مئات الطلاب السعوديين عادوا إلى بلادهم بسبب المضايقات في الولايات المتحدة

TT

لم يكن سحيم الشعلان، الذي وقف وحده في طابور تأشيرة الدخول، واثقا، على الاطلاق، من انه يريد حقا ان يكون هناك. ففي اواخر اكتوبر (تشرين الاول) الماضي غادر الشعلان، البالغ من العمر 24 عاما، الولايات المتحدة، تاركاً دراسته في جامعة اتلانتك في فلوريدا بعد ماوصفه بأعمال «سخرية مهينة» من جانب رجال مكتب المباحث الفيدرالي الاميركي، والجيران، واقرانه الطلاب، جعلته يشعر بأنه ليس موضع ترحيب في بلد كان يشعر ذات يوم بأنه مثل وطنه.

وهو يناقش الآن امر عودته. وقلقه الجديد مرآة للمشاعر الاميركية تجاه العرب، وهي مشاعر تنطوي على نفور متبادل.

وكان الامر قبل الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) يتطلب يوما او يومين، في المعدل، لكي يحصل المواطن السعودي على تأشيرة دخول الى الولايات المتحدة. وكان معدل منح تأشيرة الدخول للسعوديين الاعلى في العالم. اما الآن فقد جرى تحذير الشعلان من انه حتى تجديد الفيزا يتطلب ما لا يقل عن ثلاثة اسابيع، اذ يجري تدقيق اسمه، شأن جميع السعوديين، في اطار المعلومات والاجراءات الجديدة التي بدئ في تنفيذها منذ هجمات 11 سبتمبر الماضي.

وقال الشعلان انه من ناحية معينة يمكن ان يقبل هذا التدقيق باعتباره رد فعل مفهوما على وجود 15 من السعوديين بين خاطفي الطائرات في الحادي عشر من سبتمبر، حصل معظمهم على تأشيرات الدخول من الرياض او من القنصلية. ولكنه اضاف بأنه لا يستطيع احتمال التفكير بأنه والسعوديين الآخرين اصبحوا موضع لوم بسبب جرائم اقترفها آخرون.

وقال الشعلان «نحن نميل الى الاميركيين، نحن نحب الاميركيين» وهو يهز رأسه مغادرا السفارة الاميركية في الرياض، وكان ما يزال مترددا حيال طلب تجديد تأشيرة دخوله.

واضاف انه «بعد ما حدث لا نريد ان نكون هناك، بسبب الطريقة التي نعامل بها على يد الحكومة والناس».

وفي القسم القنصلي في السفارة الاميركية تخلو عشرات الكراسي في قاعات الانتظار من الناس، وهو امر غريب يصفه مسؤولون اميركيون بأنه «هبوط شديد في طلبات الفيزا» من جانب السعوديين منذ هجمات 11 سبتمبر الماضي. وربما كانت المقاعد الفارغة حصيلة اعلان وزارة الخارجية الاميركية في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بأن السعودية ستكون من بين عدد من الدول معظمها اسلامية، سيخضع مواطنوها الى عمليات تدقيق في خلفياتهم عندما يقدمون طلبات للحصول على تأشيرات دخول.

وقد عاد ما لا يقل عن 300 من الطلاب السعوديين في الولايات المتحدة، بينهم الشعلان، الى بلادهم منذ هجمات 11 سبتمبر، وهم يلقون باللوم للمضايقات على السلطات والاميركيين العاديين. ولطمأنة اولئك الذين لا يشعرون باستعداد للعودة الى الولايات المتحدة وعدت الحكومة السعودية الطلاب الباقين في المملكة بمنحهم الاولوية في مواصلة دراساتهم في الجامعات السعودية.وينظر الشعلان، وهو ابن دبلوماسي سعودي، ومتخصص في العلوم السياسية في جامعة اتلانتك (فلوريدا) في بوكا راتون، الى دراسته في اميركا كنوع من الخبرة التي يمكن ان تساعده كثيرا في المهنة التي يعتزم ممارستها في السلك الدبلوماسي السعودي. وفضلا عن ذلك فانه اذا ما عاد الى فلوريدا فانه سيحصل على شهادته العلمية في يونيو (حزيران) المقبل. اما اذا تحول الى جامعة سعودية، فان صعوبات تحويل سجله الدراسي ستعني ان تخرجه يمكن ان يتأخر ما لا يقل عن سنة ثانية.

غير انه عندما يفكر بالولايات المتحدة فان ما يتذكره هو اسئلة موظفي مكتب المباحث الفيدرالي، والكلمات الفظة التي يسمعها في محلات التسوق، والاهانات التي يوجهها له اقرانه الطلاب، وذلك الانطباع القوي بأن الجيران والمدرسين بل حتى العاملين في الخطوط الجوية كانوا سعداء لمغادرته الولايات المتحدة يوم الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي.

«ذات يوم جاء موظفو مكتب المباحث الفيدرالي الى شقتي وكنت ارتدي مثل هذه الملابس»، قال وهو يشير الى دشداشته البيضاء الطويلة، وهي اللباس المعتاد للرجال السعوديين، مضيفا «لقد سألوني: اذا كنت في اميركا فلماذا ترتدي هذا الثوب؟».

