخر منافس له من فروع «القاعدة» في سوريا، هو جماعة جبهة النصرة، التي يتزعمها أبو محمد الغولاني. وقد رفض البغدادي أوامر الظواهري، وسعى دون نجاح إلى دمج الجماعتين معا.

وكان الظواهري دعا الشهر الماضي في رسالة صوتية إلى وقف القتال بين إخوة الجهاد والإسلام في سوريا، على خلفية احتدام القتال بين تشكيلات عسكرية تابعة للمعارضة السورية وعناصر «الدولة»، التي تؤكد ارتباطها بـ«القاعدة» في مناطق واسعة من شمال سوريا. وشاركت جبهة النصرة التي سبق أن عدها الظواهري ممثل تنظيم القاعدة في سوريا، إلى جانب مقاتلي المعارضة المؤلفين من «الجبهة الإسلامية» و«جيش المجاهدين » و«جبهة ثوار سوريا» في بعض هذه المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

وكانت القيادة العامة لـ«القاعدة»، دعت في بيانها أمس، «كل ذي عقل ودين وحرص على الجهاد أن يسعى جاهدا في إطفاء الفتنة بالعمل على الإيقاف الفوري للقتال ثم السعي في حل النزاعات بالتحاكم إلى هيئات قضائية شرعية للفصل فيما شجر بين المجاهدين».

وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 2300 شخص على الأقل هذا العام نتيجة الاقتتال بين قوات المعارضة في سوريا. ورغم أن «داعش» تنتهج الفكر المتشدد لتنظيم القاعدة، لكن كثيرين من المقاتلين الأجانب والمراقبين، وفق وكالة «رويترز» يؤكدون أن «القاعدة انفصلت بالفعل عن جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، التي كانت في الأصل جناح القاعدة في العراق، قبل أن تمتد إلى سوريا».

وفي أبريل (نيسان)، حاول أبو بكر البغدادي، قائد الدولة الإسلامية في العراق والشام، دمج جماعته مع جبهة النصرة في تحد لأوامر أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة، مما تسبب في شقاق. وقال قائد من جبهة النصرة في شمال سوريا لـ«رويترز» إن البيان يعني أن موقف جماعته لم يعد على الحياد. وأضاف القائد الذي طلب عدم الكشف عن اسمه «نحن الآن في حرب مع (داعش)، جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، وسنقضي عليها نهائيا». وقال تشارلز ليستر، الزميل الزائر بمركز بروكنغز الدوحة، إن بيان «القاعدة» يمثل محاولة منها لإعادة التأكيد بشكل قاطع على مستوى معين من السلطة على الجهاد في سوريا بعد شهر من القتال وعصيان الدولة الإسلامية في العراق والشام. وأضاف «هذا يمثل خطوة قوية وصريحة من (القاعدة)، ستخدم بلا شك زيادة تعزيز دور جبهة النصرة كممثل رسمي لـ(القاعدة) في سوريا».

لكن جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام أصبحت قوة لا يستهان بها. فيوم أمس قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن مقاتلي الجماعة أطلقوا سراح ما يربو على 400 شخص من سجن في شمال سوريا، بعدما كانت تحتجزهم جماعة لواء التوحيد الإسلامي المنافسة. وأضاف المرصد أن جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام استولت على حقل كونيكو للغاز في محافظة دير الزور بشرق البلاد، بعدما كان يخضع لسيطرة جبهة النصرة وجماعات مسلحة أخرى لعدة أسابيع عقب انتزاعه من مسلحين قبليين.

وبعد شهر من الاقتتال تبرأ تنظيم القاعدة من جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام في خطوة من شأنها تعزيز جماعة إسلامية منافسة، وهي جبهة النصرة الجناح الرسمي لتنظيم القاعدة في سوريا. ويعتبر هذا التحول محاولة لإعادة توجيه جهود الإسلاميين إلى الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد بدلا من تبديد الموارد في الاقتتال، وربما يهدف إلى تغيير التوازن الاستراتيجي في وقت تنشط فيه القوات الحكومية بشكل متزايد في ساحة المعركة.

وتنتهج جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام الفكر المتشدد لتنظيم القاعدة. ومع ذلك يقول كثيرون من المقاتلين الأجانب والمراقبين إن «القاعدة» انفصلت بالفعل عن جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» التي كانت في الأصل جناح «القاعدة» في العراق - قبل أن تمتد الجماعة إلى سوريا. ويهيمن الإسلاميون المتشددون بما في ذلك جبهة النصرة على القتال الذي يغلب عليه الطابع السني ضد الأسد الذي تدعمه الأقلية العلوية فضلا عن المقاتلين الشيعة من العراق وحزب الله في لبنان.

وفي هذا السياق، يرى الخبير في الجماعات الجهادية الداعية اللبناني عمر بكري فستق، لـ«الشرق الأوسط» أن «القاعدة» أعادت أمس تأكيد المؤكد بألا علاقة لها بتنظيم «الدولة الإسلامية»، إذ إن الأخيرة تعمل بشكل مستقل ولها مرجعيتها الفقهية المتمثلة بمجلس شرعي مستقل بدوره عن تنظيم القاعدة.

ويميز فستق بين الطرفين باعتبار أن «الدولة» تسعى إلى تطبيق حكم الشرع، بعد سيطرتها على مناطق محددة، في حين تعد «القاعدة» حركة جهادية تخوض معركة الكر والفر، مشددا على أن كلاهما تسيران على منهج عقائدي واحد.