إردوغان يكرس زعامته التركية.. ويتوعد خصومه بالعقاب

المعارضة كادت تعكر انتصاره في أنقرة.. وسعيدة بتقدمها «اللافت» في الأرياف

رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان يحيي أنصاره في أنقرة بعد إعلان فوز حزبه (العدالة والتنمية) في الانتخابات البلدية مساء أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

كرس رئيس الحكومة التركية رجب طيب إردوغان زعامته للبلاد بفوزه العريض في الانتخابات السابعة على التوالي منذ عام 2002، حاصدا قرابة 46 في المائة من أصوات الناخبين الأتراك الذين شاركوا في الانتخابات المحلية، مع ملاحظة المعارضة التركية لمفارقة لافتة، وهي زيادة عدد أصواتها في الأرياف التي كانت تخسر بسببها الانتخابات العامة لكونها ميّالة إلى اليمين المحافظ تقليديا.

وأتت نتائج الانتخابات الأولية (الرسمية تصدر اليوم أو غدا) لتصب في مصلحة إردوغان بنسب متفاوتة، بعد أن نجح في تجييش قاعدته الشعبية وجرها إلى لعبة «حياة أو موت» ضد خصومه الذين وصفهم أول من أمس بأنهم «كلهم خونة» وتوعدهم بعد فوزه أمس بالعقاب.

وفي المحصلة غير الرسمية، فاز حزب العدالة والتنمية بـ17 بلدية مدن كبرى، كما فاز في المجموع بـ48 محافظة، بينما فاز حزب الشعب الجمهوري المعارض بسبع بلديات كبرى ومجموع 15 محافظة، والقوميون فازوا بثلاث بلديات كبرى وثماني محافظات، أما الأكراد ففازوا بثلاث بلديات كبرى و10 محافظات.

لكن الفوز العريض لإردوغان كادت تعكره مدينة أنقرة التي فاز بها مرشحه في نهاية المطاف بفارق ضئيل، بعد صولات وجولات أعلن خلالها الطرفان الفوز بها، قبل أن تحسم لحزب العدالة، بينما ذهب حزب المعارضة إلى الإعلان عن نيته تقديم طعن في هذه النتائج، شاكيا من تجاوزات ومن «انقطاع مشبوه» للكهرباء.

وبدا إردوغان أمس مزهوا بفوزه، عادا أن أصوات الأمة دفنت الأيدي التي حاولت مس استقلال البلاد بسوء من خلال صناديق الاقتراع، وأن تركيا بحاجة إلى معارضة حقيقية غير المعارضة القائمة، التي تسعى إلى الاستقطاب والتمييز والتقسيم بين البشر. وقال في كلمة له من شرفة مقر حزب العدالة والتنمية في العاصمة التركية: «إن كثيرا من الشعوب ترى أن نصر حزب العدالة والتنمية في الانتخابات نصر لها، كما هو حال إخوانكم في مصر وفلسطين وسوريا والبلقان»، محييا الشعب التركي «الذي صدق مع علمه ووطنه»، داعيا الله أن يحمي ذلك الشعب الذي هو «أمل الأمة وشعلتها المتقدة».

وقال إردوغان: «سبق أن قلت إنني سأترك العمل السياسي إذا لم ينجح حزبنا بالمرتبة الأولى، إلا أن زعماء المعارضة لم يفعلوا ذلك لأنهم يعيشون من خلال تلك المناصب، نحن سنبقى خدما لأبناء شعبنا لا أسيادا عليهم، وأقول للمعارضة تعالوا لفتح صفحة جديدة من أجل مصلحة تركيا وبقائها». وأضاف: «اليوم يوم انتصار لمرحلة السلام الداخلي والأخوة، وانتصار لأهداف تركيا لعام 2023، ويوم انتصار لأبناء الشعب التركي، الذي صوت لنا أو للمعارضة، كما أن نتائج الانتخابات أكدت أن السياسة اللا أخلاقية وسياسة التسجيلات المفبركة والتسريبات فشلت في تركيا وأثبتت أنها تخسر دائما، وكانت بمثابة ضربة قاصمة وصفعة عثمانية لن تنسى للحرس القديم والتحالفات غير الواضحة، وقد نشهد غدا فرار بعض الأشخاص من تركيا لأن البعض قام بارتكاب جريمة الخيانة ضد دولتنا، وخاصة أن أفعالهم فاقت أفعال فرقة الحشاشين التي عرفت بأفعالها المشينة في العصر العباسي». وأضاف متوجها إلى حليفه السابق الداعية فتح الله غولن: «أيها القابع في بنسلفانيا والإعلام المحابي له، ألم تقولوا إنكم تؤيدون الديمقراطية، وها هي الديمقراطية التي أوصلت حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، وها هو الشعب الذي أوصلنا إلى السلطة، فأين أنتم من السياسة التركية، غير السعي من أجل الفتن والفساد؟!».

