معارك دامية بين قوات حفتر وإسلاميين في بنغازي تخلف عشرات الضحايا

القائد السابق في الجيش الليبي يستخدم سلاح الجو في الاشتباكات والحكومة تتهمة مجددا بتنفيذ انقلاب عسكري

عناصر أمن ليبية أمام مدخل معسكر للجيش في مدينة بنغازي تعرض للتدمير منذ اسبوعين بفعل سيارة مفخخة (رويترز)
TT

اتهمت السلطات الليبية مجددا اللواء خليفة حفتر القائد العام السابق للقوات البرية في الجيش الليبي بمحاولة تنفيذ انقلاب عسكري في مدينة بنغازي بشرق البلاد، بعدما شنت قوات تابعة لحفتر هجوما مفاجئا أمس على معسكرات تابعة لميليشيات إسلامية متطرفة في المدينة تحت اسم عملية الكرامة «لتطهير» المدينة من «المجموعات الإرهابية».

وعاشت بنغازي التي تعد ثاني كبريات المدن الليبية وعاصمة الثورة ومهد الانتفاضة الشعبية ضد نظام حكم العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011، ساعات عصيبة وهدوءا مشوبا بالحذر، بعد الاشتباكات التي وقعت في الصباح وأسفرت عن سقوط نحو 140 شخصا ما بين قتيل وجريح على الأقل، بينما أكدت عدة مصادر أمنية وعسكرية لـ«الشرق الأوسط» أنها تتوقع المزيد من المعارك الدامية في وقت لاحق من مساء أمس.

وأوضح شهود أن قوات من سلاح الجو انضمت إلى مجموعة حفتر، أحد قادة حركة التمرد التي أطاحت بنظام القذافي، قد قصفت ثكنة تحتلها «كتيبة 17 فبراير» وهي ميليشيا إسلامية، بينما ردت هذه الميليشيا بنيران المدفعية المضادة للطيران.

وقالت مصادر بالمدينة لـ«الشرق الأوسط» إن قوات حفتر هاجمت معسكرين أحدهما تابع لسرية مالك بقيادة زياد بلعم والثاني معسكر راف الله السحاتي الذي يقوده كل من إسماعيل الصلابي ومحمد الغرابي، بينما دارت مواجهات عنيفة حول مواقع يحتلها مسلحون إسلاميون في منطقة سيدي فرج في جنوب المدينة.

وقالت مصادر عسكرية وطبية إن المعارك الطاحنة التي جرت أمس أسفرت عن سقوط نحو عشرين قتيلا وما لا يقل عن 120 جريحا في إحصائية أولية، مشيرة إلى أن هذا العدد قد يتزايد نتيجة للاشتباكات التي جرت باستخدام الأسلحة الثقيلة والمتوسطة.

وعد عبد الله الثني رئيس الحكومة الانتقالية أن الطائرة التي قصفت بعض معسكرات المتطرفين في مدينة بنغازي، منشقة عن سلاح الطيران الليبي، وقال إن هناك طائرة واحدة حلقت من دون أوامر منا وهذا خروج عن الشرعية.

وبعدما شدد في بيان صحافي تلاه عقب اجتماع طارئ لحكومته في العاصمة الليبية طرابلس لمناقشة الوضع الراهن في مدينة بنغازي، على أن عهد الانقلاب ولى ولا مكان للإرهابيين، دعا الثني المواطنين في بنغازي إلى التمسك بشرعية الدولة فقط، ووصف المجموعات التي يقودها حفتر بأنها خارجة عن شرعية الدولة الليبية.

وأعلن العقيد طيار علي أبو دية رئيس أركان القوات الجوية الليبية، أن الطائرات التي حلقت أمس في سماء بنغازي تتبع بالفعل قاعدة بنينا الجوية، إلا أنها خرجت للتحليق من دون تلقي أوامر من قبل القاعدة.

وفيما أبلغت مصادر حكومية وسكان في المدينة «الشرق الأوسط» أن القوات التابعة لحفتر قد تلقت ما وصفته بهزيمة مدوية في المواجهات التي جرت طوال الساعات الماضية، فقد نفى الناطق باسم قوات حفتر في المقابل لـ«الشرق الأوسط» هذه المزاعم وقال إنها عارية تماما عن الصحة.

وقال العقيد محمد حجازي الذي قدم نفسه على أنه الناطق الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الوطني الليبي (الموالي لحفتر): «هذه هي الحرب الإعلامية، وهذا هو الجيش الإلكتروني الذي يروج الشائعات»، لافتا إلى أن «المستهدف من عملية الكرامة تطهير ليبيا والوطن وبنغازي من هذه الكيانات المتطرفة وغيرها من الميليشيات المسلحة».

