مؤيدون للسيسي يدعون «أصحاب المصالح» للحد من «المزايدات الدعائية»

صوره انتشرت في الشوارع والميادين وعلى ضفاف النيل

صور المشير السيسي منتشرة على كوبري السادس من أكتوبر في القاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

«أنا أحب السيسي لكن مسألة المزايدة الدعائية أصبحت زائدة.. والمثل يقول: إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده»، قال الشاب وهو يتأمل صور قائد الجيش المصري المشير عبد الفتاح السيسي بزيه العسكري تعلو بكثافة فائقة أعمدة الإنارة ولوحات الإعلانات المكتظة بكوبري 6 أكتوبر الشهير على نيل القاهرة، وعليها عبارات من قبيل «السيسي رئيسا»، «السيسي إرادة شعب»، «مصر تختارك»، و«سيادة المواطن».. ثم أردف الشاب بنبرة غاضبة «الرجل لا يحتاج إلى كل هذا، لقد دخل قلوب المصريين من أوسع الأبواب وأصبح بطلا قوميا، هذه مزايدة ممجوجة، لا تخلو من النفاق، وطبقات المصالح التي تروج لها في الغالب قلة من رجال الأعمال، يتجاهلون أن مصر تغيرت، ولا يمكن أن تعود للوراء».

نبرة الشاب شهاب المثقفة تغري بالتمشية معه على كورنيش النيل أسفل الكوبري، فتابع قائلا: «أنا أعمل في الجامعة الأميركية وحاصل على الماجستير في علم الاجتماع السياسي، وشاركت في ثورتي 25 يناير (كانون الثاني) و30 يونيو (حزيران)، لكن ما يحدث داخل المشهد يقلقني خاصة على المستوى السياسي، أنا أدرك طبيعة الشعب المصري وحسه الوطني الشعبي العفوي البسيط، وأثق أن الأغلبية الساحقة تحب السيسي وتكن له كل الود والاحترام، ومن حق هذا الشعب أن يطالبه بالترشح ليكون رئيس البلاد.. لكن هذا الشعب الفقير في أمس الحاجة لكل الأموال التي تنفق في هذه الإعلانات، لبناء مدرسة أو مستشفى أو حتى فرن للخبز».

وعلى ضفاف النيل ازدانت المراكب التي تستخدم في النزهة النيلية بصور السيسي، كما تنافسها عربات «حمص الشام» و«الترمس»، وأكشاك باعة الصحف والمأكولات الشعبية.

أحمد، مالك إحدى هذه المراكب، فاجأني قائلا «السيسي فتح بيوتنا. أيام حكم مرسي وأيام المجلس العسكري كان حالنا واقف. الناس بقت تحب النزهة في المركب، بترقص على أغنية تسلم الأيادي، ويقضوا وقت حلو». ولا يرى أحمد في كثرة الدعاية للسيسي مزايدة. ويتابع: «الرجل يستاهل الكثير.. أنقذ مصر من حكم الإخوان ومن حرب أهلية.. الحمد لله الوضع الأمني في تحسن.. ونحن معه بقلوبنا وعرقنا ودمنا».

وأطاح الجيش بقيادة السيسي بالرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي من الحكم في 3 يوليو (حزيران) الماضي، بعد مظاهرات شعبية عارمة تندد بحكم الإخوان، وبتوافق شعبي أعلن عن خارطة المستقبل، التي أنجز منها الاستحقاق الأول بموافقة كاسحة على الاستفتاء على الدستور الجديد للبلاد في 14 و15 يناير (كانون الثاني) الماضي. وينتظر أغلبية الشعب أن يعلن السيسي رسميا عن ترشحه للانتخابات الرئاسية، بعد أن جرى تعديل موعدها لتكون الاستحقاق الثاني لخارطة المستقبل قبل الانتخابات البرلمانية.

وفي 24 يوليو (حزيران) من العام الماضي طلب السيسي من الشعب في خطاب رسمي تفويضا شعبيا لمحاربة الإرهاب، وفي أقل من 48 ساعة خرج ملايين المصريين، بحسب مراقبين، في شوارع وميادين القاهرة والأقاليم، يفوضونه بمحاربة الإرهاب.

