القمة الحكومية في دبي ترصد «الإبداع» و«الابتكار» كمحورين لتطوير خدمات القطاع العام

الشيخ محمد بن راشد يدشن موقع مبادرة «اهتمام» لمشاركة أفراد المجتمع بتطوير القطاعات في الحكومة

محمد بن راشد يدشن موقع «اهتمام» بحضور منصور بن زايد على هامش القمة الحكومية (وام)
TT

دشن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أمس مبادرة «اهتمام»، التي أطلقتها وزارة شؤون الرئاسة في اليوم الثاني من أعمال القمة الحكومية المنعقدة في دبي.

وتعنى المبادرة باستقبال آراء وأفكار ومقترحات أفراد المجتمع الإماراتي من خلال دخولهم إلى موقع مبادرة «اهتمام» على الشبكة العنكبوتية، وذلك للمساهمة من خلال هذه الأفكار والمقترحات في تطوير المجتمع ومختلف القطاعات الحكومية للوصول إلى مستويات أعلى وأفضل للخدمات الحكومية وتبني المقترحات البناءة ذات الفائدة المرجوة.

وجاء تدشين المبادرة على هامش الجلسة الرسمية أمس للشيخ منصور بن زايد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة في دولة الإمارات، والذي تحدث عن الخدمات الحكومية ومبادرات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، وقضايا التنمية المحلية والإنجازات التي تحققت، وخطط المجلس الوزاري للخدمات الذي يرأسه للمستقبل من أجل تطوير عمل وفاعلية الوزارات على الأرض والمتابعة الميدانية للوزراء ليكونوا قريبين من الناس، ويتحاوروا معهم ويطمئنوا على المشاريع والخدمات التي تقدم لهم في مناطقهم وعلى مساحة أرض الإمارات.

وتطرق الشيخ منصور في معرض رده على الأسئلة إلى جهاز الإمارات للاستثمار الذي تأسس عام 2008، والذي يختص باستقطاب الأموال الفائضة على الميزانية الاتحادية وتوظيفها في استثمارات محلية ترفد الميزانية العامة للحكومة. كما أشار إلى مبادرات رئيس دولة الإمارات بشأن تطوير وبناء البنية التحتية في الإمارات، ودعم الشباب من خلال مبادرة «أبشر» في التوظيف في القطاع الخاص، وتسديد القروض المتعثرة للمواطنين، والتي بلغ مجموعها نحو أربعة مليارات درهم (مليار دولار) تعود إلى 3500 مواطن في عامي 2012 و2013، مشيدا ببعض البنوك الوطنية التي تعاونت مع مبادرة رئيس الدولة.

وأكد أن وزارة المالية، بالتعاون مع مصرف الإمارات المركزي، تعكف حاليا على إعداد دراسة قانونية ووضع آلية فاعلة لمراقبة أنشطة البنوك، وذلك من خلال تحديث وتغيير بعض التشريعات والقوانين المتعلقة بهذه البنوك العاملة في الدولة.

وتناول بالأرقام دور صندوق أبوظبي للتنمية في مساعدة عدد من الدول لإقامة مشاريع تنموية تسهم في تحسين المعيشة وإيجاد فرص عمل لمواطني تلك الدول، إذ أكد أن الصندوق قدم نحو ستة مليارات درهم (1.6 مليار دولار) لمشاريع تنموية عربية وصديقة وقروض ميسرة جدا وطويلة الأجل، مشيرا إلى خطة رفع رأسمال الصندوق إلى 16 مليار درهم (4.3 مليار دولار) وفتح الباب لتمويل مشاريع محلية في الدولة.

ونوه نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة بدور مصرف الإمارات التنموي الذي تأسس برأسمال قدره عشرة مليارات درهم (2.7 مليار دولار) لتمويل مشاريع تنموية في الدولة والإسهام في إيجاد فرص عمل للشباب وتنويع مصادر الدخل الوطني. وشرح الحاجة إلى إيجاد خطة ودراسة وافية لتأمين إمدادات الكهرباء والمياه على الإمارات بطريقة منظمة، وهذا يتطلب وضع دراسة لمدة عشر سنوات تتولاها الهيئة الاتحادية للكهرباء والمياه لتنظيم تزويد الإمارات المعنية بنسب تلبي الحاجة بعيدا عن الهدر وضياع هذه الثروة الوطنية الغالية. وأضاف «صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قال: أنا وشعبي نحب المركز الأول».

وحول الربيع العربي قال الشيخ منصور بن زايد آل نهيان «استعجلوا وسموه الربيع العربي.. أنا ضد هذه التسمية، على كل حال إنها ثورات شعبية وتمنينا لو أنها سارت في مسارها الصحيح وحققت أهدافها المنشودة في التغيير، لكن للأسف بعض الدول التي شهدت هذه الثورات تشهد تدميرا وخرابا، ونحن في الإمارات نتمنى للدول والشعوب الشقيقة السعادة والاستقرار وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ظل ظروف آمنة وسليمة».

