فرنسا تعتقل منفذ الهجوم على المتحف اليهودي في بروكسل وبحوزته كلاشنيكوف وراية «داعش»

مهدي نينموش من أصول عربية وعاد من سوريا في مارس

وزيرة الداخلية البلجيكية جويل ملكويت تتحدث إلى وسائل الإعلام في بروكسل أمس بعد إعلان باريس القبض على منفذ الهجوم على المتحف اليهودي (إ.ب.أ)
TT

الصدفة وحدها أتاحت لرجال الجمارك الفرنسيين توقيف مهدي نينموش، فرنسي الجنسية من أصول عربية، في محطة سان شارل للقطارات بمدينة مرسيليا الفرنسية المتوسطية، لحظة نزوله من حافلة للركاب قادمة من أمستردام عبر بروكسل. فما كان يبحث عنه رجال الجمارك عادة هو المخدرات، ولكنهم فوجئوا عند تفتيشهم حقيبة الظهر التي كان يحملها باحتوائها على رشاش كلاشنيكوف ومسدس وذخائر صالحة للاستعمال وكاميرا مهنية. ولكن الأهم أنهم عثروا داخلها على قبعة «كاسكيت» شبيهة بتلك التي كان يرتديها مرتكب الهجوم على المتحف اليهودي في العاصمة البلجيكية يوم 24 مايو (أيار).

توقيف مهدي نينموش جرى يوم الجمعة (30 مايو)؛ أي بعد ستة أيام من العملية التي حصلت في المتحف اليهودي والتي قتل فيها أربعة أشخاص؛ بينهم إسرائيلي وزوجته وسائحة فرنسية وحارس المتحف. ومنذ ذاك الوقت، كانت الأجهزة الأمنية الأوروبية معبأة للعثور على القاتل الذي ارتكب فعلته في وضح النهار وتحت أعين كاميرات المراقبة. وبحسب ما أظهرته الصور، أنه أخرج رشاش كلاشنيكوف من حقيبته وأطلق النار عدة مرات قبل أن يهرب سيرا على الأقدام.

القضية شغلت الرأي العام ووسائل الإعلام الفرنسي بحيث تحولت إلى أول خبر في نشرات الأخبار. ليس فقط لأن نينموش تحوم بشأنه ظنون قوية بأنه مرتكب الاعتداء في بروكسل، بل بسبب مسار هذا الرجل البالغ من العمر 29 سنة: هو مسلم ومن أصول مهاجرة. وبعد طفولة صعبة في مدينة روبيه العمالية الواقعة شمال باريس، دخل السجن لمدة أربع سنوات بسبب جنح مختلفة «سرقة، مخدرات...». بيد أن الأهم من ذلك، أنه انتقل إلى سوريا في عام 2013 وانضم على ما يبدو إلى منظمات جهادية قبل أن يعود إلى فرنسا.

تمثل حالة نينموش أوضح صورة للمخاوف التي تعتري المسؤولين الأمنيين والسياسيين في فرنسا وأوروبا إزاء ظاهرة المواطنين الأوروبيين أو المقيمين على الأراضي الأوروبية «تحديدا فرنسا، بلجيكا، هولندا وبريطانيا» الذين يذهبون لسوريا للقتال في صفوف الجهاديين ثم يعودون إلى بلدانهم الأصلية. والخوف الأكبر أن يعمد هؤلاء إلى ارتكاب أعمال إرهابية بعد أن يكونوا قد تدربوا على استخدام السلاح والمتفجرات خلال إقامتهم بمعسكرات التدريب في سوريا أو غيرها. وعمدت فرنسا قبل نحو الشهر إلى إقرار خطة شاملة للتعاطي مع هذه الظاهرة، كما عقدت اجتماعات أمنية في باريس ولندن وبروكسل لتوثيق التعاون بين الأجهزة الأوروبية لمواجهة مخاطر هذه الظاهرة.

وتؤكد المصادر الأمنية أن نينموش كان قيد الرقابة من قبل المخابرات الداخلية، وكان معروفا أنه عاد من سوريا في مارس (آذار) الماضي. لكن أثره فقد ونجح في التنقل بحرية بين فرنسا وبلجيكا وهولندا ذهابا وإيابا قبل أن يقع في قبضة الجمارك الفرنسية. وبحسب مصادر أمنية فرنسية، فإنه تحول إلى إسلامي راديكالي خلال فترة سجنه في مدينة صالون دو بروفنس (جنوب) بسبب عملية سطو مسلح. وتتساءل المصادر الأمنية عن الأسباب التي جعلته يحتفظ ببندقية كلاشنيكوف التي يظن أنه استخدمها في عمليته وبكاميرا قد تكون تحوي عناصر تثبت مسؤوليته عن العمل. وبحسب معلومات الصحافة البلجيكية، فإن المعتدي ربط الكاميرا بأمتعته، مما يوحي بأنه كان يصور عمليته. وبدا من خلال تصريحات الرسميين أن القضاء البلجيكي واثق تماما بأنه الشخص الذي شن عملية بروكسل. وسيبقى نينموش رهن التحقيق يومين إضافيين بسبب علاقته بـ«عمل إرهابي»، وبذلك تستطيع الشرطة الاحتفاظ به موقوفا حتى يوم الخميس المقبل.

وسارع الرئيس فرنسوا هولاند إلى التعليق على نبأ الاعتقال ليؤكد أن الدولة الفرنسية واقفة بالمرصاد للجهاديين العائدين من سوريا. وقال هولاند بمناسبة زيارة له إلى منطقة النورماندي: «سنحاربهم، سنحاربهم، سنحاربهم». ووعد بتوسيع الخطة الحكومية التي أقرت في أبريل (نيسان) الماضي، وذكر بأن نحو 700 فرنسي معنيين بالجهاد في سوريا، مما يجعل منهم أول مجموعة أوروبية على علاقة بالحرب هناك.

وتأتي حالة نينموش لتذكر بحالة محمد مراح الذي اغتال قبل سنتين سبعة أفراد؛ بينهم أربعة من اليهود في إحدى مدارس الطائفة اليهودية بمدينة تولوز (جنوب فرنسا). وكان مراح تنقل بين باكستان وأفغانستان قبل أن يعود إلى فرنسا، وقتل الأخير الذي كان على اتصال بالمخابرات الداخلية الفرنسية، بعد أن حاصرته قوات الأمن في شقة.

ونقل نينموش إلى مقر الشرطة في مدينة لوفالوا، وهي ضاحية تقع غرب العاصمة حيث استجوب هناك. ووفق معلومات صادرة عن المدعي العام في باريس ونظيره في بروكسل وأخرى تناقلتها الوسائل الإعلامية الفرنسية، فإن الجمارك عثرت على راية تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وعلى مقاطع فيديو يتحمل فيها مهدي نينموش المسؤولية عن العملية. ويبدو أن الأخير عمد خلال عودته من سوريا إلى محاولة التغطية على إقامته هناك عبر المرور في ماليزيا وسنغافورة وبانكوك، لكنه في النهاية وقع في قبضة الشرطة.