طهران تلوح برغبتها في تمديد المحادثات مع القوى العالمية ستة أشهر أخرى

الخارجية الفرنسية: ما يهمنا مضمون الاتفاق والضمانات الإيرانية بشأن برنامجها النووي أكثر من تاريخ إنجاز الاتفاق

الرئيس الإيراني حسن روحاني ونظيره التركي عبد الله غل لدى حضورهما منتدى الأعمال التركي ـ الإيراني في أنقرة أمس (أ.ف.ب)
TT

حذرت الولايات المتحدة من خيارات صعبة إذا لم يجر التوصل إلى نتائج ملموسة في المحادثات التي جرت أمس بجنيف بين الوفد الأميركي والوفد الإيراني حول البرنامج النووي الإيراني. وطالب الوفد الأميركي المشارك في المحادثات بالتزامات إيرانية قوية من شأنها أن تضمن أن رغبة إيران في مواصلة برنامجها النووي هي لأغراض سلمية فقط، وليس تغطية لمحاولات سرية لتصنيع سلاح نووي.

وشهدت الاجتماعات المغلقة، التي استمرت أول من أمس وأمس، محاولات حثيثة لإيجاد أرضية مشتركة بين طهران وواشنطن، وسط مخاوف من تعذر التوصل إلى اتفاق قبل حلول الموعد النهائي في العشرين من يوليو (تموز) المقبل. بينما لوحت إيران برغبتها في تمديد المحادثات لمدة ستة أشهر أخرى بعد الموعد النهائي، إذا تعثرت المحادثات بسبب المطالب الغربية بقيام إيران بتفكيك المكونات الأساسية للبنية التحتية النووية لديها.

ويرأس الوفد الأميركي في تلك المحادثات اثنان من كبار المسؤولين الكبار في الخارجية والبيت الأبيض؛ هما ويليام بيرنز نائب وزير الخارجية الأميركي، وجيك سوليفان مستشار البيت الأبيض.

وهناك مسألة خلافية معلقة أخرى؛ هي مدة الاتفاق الشامل الذي يمكن التوصل إليه في المحادثات الرسمية في العشرين من يوليو المقبل، حيث تفضل الولايات المتحدة أن يكون ثلاث سنوات، بينما تسعى إيران للتوصل إلى اتفاق شامل أقصر بكثير. وتشعر واشنطن أيضا بالقلق من قدرات إيران في مجال الصواريخ الباليستية ومداها، وهي إحدى النقاط التي جرت مناقشتها في المحادثات.

وفي نهاية اليوم الأول، أعلن كبير المفاوضين الإيرانيين، عباس عراقجي، أن المحادثات كانت إيجابية وبناءة، وألقى الكرة في ملعب الوفد الأميركي قائلا: «إن الأمر يتوقف على ما إذا كانت الولايات المتحدة على استعداد لاتخاذ الخطوة التالية لقبول حل معقول يحقق الفوز لكلينا».

بينما أكد الوفد الأميركي أن الطرفين ما زالا يناقشان القضايا المهمة، ونقلت «رويترز» عن مسؤول أميركي رفيع المستوي قوله: «من أجل اختبار ما إذا كان التوصل إلى حل دبلوماسي بشأن البرنامج النووي الإيراني ممكنا، نعتقد أننا بحاجة اللي الانخراط في دبلوماسية نشطة جدا وعدوانية جدا».

واعترفت واشنطن بأن الوقت بدا ينفد، وقالت ماري هارف المتحدثة باسم الخارجية الأميركية: «نعتقد أننا حققنا تقدما في بعض الجولات، لكن الجولة الأخيرة نرى أنها غير كافية، ولم نشهد فيها قدرا كافيا من الواقعية». وأضافت: «نعلم أن الوقت المتبقي ليس كبيرا، لذا نشير إلى أهمية تكثيف الجهود الدبلوماسية، وعلينا اتخاذ قرارات صعبة قبل موعد العشرين من يوليو».

من جهته، قال أستاذ القانون الدولي في جامعة طهران الدكتور علي بيكدلي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أمس: «وصلت كافة الأطراف، خلال الجولة الرابعة من المفاوضات النووية، إلى نتيجة مفادها أن إيران والولايات المتحدة هما المشكلة الرئيسة في تعذر إحراز التقدم في المفاوضات النووية. لذلك، فعلى الطرفين حلحلة القضايا العالقة بينهما، وهذا ما أكده وزير الخارجية الألماني. اعتمدت آشتون وظريف دبلوماسية سرية في إسطنبول، مما أدت إلى استئناف جولة جديدة من المفاوضات المباشرة بين إيران والولايات المتحدة».