وفي جلسة تفاعلية بالتعاون مع «جوجل»، تسلط الضوء على أفضل الأدوات التي تستخدمها وكيفية الاستفادة منها في عملية التنمية الشاملة أشار بيتر بارون، مدير العلاقات الخارجية في شركة «غوغل» لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، إلى أهمية التفكير في سبل جديدة لتقديم الخدمات وطرق فعالة وكفاءة عالية أو حتى اختراع خدمات جديدة، وبحث إمكانية تعزيز التعاون مع مختلف الجهات الحكومية والأفراد وأصحاب المبادرات بهدف تعزيز فعالية تقنيات المعلومات ووسائل التواصل والتفاعل.

وأكد بارون سعي «غوغل» بشكل متواصل لنشر ثقافة الإبداع والابتكار في جميع أنحاء العالم، واستعرض التطور الكبير الذي شهده محرك البحث من «جوجل»، والذي يعد الأشهر والأكثر استعمالا في العالم، خلال الأعوام الـ15 الماضية. وقال «إنني أعمل في (غوغل) منذ 5 سنوات، وقد أتيحت لي فرصة التعرف على ابتكارات لا مثيل لها في كل العالم. وتتمثل الفلسفة الجوهرية في نشر ثقافة (جوجل) على جميع الأصعدة لتعزيز انتشار وتنظيم المعلومات، وتوفير الوسائل المناسبة للحصول عليها. وبما أن عالم التقنية يشهد تطورا كبيرا بوتيرة متسارعة، فإننا نعمل على تطوير كل منتجاتنا بحيث تكون قادرة على تلبية جميع المتطلبات، عبر معرفة الرغبات الشخصية والاهتمامات الخاصة».

ويمكن أن تسهم التقنيات التي تقدمها «غوغل» في تعزيز مستويات الخدمات الحكومية، ففي قطاع السياحة على سبيل المثال يمكن توفير جميع المعلومات المطلوبة عن الوجهات السياحية والأسعار، مما يمثل فائدة كبيرة للراغبين في معرفة هذه المعلومات. وأشار بارون أيضا إلى الخطوة التاريخية لشركة «غوغل» في عالم البريد الإلكتروني، والتي تتمثل في زيادة حجم التخزين مما شكل عاملا رئيسا في جذب مئات ملايين المستخدمين من حول العالم، بالإضافة إلى ذكر بعض الانتقادات لقرار «غوغل» بالاستثمار في «يوتيوب» و«أندرويد»، إلا أنه سرعان ما تبين تميز الفكر المبدع الذي توقع مستقبلا مميزا لقطاعي محتوى الفيديو والتطبيقات الإلكترونية. وتابع «نحرص على تبادل الخبرات والمعارف مع مختلف الجهات حول العالم، ويمكننا أن نذكر تجربة نظارات (غوغل) على سبيل المثال، والتي رغم أننا لم نطلقها في الأسواق التجارية، فإننا حرصنا على إعطاء نماذج منها للمطورين والتقنيين، بهدف الاستفادة من خبراتهم ومعرفة آرائهم وتقييمهم لمستوى المنتج، كما يمكن لحكومات الدول الاستفادة من تجربة (سيارة غوغل) في حل بعض المشكلات التي تعاني منها كالازدحام المروري وتنظيم الطرق ووسائل النقل».

ورغم أنه تحفظ عن ذكر تفاصيل المشاريع المستقبلية، فإنه أشار إلى تركيز شركته على تطوير خدمة في مختلف أنحاء العالم ليستفيد منها جميع الناس، وهي مشروع مهم يدخل ضمن خطة «غوغل» لتعزيز الابتكار. كما تسعى الشركة لأن تكون جميع التقنيات متواصلة في المستقبل، فهناك حاليا نحو 8 مليارات جهاز متصل بالإنترنت في العالم، ومن المتوقع أن تصبح 80 مليار جهاز في السنوات المقبلة.

وأشار إلى الأهمية القصوى لاستفادة الحكومات في قطاع الأعمال الرقمية، وقال «من الواضح أن حكومة الإمارات تولي اهتماما كبيرا للخدمات الرقمية التي تشهد تطورا متسارعا، وتشارك بدور كبير في تعزيز حجم ومستوى الأعمال، وعلى جميع الحكومات والجهات المسؤولة أن تستفيد من التجارب التقنية والابتكارات، وأن تتعلم من كل حالات النجاح والفشل لتطوير الإيجابيات وتلافي السلبيات ضمن الخطط المستقبلية».