وأضاف حجازي في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من بنغازي: «هذا جيش وطني وهذا قائد عسكري وطني، هذا واجب وطني كان لزاما علينا للتدخل، كل القواعد الجوية والعسكرية انضمت تحت قيادة اللواء خليفة حفتر وهو القائد العام للجيش الوطني الليبي الذي يعاني ويتعرض لعمليات عرقلة وتنكيل واغتيالات مستمرة».

وردا على تصريحات الثني رئيس الحكومة الانتقالية، قال حجازي لـ«الشرق الأوسط»: «جرى الآن ضرب الأجنحة المسلحة التي تحكم بها الحكومة الانتقالية، وهذه الميليشيات المسلحة هي أجنحة لهذا لمؤتمر الوطني العام (البرلمان) المنتهية شرعيته أصلا وقراراته منتهية».

وأضاف: «من يسيطر على هذا الكيان غير الشرعي هي هذه الميليشيات المسلحة، وهي تسيطر على المؤتمر الفاسد، هذه الكيانات الإسلاموية تسيطر على هذا الكيان المفسد».

وقصفت طائرة واحدة على الأقل تابعة لسلاح الجو الليبي معسكرات لقوات غير حكومية في المدينة، بينما هاجمت قوة عسكرية تابعة لحفتر مدججة بالأسلحة عددا من المعسكرات والكتائب الواقعة في مدينة بنغازي.

وقالت مصادر في بنغازي لـ«الشرق الأوسط» إن المناطق التي تقدمت منها قوات حفتر التي وصلت إلى أسوار معسكر راف الله السحاتي، الآن تسيطر عليها قوات مشتركة من الدروع والكتيبة، مشيرة إلى أنه لا أثر لقوات حفتر بتلك المنطقة التي دخل منها بينما هناك ما وصفته بانتشار واسع لغرفة ثوار ليبيا بمدخل بنغازي الشرقي حتى وسط المدينة.

وأضافت: «ميليشيات تنظيم أنصار الشريعة ما زالت بمراكزها، الإسلاميون والكتائب استعادوا تلك المناطق في زمن قصير».

ونفى العقيد ميلود الزوي الناطق الرسمي بالقوات الخاصة بالجيش الليبي (الصاعقة) ما أشيع عن مشاركة قوات الصاعقة بقيادة العقيد ونيس بوخمادة في هذه الاشتباكات، وأن القوات الخاصة في حالة استنفار تام داخل معسكرها بمنطقة بوعطني، فيما قالت وكالة الأنباء المحلية إن هناك انتشارا عسكريا كثيفا بالمنطقة المحيطة بمدينة بنغازي من جهة البحر ومداخل المدينة، وإن هدوءا يسود المدينة يشوبه الحذر الشديد.

وقال مصدر عسكري إن القوات الخاصة بقيت بثكناتها ولم تشارك إلا في تأمين مناطق الاشتباك بإقامة بوابات لإرجاع المواطنين.

وطبقا لما أعلنته الحكومة الليبية في بيان أصدرته أمس عقب هذه الاشتباكات، فقد تحركت في الساعات الأولى من صباح أمس مجموعة مسلحة وبعض أفراد الجيش الليبي وعربات وآليات من معسكر الرجمة يحمل بعضها رايات وعلامات الجيش الوطني إلى ضواحي مدينة بنغازي وحلقت بعض الطائرات التابعة للسلاح الجوي الليبي في سماء المدينة، مشيرة إلى أن رئاسة الأركان نفت صدور أي أوامر منها لهذه القوات، وبالتالي فإن تحركها هو مخالف للأوامر العسكرية الصادرة عن السلطات الشرعية.

وأكد البيان أن التسبب في القتال في بنغازي في ظل هذه الظروف يعرقل بشدة جهود بسط الأمن التي يبذلها الجيش والشرطة لتنفيذ القانون والأوامر الصادرة من أجل القضاء على الإرهاب والاغتيالات والجريمة المنظمة والمجموعات الخارجة عن القانون التي تهدد أمن المدينة وسلامة أهاليها.

وطلبت الحكومة من كتائب الثوار ضبط النفس والالتزام بالأوامر الصادرة من رئاسة الأركان والتحرك وفقا لتلك الأوامر حرفيا وعدم مخالفتها حفاظا على ليبيا ووحدتها، موضحة أن رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي تعمل على ضبط الموقف على الأرض ومنع دخول أي قوات من خارج المدينة والتصدي لأي مجموعات خارجة على القانون، كما صدرت الأوامر للغرفة الأمنية المشتركة وكل وحدات الجيش والشرطة بذلك.

ودعت الحكومة: «كل أهلنا في عاصمة الثورة بنغازي إلى الهدوء والتماسك ودعم شرعية ثورة 17 فبراير (شباط) وجيشها وشرطتها»، وشددت على «أن الحدود الشرقية للدولة آمنة وتحت سيطرة قوات الجيش الليبي التابعة للشرعية».

