الفساد المالي يحصد ضحية جديدة في إيران

شنق أحد المتورطين في القضية.. وآخرون يتنقلون بحرية

مه آفريد خسروي
TT

شنقت السلطات الإيرانية أمس (السبت) مه آفريد خسروي، وهو المتورط في إحدى كبرى عمليات الاختلاس في تاريخ إيران. وبلغت قيمة الاختلاس 30 ألف مليار ريال (نحو مليار دولار). وإثر الكشف عن عملية الاختلاس جرى اعتقال 32 متهما رئيسا، واتهام ثمانية مصارف كبرى بالتورط في الاختلاس.

وجرت عملية إعدام مه آفريد صباح أمس، دون علم مسبق بتنفيذ الإعدام. وقد بعث مه آفريد رسالة إلى مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله خامنئي منذ أسابيع يطلب إعادة النظر في الحكم الصادر ضده.

وقال غلام علي رياحي محامي الدفاع عن المتهم إن موكله وجه رسالة إلى مرشد الجمهورية الإسلامية، ولم يجرِ الكشف عن فحوى الرسالة، غير أن خسروي في الرسالة المذكورة ناشد المرشد بإصدار إذن لنشر الرسالة، واطلاع الشعب، والمسؤولين عن فحوى الرسالة.

وبعد الكشف الإعلامي والرسمي عن عملية الاختلاس الكبيرة في المصارف الإيرانية في أغسطس (آب) 2011 ظهر شيئا فشيئا تلميح عن تورط بعض كبار المسؤولين الإيرانيين مثل أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، ورحيم مشايي نائب الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، ووزير العدل مصطفى بور محمدي، وعدد من أقرباء أحمدي نجاد، ونواب برلمانيين.

وقام البرلمان الإيراني بانعقاد جلسة غير علنية إثر تداول أخبار متضاربة عن عملية اختلاس كبيرة في المصارف الإيرانية، وذلك بهدف متابعة الأمر. وتحولت الجلسة البرلمانية إلى جدل بين النواب الموالين لحكومة أحمدي نجاد والتيار المحافظ. وترددت ادعاءات أن هناك 16 نائبا كانوا متورطين في عملية الاختلاس، بل وتشير بعض المصادر إلى مشاركة 30 نائبا في هذه العملية.

وأدى تبادل الاتهامات بين الفريقين حول عملية الاختلاس إلى تدخل آية الله خامنئي المرشد الأعلى، الذي حذر وسائل الإعلام «من عدم الدخول في تفاصيل القضية»، وقال: «يسعى البعض إلى الإساءة إلى المسؤولين من خلال هذه الاتهامات».

وصرح المحافظ السابق للمصرف المركزي بأن عملية الاختلاس «ليس أمرا مهما، بل تحدث مثل هذه العمليات في كل أرجاء العالم»، بينما اعتبر وزير الاقتصاد السابق شمس الدين حسيني أن مه آفريد خسروي «بطل البلاد في قطاع الصناعة». وأثارت هذه التصريحات انتقادات واسعة من قبل البرلمانيين والمسؤولين غير المتورطين في العملية.

وقال أحمد توكلي النائب المحافظ والمنتقد لأحمدي نجاد في البرلمان إنه «يجدر بالمديرين المتورطين في عملية الاختلاس الانتحار»، مضيفا: «لقد جرى اتهام موظفين في وزارة الاقتصاد في اليابان في 1998 بأخذ الرشى، وأقدم على إثره المدير المعني بالانتحار، نحن لا نطالبكم بالانتحار ولكن قدموا استقالتكم على أقل تقدير».

وصرح محمد علي خباز النائب المنتقد للحكومة قائلا: «يزعم أحمدي نجاد وحكومته بأنهم من أكثر الحكومات نزاهة على مدى التاريخ. السؤال الذي يطرح نفسه هنا الآن هو: إذا كانت هذه الحكومة (أحمدي نجاد) وفي ظل عملية الاختلاس أكثر الحكومات نزاهة فكيف يمكن تقييم الحكومة غير النزيهة؟».

وأدت عملية الاختلاس الذي بلغت قيمته نحو مليار دولار إلى إلغاء ترخيص مصرف أريا، واستقالة مدير مصرف صادرات محمد جهرمي، وانتهت بهروب الرئيس التنفيذي السابق لبنك ملي محمد خاوري إلى كندا. واستدعاء شمس الدين حسيني وزير الاقتصاد في حكومة أحمدي نجاد ولكنه لم يقدم استقالته. وفي النهاية قضت المحكمة بإعدام أحد أكبر النشطاء الاقتصاديين في إيران، في الوقت الذي لم يجرِ بعد الإعلان عن أسماء 200 مسؤول حكومي متورط في قضية الاختلاس.

وكان مه آفريد خسروي جرى اعتقاله بعد الكشف عن عملية الاختلاس، واعترف المتهم خلال جلسات المحاكمة التي استغرقت ثلاثة أعوام بدفع أكثر من 30 دفعة من الرشى إلى كبار المسؤولين في النظام المصرفي، وكذلك إلى التأمين، وإلى وزارات مختلفة. وأضاف مه آفريد خلال اعترافاته: «لم يفعلوا شيئا ما داموا لم يحصلوا على الأموال».

واتهم خسروي خلال إحدى الجلسات بعض المسؤولين في الجمهورية الإسلامية بأنهم كانوا على علم مسبق بما يفعله، وهم أصدروا التراخيص له. وأوضح خسروي: «ليعترف السادة بأننا قمنا بتأسيس مصرف أريا للالتفاف على العقوبات. ليحضر السادة إلى جلسة المحاكمة أو ليعترفوا إلى كبار المسؤولين بأنهم أصدروا أوامر بتأسيس البنك. إذا لم يفعلوا ذلك فأنا سأكشف عن أسمائهم مع وثائق وأدلة إدانتهم، بالأحرى هم الذين طلبوا مني مساعدة الحكومة بسبب العقوبات المفروضة».

وأشار خسروي إلى أن مجموعته الاقتصادية - التجارية ليس عليها ديون متأخرة في الوقت الذي أعلنت غرفة التجارة أن مجموع الديون البنكية المستحقة نحو 700 ألف مليار ريال».

ووجه المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران صادق زيبا كلام رسالة إلى حسن روحاني الرئيس الإيراني على إثر صدور حكم الإعدام بحق خسروي، معربا عن شكوكه بشأن صحة الحكم الصادر. وقال: «أسوأ أنواع المحاكمات هي محاكمات تجري بهدف كسب رضا المجتمع، والمحاكمات التي يسعى فيها المسؤولون المعنيون بالتظاهر بمكافحة الفساد».

وبعث زيبا كلام رسالة أخرى إلى رئيس السلطة القضائية آية الله صادق آملي لاريجاني وقال: «إن الملف ولائحة الاتهام عبارة عن أمور كلية لم تقدم أسبابا كافية عن طبيعة الاتهامات التي جرى إصدار حكم الإعدام على أساسها».