الأسد سيلقى معارضة من طائفته العلوية ذاتها إذا ربح الحرب

يعتقدون أنه يدين لهم بالفضل وينتظرون «المقابل»

TT

في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس بشار الأسد لإعادة انتخابه رئيسا للبلاد مرة أخرى وسط وعود بتحقيق النصر على المعارضة بحلول نهاية العام، يقول سوريون موالون للنظام ومحللون في المنطقة إن نجاح الأسد - في حال تحقق - سوف يجعله أمام تحد جديد؛ ألا وهو مطالب التغيير التي سيطرحها أنصاره المقربون، الذين يعتقدون أنه يدين لهم بالفضل الأول في الخروج من تلك المحنة سالما.

يقول بعض الموالين للأسد إن السوريين، الذين يرجع إليهم الفضل الأول في إبقاء الأسد واقفا على قدميه، باتوا على علم أخيرا من أنه اعتمد عليهم بشكل أساسي في حربه ضد المعارضة، وعليه، فإنهم سوف يدفعون باتجاه الحصول على نصيب أكبر في السلطة إذا ما أحسوا بالأمان من خطر انتقام المتمردين.

غير أنه وللمفارقة، كتب يزيد صايغ، وهو محلل يعمل في مركز كارنيغي لـ«الشرق الأوسط» في العاصمة اللبنانية بيروت، أن النصر قصير المدى، الذي سيحققه الأسد، «ربما يكون الشيء الوحيد القادر على تمهيد الطريق أمام ظهور معارضة حقيقية من بين صفوف الدوائر والاجتماعية والقاعدة المؤسسية لنظام الأسد نفسه».

ويرجع الفضل إلى حد كبير في بقاء الأسد في السلطة إلى قوة وتلاحم وتضحيات مجموعتين متداخلتين: أعضاء أقلية الطائفة العلوية، الذين يتولون المناصب القيادية ويخدمون في صفوف قوات الأمن بشكل لا يتناسب مع النسبة التي يشكلونها من عدد سكان سوريا، والقادة العسكريين الكبار، الذين ينتمون لمجموعة متنوعة من الطوائف الأخرى. ومع المعاناة الشديدة بسبب خسائر الحرب والشعور بالإحباط في بعض الحالات بسبب سياسات الرئيس الأسد، بدأ بعضهم يصرحون بأنهم يستحقون مشاركة أوسع في السلطة ومزيدا من الثروة والفرص التي يحتكرها الأسد والمقربون منه.

وفي قلب العاصمة السورية، نمى مؤخرا إلى علم رجل في منتصف العمر، يعمل بإحدى المهن ولديه أصدقاء في الجيش والنخبة الحاكمة، أن أحد الضباط الكبار قد قُتل في إحدى المعارك. ويقول الرجل، معلقا على مقتل الضابط، إنه عندما يتحقق النصر للنظام - وهو يصلي من أجل أن يتحقق - سيبعث مناصرو النظام الأقوياء رسالة، يدخرونها حتى يأتي النصر، للأسد مفادها: «يجب عليك أن تدفع ثمن وقوفنا إلى جانبك».

وبسبب خطورة الحديث عن تلك القضية في سوريا، فقد طلب ذلك الرجل وباقي الأشخاص، الذين جرت معهم مقابلات في هذا التحقيق، عدم الكشف عن هويتهم.

وخلال وصفه لموقف العلويين الموالين للأسد، وكذلك آرائه الخاصة، التي تعكس اتجاه عدد صغير - لكنه في تزايد مستمر - من أعضاء المؤسسة الأمنية، يقول الرجل: «لقد بذلنا كل شيء، نعم كل شيء. لكننا لن نتخلى عن سوريا هذه المرة ونقدمها هدية للأسد ونقول له (ها نحن ذا، ها هي سوريا، افعل بنا ما يحلو لك)». ويمضي الرجل قائلا: «إننا نقاتل من أجل بلدنا وليس من أجل هذا الرئيس».