وأضاف البيان: «ترى الحكومة أن ما يحدث هو محاولة لاستغلال الوضع الأمني للانقلاب على ثورة 17 فبراير، وبالتالي فإنها تؤكد أن عهد الانقلابات والحكم الفاشي والخروج عن الشرعية قد ولى إلى غير رجعة».

من جهته، أعلن اللواء عبد السلام العبيدي رئيس الأركان العامة للجيش الليبي، أن القوة التي دخلت إلى بنغازي فجر أمس هي مجموعات صغيرة تابعة لحفتر من بينها بعض العسكريين، واتهمها بالعمل على فرض إرادتها بالقوة على الشعب الليبي.

وأوضح جاد الله في تصريحات لقناة محلية أنه صدرت تعليمات مكتوبة إلى الغرفة الأمنية والقوات العسكرية والثوار التابعين لقيادة الغرفة الأمنية المسؤولة عن بنغازي بالتصدي لأي قوات خارجة عن الشرعية تحاول الانقلاب على الشرعية، مؤكدا أنه لا يمكن أن تأتي قوة عسكرية نيابة عن الشعب الليبي وتقرر مصيره، واصفا ما حدث بالانقلاب.

وأوضح العبيدي أنه منح في السابق مهلة زمنية لتشكيل تابع للواء حفتر عقب اعتدائه بقاذف على مخزن للسلاح تابع للجيش للخروج وأيضا لانضمامهم للشرعية قبل أن تتخذ الجهات الأمنية الموقف المناسب حيالهم والتصدي لهم، مشيرا إلى أن هذه المجموعة تحاول استغلال جروح الشعب، والأفراد الذين يقتلون في بنغازي الذين نترحم عليهم.

وبدلا من أن يطلب من قوات الجيش النظامية التدخل، دعا العبيدي أهالي مدينة بنغازي والشعب الليبي إلى التصدي للإرهاب أيا كان مصدره، مؤكدا أن التعليمات الصادرة للغرفة الأمنية المشتركة في بنغازي هي ضرب أي محاولة لدخول مدينة بنغازي.

ونفى العبيدي سيطرة القوات المهاجمة على بعض المقرات في بنغازي، مبينا أن الجيش الليبي والثوار يدافعون عن المدينة لإحباط أي محاولة للسيطرة على الشرعية.

وأصدر العبيدي في وقت سابق أوامر لقطاع الدفاع الجوي في بنغازي بمنع أي قوات عسكرية أو غير عسكرية لا تتبعه بالوجود في مقرات القطاع، وحمل العبيدي قادة القطاع مسؤولية أي تحركات تخرج من مقر القطاع للقيام بأي عمل خارج الشرعية.

وكانت رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي قد حملت في بيان لها الأسبوع الماضي، المسلحين الموجودين بمقر الدفاع الجوي بمنطقة الرجمة، مسؤولية أي أضرار قد تحدث للمواطنين ومواشيهم والتلوث البيئي الذي قد يحدث جراء بعض التصرفات التي وصفتها بالعبثية.

وقالت الرئاسة إن المسلحين الموجودين بمقر الدفاع الجوي بهذه المنطقة والتابعين لحفتر، ليلة الأربعاء الماضي، قصفوا بقذيفة «آر بي جي» مستودعا لصواريخ الدفاع الجوي بالمعسكر.

وطالب المجلس المحلي لمدينة بنغازي المؤتمر الوطني والحكومة المؤقتة ورئاسة الأركان العامة للجيش الليبي بتقديم توضيحات رسمية حول ما يجري في بنغازي من اصطدامات واشتباكات.

ودعا المجلس، في بيان نشر على موقعه الإلكتروني، وزارة العدل إلى تعزيز تأمين السجون بالمدينة من أي اعتداءات أو خروق قد تستغل في ظل هذه الظروف الأمنية.

وفي ظل تراجع واسع لسلطة القانون والنظام منذ الانتفاضة التي أطاحت بالقذافي عام 2011 اتهم مقاتلون إسلاميون بتنفيذ سلسلة من عمليات الاغتيال والتفجيرات ضد الجيش في بنغازي وخوض معارك متكررة مع القوات الخاصة، لكنهم يتحصنون الآن في قواعد على مشارف المدينة.

ونظرا لضعف قوات الجيش الوطني الليبي التي ما زالت تحت التدريب، لا تستطيع ليبيا السيطرة على كتائب المقاتلين التي حاربت القذافي وترفض الآن إلقاء السلاح، وكثيرا ما تتحدى سلطة الدولة، فيما تضررت صناعة النفط الحيوية في البلاد بشدة بسبب الفوضى.