لجنة دولية تحمّل القوى الكبرى مسؤولية استمرار جرائم الحرب في سوريا

اتهمت طرفي النزاع بانتهاكات ودعت إلى إحالتها للمحكمة الجنائية

باولو سيرجيو بينييرو رئيس لجنة التحقيق بشأن سوريا التابعة للأمم المتحدة خلال مؤتمر صحافي في جنيف أمس (رويترز)
TT

قال محققون تابعون للأمم المتحدة، أمس، إن أطراف الحرب الأهلية في سوريا «جميعها» تستخدم أساليب القصف والحصار لمعاقبة المدنيين وإن القوى الكبرى تتحمل مسؤولية السماح باستمرار جرائم الحرب هذه.

وفي أحدث تقرير لتوثيق ما يحدث في سوريا دعا المحققون مجلس الأمن الدولي مجددا إلى إحالة الانتهاكات الجسيمة لقواعد الحرب إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وقال التقرير الذي أعدته لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا: «يتحمل مجلس الأمن مسؤولية السماح للأطراف المتحاربة بانتهاك هذه القواعد مع الإفلات من العقاب». وأضاف: «وفر هذا التقاعس مساحة لانتشار جهات فاعلة في الجمهورية العربية السورية ويسعى كل طرف إلى تنفيذ أجندة خاصة والإسهام في التطرف وتصعيد العنف»، حسبما أوردته وكالة «رويترز».

ودعمت القوى العالمية المنقسمة طرفي الصراع السوري المستمر منذ ثلاث سنوات وأدى الجمود الدبلوماسي إلى زيادة إراقة الدماء.

وقال المحققون المستقلون بقيادة الخبير البرازيلي باولو بينيرو إن المقاتلين وقادتهم قد يتحملون مسؤولية ارتكاب جرائم لكن دولا تنقل الأسلحة إلى سوريا تتحمل المسؤولية أيضا.

وأفاد التقرير بأن قوات الرئيس السوري بشار الأسد حاصرت مدنا منها مدينة حمص القديمة وقصفتها بلا هوادة وحرمتها من الغذاء في إطار حملة «الجوع حتى الركوع». وأضاف أن سلاح الجو السوري أسقط براميل متفجرة على حلب «بكثافة صادمة» مما أسفر عن مقتل مئات المدنيين وإصابة الكثير.

وكشف التقرير عن أن قوات المعارضة التي تقاتل للإطاحة بالأسد، لا سيما المقاتلين الإسلاميين الأجانب بما في ذلك جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام التي تستلهم نهج تنظيم القاعدة كثفت الهجمات على المدنيين، فضلا عن احتجاز الرهائن وإعدام السجناء وتفجير السيارات الملغومة لبث الرعب.

والتقرير الذي جاء في 75 صفحة ويغطي الفترة من 15 يوليو (تموز) إلى 20 يناير (كانون الثاني) هو السابع الذي تصدره الأمم المتحدة منذ تشكيل لجنة التحقيق في سبتمبر (أيلول) 2011 بعد ستة أشهر من بدء الانتفاضة على الأسد.

ولم يسمح للمحققين بالذهاب إلى سوريا، لكن أحدث النتائج استندت إلى 563 مقابلة جرت عبر «سكايب» أو الهاتف مع ضحايا وشهود لا يزالون في البلاد أو مقابلات شخصية مع لاجئين في الدول المحيطة.

وقال فريق التحقيق، الذي يضم 24 محققا من بينهم كارلا ديل بونتي، محققة الأمم المتحدة السابقة في جرائم الحرب، إن جميع الأطراف انتهكت قواعد الحرب المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف. ووضع الفريق أربع قوائم سرية للمشتبه بهم.

وقال التقرير إنه على الرغم من تحقيق قوات الحكومة السورية مدعومة بقوات أجنبية من حزب الله اللبناني وميليشيات عراقية لبعض المكاسب وصل القتال إلى حالة من اللاحسم مما تسبب في خسائر بشرية ومادية كبيرة. وأضاف: «اعتمدت الحكومة على قوة النيران المتفوقة لسلاح الجو والمدفعية على نطاق واسع، بينما لجأت الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة إلى أساليب الحرب غير المتكافئة بشكل متزايد مثل التفجيرات الانتحارية واستخدام العبوات الناسفة». وتابع أنه في إطار استراتيجية تهدف إلى إضعاف قوات المعارضة وكسر إرادة قاعدتهم الشعبية حاصرت القوات الحكومية المناطق المدنية وقصفتها.

وقال التقرير: «تحول الحصار الجزئي الذي يهدف إلى طرد الجماعات المسلحة إلى حصار شديد يمنع إيصال الإمدادات الأساسية بما في ذلك الغذاء والدواء وذلك كجزء من حملة (الجوع حتى الركوع)».

وذكر أن قوات المعارضة في مختلف أنحاء سوريا «تسببت في آلام بدنية أو نفسية شديدة أو معاناة للمدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم»، بمن فيهم السجناء.

وفي إشارة إلى منطقة الرقة في شمال سوريا الخاضعة لسيطرة جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام قال التقرير: «الأفعال التي ارتكبتها الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة.. في المناطق الخاضعة لسيطرتهم ضد السكان المدنيين تمثل تعذيبا ومعاملة غير إنسانية وجريمة حرب وفي (الرقة) جريمة ضد الإنسانية».

وأضاف التقرير أن قوات المعارضة طوقت بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين لتحاصر 45 ألف شخص في محافظة حلب. وتابع: «يفرض الحصار جماعات تابعة للجبهة الإسلامية وجيش المجاهدين وجبهة النصرة والجبهة الثورية السورية من خلال وضع نقاط تفتيش حول المنطقة وقطع خطوط الكهرباء وإمدادات المياه».

وأوضح أن الحرب التي تدخل عامها الرابع الأسبوع المقبل أصبحت «مجزأة ومحلية للغاية» بخطوط جبهات متعددة تشمل أطرافا مختلفة لها أولويات متغيرة.

وتقاتل قوات كردية في محافظات شمال شرقي البلاد جماعات مسلحة إسلامية متطرفة في «صراع فرعي مختلف».