والقصص الشبيهة بقصة الشعلان ليست غير مألوفة. فقد روتها واعادت روايتها وسائل الاعلام السعودية منذ الحادي عشر من سبتمبر، سوية مع قصص اكثر ترويعا واثارة للاشمئزاز حول طلاب سعوديين تعرضوا لهجمات في اماكن مثل سانتا باربرا بكاليفورنيا وغراند فورس بنورث داكوتا.

وقد اصبحت هذه القصص شائعة بين اوساط النخبة السعودية من الرجال الذين درسوا في الغرب، وارسلوا او كانوا يأملون في ارسال ابنائهم للدراسة في الولايات المتحدة، لكنهم الآن يعانون من الخوف والهواجس.

«كيف يمكنني ان ادعها تعود»، تساءل احد رجال الاعمال البارزين في جدة وهو يتحدث عن ابنته التي كانت تدرس في جامعة ببوسطن. واكد على انه لا اسمه ولا اسمها يمكن ان يخلق لها مشاكل وتعقيدات في حياتها اذا ما كان عليها ان تعود الى اميركا، ولكنه قال انه ما يزال حتى الآن غير مستعد لاعطاء موافقته على عودتها.

واشار رجل الاعمال الى «انني درست في الولايات المتحدة، وهكذا فعل كل اصدقائي تقريبا، ولكن ذلك كان قبل بدء التعامل مع السعوديين كأعداء». ووفقا لارقام وزارة الخارجية الاميركية فانه خلال الاشهر الاثني عشر المنتهية في الثلاثين من سبتمبر الماضي زاد عدد السعوديين الذين قدموا طلبات تأشيرة دخول ومنحوا هذه التأشيرة في بلادهم او في بلدان اخرى، على 60 الف شخص. وهذا الرقم هو الاكبر بالنسبة لأي بلد عربي.

ورفض مسؤولون اميركيون في السعودية الحديث عن عدد طلبات تأشيرة الدخول المقدمة والمصادق عليها خلال شهري اكتوبر ونوفمبر الماضيين، ولكنهم قالوا بأنه لا شك في ان المستويات لكلا الشهرين كانت اقل بكثير مما كان عليه الحال في السنوات الاخيرة.

وفي تقدير ما اذا كان هذا الاتجاه قد يتغير في وقت قريب، يقول الدبلوماسيون الاميركيون ان الاختبار المهم سيجري الشهر المقبل عندما سيتعين على طلاب من امثال الشعلان ان يقرروا ما اذا كانوا سيعودون ام انهم سيتركون فصلا دراسيا آخر يمر بغيابهم. وقال المتحدث باسم السفارة كينيث اودروس انه «كان هناك هبوط كبير في الطلبات على تأشيرة الدخول، لكننا نأمل ان ترتفع الطلبات في السنة الجديدة»، مضيفا «اننا نشجع السعوديين على السفر الى الولايات المتحدة».

غير ان الدلائل مخيبة للآمال حتى الآن، فقد قال ادريس احمد، المسؤول في مؤسسة «فيزا اكسبريس» للسفر في مكتبها بالرياض «لدينا عدد قليل من رجال الاعمال ومن الطلاب. اما السياح فلا يوجد احد منهم».

وكانت مؤسسة السفر هذه من بين الوكالات التي اختارتها السفارة في مايو (ايار) الماضي للمساعدة على تسريع انجاز الفيض الهائل من طلبات تأشيرة الدخول في حينه. وبسماحها لمقدمي الطلبات بتقديم اوراقهم الى وكالات السفر في المدن السعودية الرئيسية بدلا من زيارة البعثات الدبلوماسية الاميركية، تعهدت السفارة بأن مقدمي الطلبات «لن يكونوا بحاجة الى تبديد وقت عملهم، او الانتظار في طوابير طويلة تحت الشمس اللاهبة، او في قاعات الانتظار المكتظة، ولن يواجهوا اية تقييدات من ناحية الوقت». وما تزال هذه الخدمة قائمة، غير انه ما من تسريع في الاجراءات. ووفقا للتوجيهات الجديدة، فإن الطلبات التي يقدمها الذكور السعوديون ممن تتراوح اعمارهم بين 18 و45 عاما يجري الآن قبولها بشكل ثابت تقريبا بطلب قبل التصديق يطلب من المتقدمين مراجعة السفارة بعد ثلاثة اسابيع. وقال مسؤولون في وزارة الخارجية الاميركية انهم يأملون في ان تكون مثل هذه التأخيرات مؤقتة. ويشيرون الى ان التباطؤ الحالي هو نتيجة للحاجة الى دمج المعلومات في انظمة الكومبيوتر في السفارة. ولكن في ما تحول الى ساعات عدة من الرفقة مع كاتب هذا التقرير، قال الشعلان انه يشعر بالقلق من ان تغييرات اخرى يمكن ان تسير ببطء اكثر مما ينبغي.

واضاف انه «في المرة الاخيرة التي جاء فيها موظفو مكتب المباحث الفيدرالي الى شقتي في فلوريدا طلبت منهم، برجاء، ان يخبروا الجيران بأن وضعي على ما يرام، وان لا علاقة لي بما جرى يوم الحادي عشر من سبتمبر الماضي. واضاف «اتعلم ماذا كانت اجابتهم؟ قالوا لي: عالج الأمر بنفسك».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»