المصريون يودعون الرئيس منصور خلال أيام

كسر ثلاثية «القبر أو السجن أو النفي».. وتوافق واسع حول أدائه الرصين

TT

بعد أيام قلائل، يودع المصريون الرئيس عدلي منصور الذي يغادر «رسميا» قصر الرئاسة عقب انتهاء فعاليات الاقتراع في الانتخابات الرئاسية، التي تجرى اليوم وباكرا بين المرشحين للمنصب؛ قائد الجيش السابق المشير عبد الفتاح السيسي، وزعيم «التيار الشعبي» حمدين صباحي.

وعقب انتهاء مراسم الاقتراع والإعلان عن النتائج.. يغادر منصور مطلع الشهر المقبل عائدا إلى مكانه المفضل - بحسب تعبيره في الكثير من اللقاءات الإعلامية - وهو منصة القضاء، حيث يعود إلى منصبه السابق بصفته رئيسا للمحكمة الدستورية العليا، الذي تولاه رسميا بالتزامن مع عزل الرئيس السابق محمد مرسي، عقب ثورة شعبية ضده في 30 يونيو (حزيران) 2013 حظت بتأييد سياسي واجتماعي واسع.

منصور، الذي تولى الحكم «بصفته الدستورية» كرئيس مؤقت، وذلك ضمن خطوات أعلن عنها قائد الجيش السابق المشير السيسي في الثالث من يوليو (تموز)؛ فيما عرف بـ«خريطة الطريق»، يعد أول حاكم مصري يغادر موقعه بصورة طبيعية ويعود لممارسة عمله السابق منذ قرون، باستثناء عرضي لرئيس مجلس الشعب (البرلمان) الأسبق الدكتور صوفي أبو طالب، الذي تولى المنصب «إجرائيا» بحسب الدستور القائم آنذاك لثمانية أيام عقب اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1981، وذلك حتى أجري استفتاء على تولي نائب الرئيس في ذاك الوقت، حسني مبارك، سدة الحكم.

ومنذ أن أسس محمد علي باشا الدولة الحديثة في مصر عام 1805 ودشن حكم الأسرة العلوية، نسبة إلى اسمه، لم تعرف مصر تداولا حقيقيا للسلطة. ووسط سلسلة توريثية للحكم في الأسرة العلوية، قام الاحتلال الإنجليزي بعزل الخديوي (لقب الحاكم آنذاك) إسماعيل، الذي وصف عصره بعصر النهضة المصرية، عن العرش في 26 يونيو من عام 1879 بسبب الديون، لينفى إلى إيطاليا ثم إلى تركيا ويخلفه الخديوي توفيق. كما عزلت إنجلترا أيضا الخديوي عباس حلمي الثاني من موقعه في نهاية عام 1914 خلال وجوده في رحلة إلى العاصمة النمساوية فيينا، وتولى السلطان حسين كامل، وذلك نظرا «لإقدامه على التعاون مع أعداء ملك بريطانيا»، بحسب ما جاء في قرار عزله آنذاك.

وعزل الجيش لاحقا الملك فاروق الأول من موقعه عقب قيام ثورة يوليو عام 1952، وولى مكانه ابنه (الطفل آنذاك) أحمد فؤاد العرش تحت الوصاية، ثم قام لاحقا بإعلان الجمهورية في 18 يونيو (حزيران) من عام 1953 التي كان أول رؤسائها اللواء محمد نجيب.

وفي عام 1954 وفي أعقاب ما عرف بأزمة مارس (آذار) التي نشبت بين الرئيس ومجلس قيادة الثورة فيما يمس وضع الجيش والحريات العامة، جرى عزل نجيب ووضعه قيد الإقامة الجبرية، ثم طي النسيان حتى وفاته لاحقا في عام 1984. وتولى الرئيس جمال عبد الناصر الحكم حتى وفاته في 28 سبتمبر (أيلول) من عام 1970. ثم تولى نائب عبد الناصر، الرئيس السادات، الحكم حتى اغتياله عام 1981، ليخلفه نائبه مبارك، الذي تخلى عن الحكم بعد ثورة شعبية في 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011.

وأسندت إدارة الدولة إلى المجلس العسكري مؤقتا، حتى أجريت انتخابات تعددية في منتصف عام 2012، فاز فيها الرئيس السابق مرسي بهامش ضيق للغاية في المرحلة الثانية على منافسه الفريق أحمد شفيق؛ آخر رئيس للحكومة في عهد مبارك، قبل أن يعزل مرسي بعد عام من توليه السلطة.

وباستعراض سريع للتاريخ، فإن الرئيس منصور يكون الأول الذي يغادر قصر الحكم إلى منزله وعمله، كون كل السابقين (في التاريخ الحديث) كان مثواهم إلى القبر أو السجن أو النفي.

وخلال استطلاع لرأي موسع أجرته «الشرق الأوسط» بين شرائح المجتمع المصري، بدا أن الرئيس منصور يحظى باحترام أغلبية القوى السياسية والاجتماعية التي أيدت المضي قدما في «خريطة الطريق» المصرية. كما يحظى الرجل بالمكانة ذاتها عربيا وإقليميا ودوليا، نظرا لقبوله تحمل مسؤولية كبرى في وقت عصيب. ويقول كثير من المواطنين إنهم سيفتقدون «ابتسامة» منصور الراقية، وأدبه الجم في الحديث، ورقي خطابه، إلى جانب رجاحة عقله وحسن إدارته الدولة.

ويستثنى من تلك النظرة العامة القوى المعارضة لما بعد 30 يونيو، وهي القوى المساندة لجماعة الإخوان المسلمين، التي أعلنتها الدولة قانونيا وقضائيا «منظمة إرهابية». ويقول مراقبون إن ذلك القطاع «ناقم بطبيعة الحال على إزاحته من السلطة، ومن ثم فهو لا يكاد يرى خيرا في أي شخص ينتمي إليه».

كما توجه بعض القوى الشبابية لوما إلى منصور على خلفية إقراره قانون «تنظيم التظاهر»، عادة ذلك يعد «خطوة للخلف تصادر الحريات العامة»، وأن ذلك ربما لا يليق بقاض أمضى حياته في حفظ حقوق المواطنين، بحسب تعبيرهم. لكن غالبية المصريين على المستويين السياسي والاجتماعي يرون أن القانون يهدف إلى «تنظيم» هامش الحريات وصونها من فوضى عارمة ضربت الحياة اليومية للمصريين عقب ثورة يناير؛ وأن القانون صدر لضرورة قهرية خلال فترة حساسة شهدت استغلال التظاهر للقيام بأعمال شغب وإرهاب، مؤكدين أن استقرار الحياة السياسية والاجتماعية لاحقا، مع انتهاء خطوات «خريطة الطريق» بانتخاب برلمان قوي وفعال، ربما يمهد لتطوير أو إلغاء القانون المثير للجدل.

وأظهر مرشحا الرئاسة، السيسي وصباحي، تقديرا كبيرا للقاضي المرموق منصور في أحاديثهما خلال الفترة الماضية، وخاصة في مجال الحديث عن حسن الإدارة والقبول بتولي المهمة الشاقة. وتؤكد مصادر قريبة من المرشحين لـ«الشرق الأوسط» عزم كل منهما؛ في حال فوزه بالمنصب الأبرز في الدولة، على تكريم الرجل بما يليق به خلال الفترة المقبلة عقب انتهاء مراسم أداء اليمين الدستورية.