وفي حين يشكل السنة الغالبية العظمى من المجندين في القوات المسلحة، تتولى النخبة العلوية المناصب الهامة، كما انخرط الكثير من العلويين مؤخرا في الميليشيات الجديدة التي شكلتها الحكومة. ولم توفر الحكومة إجابة واضحة حتى الآن عن الأسئلة التي يجري طرحها عن عدد القتلى الذين سقطوا في صفوف الجيش، غير أن هناك تقارير تقدر أعداد القتلى بعشرات الآلاف.

ويقدر سكان بعض القرى ذات الأغلبية العلوية الخسائر في القوات العسكرية بقولهم إنهم فقدوا واحدا من بين كل عشرة رجال. ويحتفظ بعض المقاتلين الشباب بصور على هواتفهم الجوالة لأصدقاء وأقارب لهم لقوا حتفهم. ويتخلل تلك الصورة في بعض الأحيان لقطات تظهر تورط هؤلاء الأصدقاء في بعض الأعمال الحكومية القذرة، مثل استعراض بعض الجثث، التي جرى التمثيل بها، أو الاستعداد لإلقاء البراميل المتفجرة.

ويقول الكثير من العلويين وضباط الأمن إن الصراع الحالي زاد من إعجابهم بشخصية الأسد، الذين يرونه يقف في وجه العدوان الغاشم من العالم أجمع. وسوف يكون من الصعب على العلويين أو غيرهم القريبين من دوائر السلطة الخروج ضد الأسد باستخدام أو من دون استخدام السلاح. وعلى مدى أكثر من أربعة عقود من الزمان، أثبت الأسد ووالده أنهما بارعان في منع وصول أي قيادة بديلة للعلويين إلى سدة الحكم في سوريا، كما استطاعا بناء أجهزة تجسس متداخلة مع بعضها البعض لمنع حدوث أي انقلابات عسكرية.

غير أن بعض المحللين، بمن فيهم يزيد صايغ، يقولون إنه في حال ظهر أي نوع من أنواع المعارضة بين صفوف مناصري النظام الأساسيين، فلن يستطيع الأسد القضاء عليها بالقوة، وهي المهمة التي أوكلها إلى جماعات المناصرين تلك والتي ساعدته في البقاء في السلطة حتى هذه اللحظة.

ويقول مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون إن ثلاثة رجال على الأقل من الدائرة الصلبة لنظام الأسد - مسؤولين علويين أو أقربائهم - اتصلوا بهم وأخبروهم أن الكثير من العلويين يشعرون بأنهم محاصرون ومحبطون بسبب سياسات الأسد، لكنهم ليسوا مستعدين لتحديه فيما يرون أنها معركة من أجل البقاء.

ويقول رجل أعمال علوي ينتمي لعائلة ذات نفوذ في قطاع الأمن، إن هؤلاء يعتقدون أن المتمردين عازمون على القضاء عليهم، سواء من وجهة نظر دينية متطرفة أو لأنهم يرون أن العلويين متورطون فيما يفعله نظام الأسد. لكنه أضاف أنه إذا انحسر التهديد من قبل المتمردين، فإنه من الممكن أن يواجه الأسد معارضة علوية منظمة لم تحدث منذ صعود والده، حافظ الأسد، إلى كرسي الحكم في عام 1970.

ويضيف رجل الأعمال، الذي أجريت مع عدة مقابلات في بيروت ودمشق، أنه في حال حدوث مثل ذلك التمرد من جانب العلويين، فإن الكثير من العلويين سوف «يتحدون» ويرفضون البقاء «في جيب» الأسد.

وقد عانى العلويون، إحدى طوائف الإسلام الشيعي، طويلا من الاضطهاد والفقر. وقد استطاع حافظ الأسد توفير سبل جديدة، معظمها من خلال الوسائل العسكرية، لتحقيق الرفاهية للعلويين، لكنه، على الجانب الآخر، قمع القيادات الدينية والعشائرية الأخرى، واستبدل الهوية العلوية، كما يسميها حفنة من المعارضين العلويين، بنظريته في عبادة الدولة.

وقد عبرت بعض العشائر العلوية طويلا عن استيائهم من أسرة الأسد واتهموهم بأنهم يمثلون أسوأ الأمثلة في التاريخ على نكران النعمة. وازداد الشعور بالاستياء عمقا عندما أطلقت الميليشيات الحكومية الجديدة يد نفر من الشباب، الذين يتصرفون بوقاحة واستبدادية.