من جهته، أكد فرنسيس مود، وزير شؤون مجلس الوزراء في المملكة المتحدة على أهمية تقديم خدمات حكومية فعالة ومستدامة تناسب تطور تطلعات المجتمعات القرن الحالي، وذلك في ظل التحديات التي تواجهها الحكومات حاليا. وشدد على ضرورة تشجيع الابتكار وتبني المواهب، معتبرا ذلك المورد الحقيقي والدائم لتطور المجتمعات، مشيرا إلى أن الميزانيات، ومحدودية الموارد البشرية، بالإضافة إلى النمو الاقتصادي المنخفض، من أبرز التحديات التي قد تواجه أي حكومة، وهو ما يجعل الحكومات أمام خيارين، إما خفض الإنفاق وهو ما سيؤدي بدوره إلى التأثير على جودة الخدمات الحكومية المقدمة، أو الاتجاه نحو خيار آخر يتمثل في إدخال مفهوم الابتكار والتكنولوجيا في خدماتها وبالتالي خفض التكاليف الحكومية.

وتطرق الوزير خلال الجلسة التي شارك بها في اليوم الثاني من القمة الحكومية إلى تجربة المملكة المتحدة، وقال «نجحنا في المملكة المتحدة من خلال اعتماد مقاربة تقوم على خمسة مبادئ أساسية في مجال إدارة الخدمات الحكومية في أن نتخطى التحديات التي واجهتنا منذ تشكيل الحكومة في 2010».

وأكد على أهمية تعزيز ثقة المواطنين في الحكومات باتباع سياسة الانفتاح والشفافية وسياسة البيانات المفتوحة، التي تعتبر في مقدمة المبادئ التي يجب اعتمادها لدعم النمو وتعزيز ثقة المواطنين بالحكومات، تليها الرقابة على العقود والمعاملات المالية المتعلقة بالحكومة، حيث نجحت الحكومة البريطانية من خلالها في ادخار 10 مليارات جنيه إسترليني منذ اعتماد هذا المبدأ. كما أكد على أهمية المرونة في إيجاد طرق مبتكرة في مجال تقديم الخدمات، وهذا يتجلى من خلال التعاون بين القطاع الخاص والعام.

وشدد فرنسيس على أهمية العنصر الرقمي وتحويل أي خدمة حكومية يمكن أن تتوفر على الإنترنت أو الهواتف الذكية إلى خدمات ذكية يتاح للجميع الوصول إليها في أي زمان وأي مكان، كما أشار إلى أهمية دور التكنولوجيا الذكية في خفض النفقات بنسبة لا تقل عن 20 في المائة، وفوق ذلك كله فتح المجال للابتكار وتشجيع المواهب وتبنيها ودعمها لتقديم الأفكار الإبداعية. وخلص فرانسيس «إلى أن نجاح أفضل المنظمات في العالم لا يقاس بعدد الموظفين أو عدد المعاملات والخدمات التي تقدمها بل بنجاحها في تلبية طلبات عملائها بأقل التكاليف مع الإبقاء على التجديد والابتكار في جميع خدماتها».

من جهته، قال ريتشارد فلوريدا، البروفسور في جامعة تورونتو وجامعة نيويورك وكبير محرري مجلة «أتلانتك»، إلى أنه على الرغم من تعدد الركائز التي تحدد النمو العالمي ونمو الدول كالشركات الصناعية الكبرى والمرافق التجارية ومشاريع البنى التحتية، تبقى المدن بمثابة الوحدة الاجتماعية الأكثر أهمية في تحديد شكل وتوجهات التنمية المستدامة. وأضاف أن المحرك الأساسي هو بناء المدن التي تستحوذ على نحو 50 في المائة من سكان العالم. وأضاف «العصر الحالي الذي نعيشه بات يحتم علينا الانتقال من مرحلة الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد المبني على المعرفة الذي يشمل المجالات الاقتصادية التي تُشكل فيها المعرفة العنصر الأساسي للقيمة المُضافة؛ ويشمل ذلك التقنيات المتقدمة، وتقنيات المعلومات والاتصالات، والخدمات التي تشكل المعرفة جوهر إمكاناتها، والصناعات التي تعتمد على الإبداع والابتكار، حيث يضطلع كل فرد في المجتمع أو المدينة بدور أساسي فيه ضمن منظومة متطورة متكاملة».

وأشار فلوريدا إلى أن دبي باتت إحدى الوجهات في رسم ملامح مدن المستقبل الذكية، وهي تعتمد في ذلك على تطوير «البنية الرقمية» التي تسهم في تعزيز فاعلية العمل وكفاءته في شتى المجالات المعرفية، منوها بأن دبي تمثل نموذجا رائدا في التحول إلى مدينة ذكية نموذجية وفق خطة زمنية واضحة المعالم تصلح لتكون مثالا يحتذى.