وأشار إردوغان إلى أن حادثة التنصت على وزارة الخارجية هي حملة تجسس وخيانة، أشعرته بحزن عميق، في الوقت الذي لم يسمع فيه بأي تصريح من المعارضة، سوى التهديد بحدوث الفوضى، وتقويض الاقتصاد، مؤكدا أن تركيا دولة واحدة، لا تقبل دولة أخرى داخلها، وقد آن الأوان لاقتلاع «الكيان الموازي» من جذوره استنادا إلى القوانين.

ونوه إردوغان إلى أن أي اعتداء على الـ10 دونمات من الأرض التي «نمتلكها في ضريح سليمان شاه - الموجود على الأراضي السورية وفق اتفاق دولي عام 1921 - هو اعتداء على 81 ولاية تركية، لأن تلك الأرض تابعة للجمهورية التركية». وأضاف: «اليوم خسر الذين كانوا يأملون في انقلاب عسكري في تركيا والراغبون بإعادة تركيا إلى عهودها السابقة»، مشددا على أن «تركيا لا تخضع، وشعبها لا يستسلم».

وكانت المنافسة الانتخابية على رئاسة بلدية العاصمة التركية أنقرة عنوان المرحلة.. فمرشح حزب الشعب الجمهوري منصور ياواش اقترب كثيرا من خصمه، مستفيدا من توحيد قوى المعارضة في المدينة أصواتها ضد مرشح إردوغان رئيس البلدية الحالي مليح جوكشاك. وبعد أن أظهرت النتائج الأولية فوز جوكشاك بدأ السرور يدب في قلوب مناصريه، لكنه لم يدم طويلا، إذ بدأت أصواته تتضاءل شيئا فشيئا مقابل ارتفاع أصوات منافسه ياواش، حتى وصل الخصمان إلى مرحلة انعدمت فيها فوارق الأصوات. وقد أدى التقارب في أصوات الناخبين لكلا المرشحين إلى خروج مرشح المعارضة إلى وسائل الإعلام وإعلان فوزه، وأوضح أنه تقدم على منافسه من حزب العدالة والتنمية بفارق 27 ألفا و500 صوت، مؤكدا على أن مرحلة العدالة والتنمية في أنقرة قد انتهت بلا عودة. لكن كفة مرشح العدالة والتنمية عادت لترجح من جديد، لينتهي السباق بإعلان فوز جوكشاك.

منصور ياواش أعلن أنه سيعترض على نتائج الانتخابات التي أفرزتها صناديق الاقتراع في المدينة. وقال في تغريدة له على حسابه الخاص في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» إنهم سيراجعون محاضر صناديق الاقتراع، ويواجهونها بالبيانات الواردة من الهيئة العليا للانتخابات، ومن ثم سيتقدمون بعريضة للاعتراض على النتائج الحالية. ولفت ياواش إلى أنه من الفاضح أن ينتهي فرز الأصوات وإفراغ صناديق الاقتراع في مدينة كبيرة كإسطنبول خلال ساعات، في حين يمتد هذا الأمر حتى ساعات الصباح في مدينة أنقرة.

في السياق نفسه، نفى رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليتشدار أوغلو، الأنباء التي تحدثت عن استقالته، واصفا هذه الادعاءات بأنها مجرد تخريف. وأشار في أول تعليق له على نتائج الانتخابات إلى أنها لا تعني أبدا فشل حزبه فيها، موضحا أنهم سيجرون تقييما جديا لمعرفة صوابهم من خطئهم. وأضاف أن «الأزمة الحقيقية تكمن في عدم سماع بعضنا البعض، كما أن أتباع حزب العدالة والتنمية لا يصغون إلى آرائنا ويكفون عن سماعنا، مما يعني أن هناك أزمة حقيقية في الديمقراطية، إذ إن البعض يعاني من مشكلة تتمثل في رد فكر الآخر وعدم قبوله»، مشيرا إلى أنهم سيقيمون هذا الوضع لمخاطبة أتباع العدالة والتنمية، غير أن هذا الأمر سيأخذ فترة من الزمن.

وأضاف: «لقد حصلنا على نسبة كبيرة من الأصوات في المدن الكبرى، مثل إسطنبول وأنقرة وأزمير، لكن اللافت هو حصولنا على نسب عالية من الأصوات في المناطق الريفية»، منوها إلى أنهم كانوا يخسرون الانتخابات من قبل بسبب أصوات الريف، «لكن للمرة الأولى صوت أهل تلك المناطق لصالحنا بنسبة كبيرة؛ لذا فإننا سنجري تقييما حقيقيا للوضع الحالي ونضع خطة لدراسة جديدة للإعداد للمراحل المقبلة».