تعهد سياسي وعسكري لقيادات طرابلس بإنهاء الاقتتال وفق «سيناريو» عرسال

سليمان حذر من الاستهداف الممنهج للجيش.. وهدوء حذر على محاور المدينة بعد اتفاق على هدنة

ناشطون لبنانيون يحملون لافتات خلال مظاهرة تطالب بإنهاء التوتر في طرابلس أمس (رويترز)
TT

ساد الهدوء الحذر أمس على مختلف محاور القتال بين باب التبانة (ذات الغالبية السنية) وجبل محسن (ذات الغالبية الشيعية) في طرابلس، إثر التوصل ليلا إلى اتفاق بين الأطراف السياسية على التهدئة، بعد عشرة أيام على «الجولة الـ20» من المعارك التي أدت إلى سقوط 26 قتيلا ونحو 180 جريحا. وفيما تواصلت الجهود السياسية والأمنية لاحتواء أي تدهور، شيعت المدينة أمس عددا من القتلى الذين سقطوا في اليومين الأخيرين، على وقع أزيز الرصاص المتقطع بين الحين والآخر.

وقد أعلن أمس وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق عن «وجود خطة أمنية وإنمائية يجري وضعها لطرابلس»، مؤكدا أن مذكرات توقيف ستصدر قريبا بحق كل من خالف القانون، و«أولهم المسؤول السياسي في الحزب العربي الديمقراطي علي عيد».

وفي هذا الإطار، أبدى النائب عن منطقة طرابلس محمد كبارة تفاؤله بألا تتجدد المعارك في المدينة، وأن يكون العلاج هذه المرة نهائيا وطويل الأمد، مؤكدا في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «الأجواء إيجابية، وهناك جهود سياسية وأمنية جدية لإنهاء الأزمة في طرابلس، معولا على دور الحكومة التي يشارك فيها فريق 14 آذار».

وأشار كبارة إلى وعود تلقاها من رئيس الحكومة تمام سلام ورئيس الحكومة السابق، رئيس تيار المستقبل، سعد الحريري، للعمل على إنقاذ طرابلس وفق «السيناريو» الذي نفذ في عرسال، من المؤامرة التي تعد لها، وذلك بدخول الجيش إلى كل مناطق الاشتباكات، آملا أن تستعيد المدينة حياتها الطبيعية بعدما شوهت صورتها وساء وضع أهلها الاجتماعي والاقتصادي.

ورد على كلام قياديي المحاور بأن الاتفاق السياسي لا يعنيهم، بالقول إن «هناك بعض المستفيدين الذين لم يعجبهم هذا الاتفاق، إنما نستطيع أن نؤكد أن هناك تجاوبا من الأهالي، والحل السياسي سيكون في موازاة الحل الإنمائي لإخراج طرابلس من المأزق الذي وضعت فيه».

وكان كبارة أعلن مساء أول من أمس، بعد اجتماعه باللقاء الوطني الإسلامي، أنه طلب من أهل طرابلس في كل المناطق وقف إطلاق النار ابتداء من العاشرة مساء، مشيرا إلى أن هذا الاتفاق حصل بعد اتصالات مع قيادة الجيش في الشمال، التي تعهدت بأن ترد على مصادر النيران بعد بدء الهدنة.

ورغم أن قادة محاور باب التبانة دعوا مناصريهم إلى وقف إطلاق النار، إلا أنهم أكدوا في الوقت عينه أنهم غير ملتزمين بالقرارات التي تصدر عن السياسيين. وقال زياد علوكي، الذي يرأس إحدى المجموعات المقاتلة في باب التبانة: «الهدنة هشة، ولا أحد يمنعنا من الدفاع عن أنفسنا». في المقابل، أكد أمين عام الحزب العربي الديمقراطي في جبل محسن، رفعت علي عيد الالتزام بالتهدئة وبدور الجيش، وعد أن «تيار المستقبل» أثبت في اجتماعه الأخير أنه قادر على الإمساك باللعبة الأمنية، فيما أكدت مصادر أمنية في تصريحات إعلامية أن الجيش لم يتخذ بعد قرارا بدخول المحاور التقليدية في طرابلس إلا بعد الحصول على ضمانات بعدم التعرض له.

وفي صرخة منهم لرفض ما تتعرض له عاصمة الشمال من اقتتال بين أبنائها، منذ عام 2008، نظم المجتمع المدني ونقابات المهن الحرة في طرابلس أمس، اعتصاما أمام سرايا المدينة، مطالبين الجيش اللبناني والمسؤولين في الدولة بوضع حد للمسلحين المنتشرين في أماكن الاشتباكات.

من جهته، وبعد الاعتداءات التي تعرض لها الجيش خلال القيام بمهمته في طرابلس وغيرها من المناطق اللبنانية، والتي أدت إلى سقوط ضحايا في صفوفه، حذر الرئيس اللبناني ميشال سليمان من «مغبة الاستمرار في استهداف الجيش والاعتداء على ضباطه وأفراده المنتشرين في مناطق التوتر، والذين يقومون بواجبهم في حماية الوطن والمجتمع»، مؤكدا أن «وضع التعليمات المعطاة بضرب من تسول له نفسه استهداف أي عنصر من عناصره بقوة، لأن الاعتداء على الجيش من قبل أي من كان هو اعتداء على رمز من رموز الكرامة الوطنية والسيادة والحرية والديمقراطية».

وفي تعليق منه على الأحداث في طرابلس، عد النائب في كتلة المستقبل أحمد فتفت، أن «حزب الله جعل من الحزب العربي الديمقراطي سرايا مقاومة تابعة له»، متسائلا: «ما علاقة المقاومة في مدينة طرابلس؟». ورأى فتفت «أن البعض يتاجر بدماء أهل طرابلس من أجل تسجيل نقاط في السياسة، خصوصا أن طرابلس أصبحت صندوق بريد ورهينة للاستحقاق الدستوري المقبل»، مذكرا بأن «ثلاث سنوات مضت ونحن نطالب بجعل طرابلس مدينة منزوعة السلاح من دون أي تجاوب فعلي. والآن نصر على هذه الحكومة، وأصررنا بكلامنا في الجلسة الأخيرة للمجلس النيابي على أنه يجب جعل مدينة طرابلس مدينة منزوعة السلاح بانتظار أن يصبح لبنان بأكمله منزوع السلاح غير الشرعي».

وعد أن «المشكلة لم تعد فقط بين جبل محسن وباب التبانة، وبالتالي فإن كل المدينة تعاني من السلاح غير الشرعي الموجود بداخلها، والذي يجري غض النظر عنه»، وقال: «نطلب من الجيش اللبناني ممارسة سلطته على الأرض، وليس هناك من سلطة سياسية واحدة ضد الجيش، وعليه أن يمارس سلطته الكاملة بالتوازي على كل الأطراف وينزع سلاح المدينة بكاملها، وعندها سنقف معه ونؤيده حتى النهاية مثل ما وقفنا معه في أحداث نهر البارد».