الوسط السياسي الشيعي يتداول أربعة «بدلاء» للمالكي

العراقيون.. بين مؤيد ومعارض للتغيير

TT

بدا المالكي واثقا بنفسه وهو يضع إصبعه في الحبر البنفسجي لكي يجدد لنفسه ولاية ثالثة لرئاسة الوزراء بعد أن أنهى ولايتين من ثماني سنوات (2006 – 2010، و2010 - 2014). الولاية الثالثة، لا الانتخابات البرلمانية، بدت طوال الفترة الماضية هي الشغل الشاغل للعراقيين.

العراقيون انقسموا على أنفسهم بين مؤيد للتغيير ويائس منه، وبين هذين البينين يبدو هناك بين ثالث وهو شعور الغالبية من الناس ممن لم يتأثروا بأجواء الحراك الشعبي والجماهيري ويتراوح منطقهم بين المثل المشهور «من يأخذ أمي يصير عمي»، أو أنهم لا يهمهم من يكون رئيسا للوزراء، بل ما يهمهم هو ما يمكن له أن يحققه من أمان واستقرار وخدمات.

هذه المعادلة الملتبسة فرضت نفسها على المشهدين السياسي والانتخابي في العراق. فخصوم المالكي السياسيون، ومن بينهم من يمكن تسميتهم «بدلاءه»، يراهنون على فشل حكومتي المالكي طوال السنوات الماضية في تحقيق ما يأمله المواطن. هؤلاء البدلاء، وفي المقدمة منهم زعيم «المؤتمر الوطني» العراقي أحمد الجلبي والقياديان البارزان في «المجلس الأعلى الإسلامي» عادل عبد المهدي وباقر الزبيدي وأخيرا مرشح التيار الصدري علي دواي محافظ ميسان الذي عدته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أفضل محافظ في العراق على مستوى الخدمات - رأوا في الانتخابات الأخيرة فرصة ثمينة لهم لطرح أسهمهم في بورصة الانتخابات على أمل أن يحالف الحظ أحدهم: إما بأن يحظى حزبه أو كتلته بالأغلبية فيكلف تشكيل الحكومة، مثل عبد المهدي والزبيدي ودواي، وإما في حال لم يحصل لا «المجلس الأعلى» أو التيار الصدري على ما يكفي من مقاعد تؤهله لعقد تحالفات تفضي إلى تشكيل الحكومة المقبلة، فإن الجلبي يكون هو مرشح التسوية الأكثر مقبولية الآن من قبل الكتل والقوى السياسية.

الجلبي، وفي آخر حديث له لـ«الشرق الأوسط»، رفض الإفصاح عن كونه مرشح التسوية قائلا: «لن أتحدث أنا عن هذا الأمر، بل اسألوا غيري». وحين تدخل أحد المقربين منه ممن كان حاضرا الجلسة في أن هناك توافقا داخليا وإقليميا بشأن الجلبي، قال: «أرجو ألا تكتب عني ذلك، فأنا لم أصرح بشيء من هذا القبيل».

حذر الجلبي المبالغ فيه لجهة كونه مرشحا بديلا للمالكي، يتنافى مع اندفاع المالكي وثقته العالية بنفسه كونه هو المرشح الأوحد لرئاسة الوزراء بنسختها الثالثة. وفي الحيثيات، فإن المالكي يستفيد من الدستور العراقي الذي يتيح له، فيما لو كان هو صاحب الكتلة الأكبر، تشكيل الحكومة. وفي هذا السياق، يقول مقرر البرلمان والقيادي في كتلة «متحدون» محمد الخالدي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن «البرلمان أرسل تشريعا إلى المحكمة الاتحادية بأن يجري تحديد ولاية رئاسة الوزراء بدورتين فقط من ثماني سنوات على غرار رئاسة الجمهورية، غير أن المحكمة الاتحادية رفضت ذلك، ومن ثم فتحت الباب للمالكي ولغيره مستقبلا في أن يتولى الحكومة ما شاء له من دورات». وردا على سؤال بشأن المخاوف التي تبديها الكتل السياسية من الولاية الثالثة، يقول الخالدي إن «العراق بلد يمر بمرحلة تحول، وإن العرقية والطائفية هما الغالبتان فيه، ومن ثم فإن بقاء شخص واحد أكثر من دورتين سيكرس الديكتاتورية وحكم الفرد، وهو ما يشكل خطرا على البلاد»، مشيرا إلى أن «أكثر المتخوفين من ذلك هم قيادات التحالف الشيعي لأنهم يرون بقاء المالكي يعني إقصاء أحزابهم وقواهم لصالح حزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي».

إيران دائما على الخط، ففي حديث خاص لقيادي شيعي بارز، طلب عدم الإشارة إلى هويته، أبلغ «الشرق الأوسط» أن «وفدا إيرانيا كان في بغداد أخيرا، التقى بعض القيادات الشيعية وأبلغهم أن ما يهم إيران هو البيت الشيعي لا المالكي أو من سواه». ويضيف القيادي الشيعي أن «الإيرانيين لمحوا لمن التقوهم إلى أن المالكي بما يملكه من كتلة كبيرة لا يزال هو القادر على أن يمثل وحدة الشيعة، ومن ثم فإنهم يميلون - ولو ضمنا - إليه من هذه الناحية». هذه الناحية يمكن لها أن تقصي فرص الجلبي في كونه مرشح التسوية، لأن إيران في حال دخلت على الخط لن تبقي لأي تسوية مكانا في لعبة تشكيل الحكومة.

أما خصما المالكي «اللذان ليسا مرشحي تسوية»، وهما عادل عبد المهدي وباقر الزبيدي، فإنه إذا كان لهما مصدر قوة واحد وهو رهانهما على ما يحصل عليه ائتلافهما «المواطن» من مقاعد، فإن نقطة ضعفهما تتمثل في أنهما متنافسان في كيان واحد، بينما المالكي وحيد لا شريك له في ائتلاف دولة القانون.

ويبقى دواي المحافظ النشط في مدينة صغيرة مثل ميسان الذي يبدو من الصعب عليه القدرة على السباحة في بحر متلاطم الأمواج. فقدرات الرجل خدمية وليست سياسية، ومن ثم فإن فرصه أضعف ممن سواه ممن يعدن اليوم بدلاء للمالكي فيما لو أظهرت الانتخابات نتائج غير متوقعة وتمكن الخصوم من تشكيل تحالف قوي مع السنة والأكراد وصمد الصدريون والمجلسيون على صعيد الاتفاق على مرشح واحد ينافس وحده المالكي لا أربعة متنافسين في تحالف واحد يصبح فيه، مع اشتداد الخلافات، المالكي هو مرشح التسوية.