مخاوف لبنانية من أحداث أمنية تسبق التوافق على رئيس جديد للبلاد

قائد الجيش وصف المرحلة بـ«الحساسة والدقيقة»

TT

عشية مغادرة رئيس الجمهورية الحالي ميشال سليمان القصر الجمهوري في منطقة بعبدا شرق بيروت مع انتهاء ولايته، تزداد خشية أكثر من فريق لبناني من أن تنسحب سلبية شغور موقع الرئاسة على الاستقرار الهش الذي تشهده البلاد منذ نحو ثلاثة أشهر، فتطيح بالخطة الأمنية التي أثبتت نجاحها إلى حد بعيد في وضع حد للإشكالات الأمنية والتفجيرات المتنقلة بين المناطق اللبنانية.

وكان سليمان أول المحذرين من سيناريو اهتزاز الأمن، حين عبر عن مخاوفه من أن يحصل انتخاب الرئيس المقبل على وقع حوادث مماثلة لحوادث 7 مايو (أيار) 2008، حين شهدت مناطق في العاصمة بيروت وجبل لبنان اشتباكات مسلحة بين قوى «8 آذار» وقوى «14 آذار» انتهت باتفاق عقد في الدوحة وأدى إلى التوافق على انتخاب سليمان رئيسا.

ويبدو أن الجيش اللبناني يتحضر لمواجهة كل السيناريوهات المتوقعة، إذ اعتبر قائد الجيش جان قهوجي أمس الجمعة أن «البلد يعيش على وقع الخوف من الشغور الرئاسي للمرة الثالثة في هذه الفترة الحساسة من تاريخه».

ودعا قهوجي في بيان في الذكرى الـ14 لعيد المقاومة والتحرير العسكريين إلى العمل بكل وعي وانضباط من أجل الحفاظ على وحدة لبنان واستقراره في ظل مرحلة «حساسة ودقيقة»، مشددا على وجوب بقاء الجيش متماسكا وعلى قدر التطلعات والآمال المعلقة عليه. ولا تتردد قوى «14 آذار» بالتعبير عن خوفها من لجوء حزب الله للعب بالأمن لفرض الرئيس الذي يريد، وهو ما كان منسق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» النائب السابق فارس سعيد عبر عنه في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»، حين تحدث عن خشية من لجوء «حزب الله» إلى أسلوب الاغتيالات لـ«تحسين شروط مفاوضاته» في ملف انتخابات الرئاسة.

وأقر النائب في تيار المستقبل معين المرعبي بـ«تخوف كبير» من أن يعمد «حزب الله» لنيل ما يريد بالسياسة وبالتحديد في الاستحقاق الرئاسي من خلال الاغتيالات أو الأحداث الأمنية المفتعلة، معتبرا أن «تاريخه المجيد أكبر دليل على ما هو جاهز لاقترافه لتحقيق مصالحه ومصالح إيران».

وقال المرعبي لـ«الشرق الأوسط»: «أثبتت التجارب أن جماعة إيران في لبنان جاهزة لتحقيق مرادها على أرضية ساخنة في حال فشلت في القيام بذلك على أرضية باردة»، لافتا إلى أن «ما يبقي القليل من الطمأنينة في النفوس هو انشغال (حزب الله) بالقتال في سوريا وسعيه لعدم فتح جبهات أخرى تشتت قدراته العسكرية». بدوره، أبدى رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي تخوفه «من مرحلة سيعيشها لبنان بلا رئيس للجمهورية»، داعيا كل القوى السياسية اللبنانية للعمل على إجراء الاستحقاق في الوقت المتبقي وفي حال تعذر ذلك في أقرب وقت.

وقال ميقاتي خلال احتفال يوم أمس الجمعة: «تعلمنا في لبنان أنه كلما طال الفراغ ازدادت المشكلات، لذلك علينا احترام المواعيد الدستورية والقيام بكل ما يلزم لصياغة تفاهمات تؤدي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية».

من جهته، ربط المدير التنفيذي لـ«مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (إينجما)» رياض قهوجي بين مسار المفاوضات الغربية – الإيرانية، وبالتحديد الأميركية – الإيرانية، وبين إمكانية تدهور الوضع الأمني في لبنان، لافتا إلى إمكانية أن يستغل بعض الفرقاء الفراغ الرئاسي لمحاولة إحداث أعمال تؤثر على خواتيم الأمور بالاستحقاق الرئاسي.

وقال قهوجي لـ«الشرق الأوسط»: «صحيح أن الوضع الأمني في لبنان مستقر لكن استمراريته غير مكفولة ما دامت الملفات الكبرى في المنطقة غير محسومة»، مشيرا إلى أنه كلما طال الفراغ الرئاسي وتعقدت الأمور إقليميا ودوليا ازدادت الخشية من تداعيات أمنية على لبنان. وأضاف: «نحن لا نستبعد أن تتطور الأمور باتجاه 7 مايو (أيار) جديد، فالهدوء الذي نشهده حاليا مهدد بالانهيار في أي لحظة»، موضحا أن الطرفين القادرين على ضرب الأمن اللبناني هما إسرائيل و«حزب الله»، «فإذا تعرقلت مصالح إيران تحرك الحزب، وإذا تعطلت مصالح إسرائيل ستتحرك أمنيا».

بالمقابل، تبدو قوى «8 آذار» مطمئنة لانفصال المسارين الأمني والسياسي في البلاد، وفي هذا الإطار استبعد ميشال موسى النائب في كتلة التنمية والتحرير التي يتزعمها رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن تكون البلاد بصدد إشكالات أمنية بعد شغور موقع الرئاسة، لافتا إلى أن ذلك قد ينعكس على عمل المؤسسات الدستورية ولكن ليس على الأمن.

وقال موسى لـ«الشرق الأوسط»: «هناك مصلحة لدى جميع الفرقاء بعدم الإخلال بالأمن، وهو ما ظهر جليا في المرحلة الماضية من خلال نية وجهود داخلية - إقليمية ودولية وضعت حدا لأكثر من مشكلة أمنية»، لكنه وفي الوقت عينه شدد على وجوب تحصين الاستقرار الأمني الذي يشهده لبنان منذ أشهر بالسياسة، من خلال التوافق بأسرع وقت على انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

يذكر أن الخطة الأمنية التي بدأ تطبيقها مطلع مارس (آذار) الماضي نجحت في وضع حد للمواجهات المسلحة والمتقطعة منذ عام 2008 بين أهالي منطقتي جبل محسن العلوية وباب التبانة السنية في مدينة طرابلس شمال لبنان، كما توقفت في الأشهر الثلاثة الماضية التفجيرات والعمليات الانتحارية التي ضربت معاقل «حزب الله» في منطقة البقاع شرقا والضاحية الجنوبية لبيروت ردا على قتاله في سوريا.