يقول فريدريك هوف، الذي تولى مسؤولية الملف السوري في إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما حتى عام 2012، إن مسؤولا علويا آخر قريبا من أجهزة الدولة وصف له «البؤس» الذي تعيش فيه الطائفة العلوية، التي تشعر أنها «متهمة ومنبوذة من قبل بقية الشعب الذي يعيش في بؤس مطلق»، لكن مصدر الخوف الرئيس بالنسبة لهم هم المتمردون.

ويضيف هوف أن شخصيات أخرى عبرت عن نفس الفكرة للكثير من المسؤولين الأميركيين. وفي الوقت الذي عبر فيه البعض عن غضبهم من فشل الأسد في القضاء على خصومه بشكل أقوى وأسرع، أبدى آخرون استياءهم من فشله في تقديم بعض التنازلات السياسية المهمة لتفادي الصراع الحالي، الذي فت كثيرا في عضد العلويين ولم يترك لهم «أي فرصة للشعور بالندم والأسف على ما فعلوه».

ويضيف رجل الأعمال أن السبيل الوحيد للتوصل إلى عملية انتقال سياسي تحافظ على أركان الدولة من الانهيار، وهو الهدف الذي أعلنته الإدارة الأميركية، هو إقناع الأسد بالتنحي علن السلطة، ربما خلال عدة سنوات، لشخصية علوية أخرى تكون قادرة على إقناع قوات الأمن أنهم يستطيعون التوقف عن القتال بأمان.

ويرفض هوف فكرة أن الأسد سيوافق على تقاسم أو التخلي عن السلطة طواعية، مشيرا إلى أن «بشار الأسد ورفاقه لا يقلقون أبدا بشأن مصير الطائفة العلوية».

في العلن، يسيطر على حداد العلويين على قتلاهم مشاعر الفخر والوطنية. يقول رجل الأعمال إنه خلال تشييع إحدى الجنازات وبخ رجل أبناءه، قائلا لهم إنه يشعر بالخجل لأن أحدا منهم لم يمت خلال المعارك. أما في السر، فالجميع يشعرون بالإرهاق والتعب من ذلك الصراع.

حتى في قرية القرداحة، مسقط رأس أسرة الأسد، تنتشر حالة من التذمر بين سكانها. ففي الجزء الخلفي من أحد المتاجر خلال الخريف الماضي، همس مالك المتجر قائلا إن بعد كل تلك التضحيات التي قدموها، يريد الناس «المقابل»، وهو الوظائف ووضع حد للفساد المستشري.

في الآونة الأخيرة، بدأ العلويون في القرداحة - معقل الطائفة الساحلي - يشتكون من أن تركيز الأسد على حماية العاصمة دمشق جعلهم عرضة للكثير من المخاطر. وقد تحدثت تقارير عن أن الميليشيات الحكومية، التي جرى تشكيلها للدفاع عن قراهم، رفضت أوامر بالانتشار في أماكن أخرى.

وعلى الرغم من ذلك، تشكلت في الوقت الراهن دائرة طائفية من الانتقام، حيث قام المقاتلون الموالون للحكومة، الذين يسيطر عليهم كالعادة العلويون، بتعذيب وذبح المدنيين من السنة. وعلى الجانب الآخر، قام السنة المتطرفون بتصوير فيديوهات تصورهم وهم يقومون بقطع رؤوس العلويين.

لقد أصبحت التهديدات جزءا من حياة السوريين اليومية، وهو ما يجعل الموالين للأسد يفكرون ألف مرة قبل الاتجاه لمعارضة النظام الأسدي. تقول طبيبة علوية، كانت تمارس رياضة الجري في صالة الألعاب الرياضية الخاصة بها في مدينة اللاذقية، إنها تلقت مكالمة على هاتفها الجوال، وكان الرقم يخص أحد مرضاها، لكن المتصل هذه المرة كان أحد المتمردين، الذي أخبرها بأنه ذبح صاحب الجوال.

تقول الطبيبة، «إننا نحتاج بالفعل للتغيير. لكن لو أن الأمر بيدي، فسأسعى لحل المشكلة الأساسية التي نتفق عليها جميعا».

* خدمة «نيويورك تايمز»