يتساءل زكريا، وهو ناشط سياسي، وعضو بأحد الأحزاب المصرية، جلس ينتظر الحافلة بميدان عبد المنعم رياض وسط العاصمة: «هل يحتاج هذا الرجل الذي خرجت له كل هذه الملايين لهذه الزفة؟»، ثم يضيف بتساؤل آخر: «ماذا يريدون؟ الرجل معروف بتدينه وبساطته، وحبه لمصر ولفقرائها قبل أغنيائها. أم إنهم ربما يريدون حرق الرجل قبل أن يصل لحكم البلد، في هذه الفترة العصيبة والحاسمة والتي سيواجه فيها معضلات من المشاكل المزمنة على كل المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية.. وغيرها».

ولا تتوقف عاصفة حب السيسي وحجم الدعاية الجارف لترشحه لرئاسة مصر عند هذا الحد، بل امتد الهوس به في شكل حملات وجبهات وتنظيمات شعبية تطالبه بالترشح، ولا ترى بديلا سواه، منها على سبيل المثال لا الحصر، حملات «كمل جميلك»، و«مصر بلدي»، و«السيسي رئيسي»، و«بأمر الشعب». كما تصدرت صورة السيسي غلاف مجلة «سمير» أشهر مجلات الأطفال في مصر، وبجانبها طفل يبتسم بتفاؤل في المستقبل.

ودوت عاصفة حب للسيسي في أروقة إحدى الكناس المصرية، بعدما أفاض القمص بولس عويضة، راعي كنسية الزهراء، في مدح السيسي والتغزل في محاسنه، واصفا إياه في إحدى الحملات الداعية لترشيح السيسي بقوله: «المشير الوسيم»، وأضاف القمص قائلا: «أذوب عشقًا في السيسي.. ونساء مصر معذورات في حبه».

وعدت رابطة «حماة الإيمان» القبطية تصريحات القمص بأنها «مسيئة». وطالبته بالاعتذار للمصريين، خاصة أنه تحدث بشكل قالت إنه مبالغ فيه عن «إعجاب سيدات مصر بالمشير السيسي».

وفي غبار هذا الحملة، يقارن قطاع من المصريين بين السيسي والزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ويعتبرونه امتدادا له. لكن كثيرين يرون غير ذلك، مؤكدين أن الزعامة لا تستنسخ ولا تقلد، لكن يمكن الإفادة من سيرتها وتجربتها، ويشددون على أن تشبيه السيسي بعبد العناصر لعبة سياسية عقيمة من الإخوان لاستعطاف الغرب، والمعروف أن عبد الناصر قمع الإخوان وزج بقادتهم في السجون. ويتفق هؤلاء على أن السيسي يمكن أن يكون بالفعل رجل المرحلة، لكنهم يتخوفون من نفوذ للجيش في المشهد السياسي، وتواري مبدأ مدنية الدولة في الخلفية.

الكاتب الروائي الدكتور سيد الوكيل، أحد المثقفين المصريين البارزين، يعبر عن هذا التخوف على صفحته بموقع «فيس بوك»، قائلا: «السيسي ليس عبد الناصر ولا نريده كذلك، ربما يذكرنا به.. ولكنه ليس هو بالتأكيد. هذه المقارنة أنتجها الإخوان المسلمون لتعبر عن فزعهم من المرحلة الناصرية لا أكثر، ولتخيفنا أيضا، بالرجوع إلى الخلف ستين سنة. لو أن رجلا في مصر يعيش على أحلام الناصرية فهو حمدين صباحي (وهو مرشح سابق للرئاسة معروف بميوله الناصرية)، وليس السيسي».

يضيف الوكيل: «الجيش المصري المحترف هو أدرى الناس بأخطاء المرحلة الناصرية، وقادته الحاليون هم شباب وأبطال (معركة عام) 1973 الذين استعادوا سيناء، ويعرفون جيدا حجم الفارق بينهم وبين جيش 1967 (الذي شهد هزيمة مصر في معركة مع إسرائيل). عبد الناصر كان زعيما لمرحلة؛ كان العالم مكتظا بالزعامات، الزعامة كانت موضة العصر وقتها وانتهت الآن. والسيسي ليس زعيما، ولكنه يعرف دوره جيدا كقائد للجيش المصري الذي يحمل تاريخا معقدا من العسكرية منذ إبراهيم باشا وأحمد عرابي وعزيز المصري والضبع الأسود والضباط الأحرار والمشير أحمد إسماعيل وغيرهم من قادة الجيش المصري الذين أدركوا أن قدرهم هو القيام بدور كبير في لحظات الخطر».

ورغم أن شعارات الإخوان المسلمين المناوئة لقائد الجيش لم تطلها يد الطلاء بعد، ولا تزال قابعة على حوائط بعض البنايات والشوارع الجانبية في بعض الأحياء، فإن الهوس بالسيسي تجاوز كل الشعارات.