وأضاف بيكدلي: «ويبذل أوباما كافة جهوده لتتوج المفاوضات بنتيجة مقبولة حتى الشهر المقبل، أي قبل إجراء انتخابات الكونغرس. يملك الطرفان الإرادة لحلحلة المشكلة، ولكن الجانبين عليهما خفض سقف التوقعات. تطالب أميركا إيران بخفض عدد أجهزة الطرد المركزي إلى أربعة آلاف جهاز، في حين تقول إيران بأنها بحاجة إلى 85 ألف أجهزة للطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم بهدف الاستهلاك المحلي».

واختصر موقف باريس في أنه «ليس المهم متى يجري التوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، بل المهم مضمونه وما إذا كان يوفر الضمانات الكافية للتأكد من أنه برنامج نووي سلمي».

وحرصت الخارجية الفرنسية، بلسان رومان نادال، الناطق باسمها، على تأكيد أن اللقاءات الثنائية «تجري بشفافية كاملة وبالتنسيق بين الستة» الذين يتفاوضون مع إيران، مضيفة أن طهران هي التي طلبت حصول هذه اللقاءات. وحتى هذا الأسبوع، كانت اللقاءات الثنائية تحصل على هامش الاجتماعات العامة. وبحسب باريس، فإن الستة «يتبادلون المعلومات والتحليلات»، وسيسبق لقاءات فيينا المنتظرة من الـ16 حتى الـ20 من الشهر الحالي اجتماع تنسيقي في فيينا بين ممثلي البلدان الستة (البلدان الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) برئاسة وزيرة الخارجية الأوروبية كاترين آشتون لتقييم التقدم الذي حصل تهيئة للجولة الجديدة من المفاوضات التي ستجرى في العاصمة النمساوية والتي يفترض بها أن تكون حاسمة.

وأكدت مصادر أوروبية، تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، أن «مشاكل جوهرية» ما زالت بعيدة عن الحل ومن ثم فإنها تعد نسبة النجاح في التزام المهلة المقررة «ضعيفة جدا». والمعروف أن الاتفاق المرحلي الموقع في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي لحظ إمكانية تمديد المرحلة الانتقالية ستة أشهر إضافية، أي حتى العشرين من شهر يناير (كانون الثاني) المقبل.

بيد أن هذه المصادر ترى أن «فوائد» التوصل إلى اتفاق قبل نهاية الفترة الأولى «كثيرة»، وأهمها أنها تسبق الانتخابات النصفية الأميركية، حيث تتخوف من أن يقع الكونغرس الأميركي بمجلسيه تحت سيطرة الجمهوريين أو أن يفضي إلى وجود تكتل أكثري معارض للتوقيع على الاتفاق.

حتى الآن، يبدو أن هناك عقبتين رئيستين ما زالتا موضع أخذ ورد بين المفاوضين، الأولى تتمثل في الاختلاف على عدد الطاردات المركزية التي يحق لإيران الإبقاء عليها، والثاني خاص بالبرنامج الباليستي الإيراني. وفي المقابل، فإن الطرفين حققا تقدما «جوهريا» بالنسبة لمصير مفاعل آراك المصمم لكي يشغل بالمياه الثقيلة والقادر على إنتاج البلوتونيوم، الذي يفضي، كما اليورانيوم المخصب، إلى إنتاج القنبلة النووية. وبالنسبة للمسألة الأولى، قال الوزير لوران فابيوس، في حديث إذاعي أمس، إن الستة «يمكن أن يقبلوا بوجود عدة مئات» من الطاردات المركزية لتخصيب اليورانيوم، بينما الجانب الإيراني يطالب بـ«عدة مئات من الآلاف» من الطاردات. وبحسب فابيوس، «لا فائدة ترجى من عدة مئات من آلاف الطاردات، إن لم يكن الغرض الحصول على القنبلة» النووية.

الواقع، أن الرقم الذي أشار إليه فابيوس لم يسبق أن جاء على لسان أي مسؤول إيراني أو في أي تقرير للوكالة الدولية للطاقة النووية التي تراقب البرنامج النووي الإيراني. وسبق لطهران أن أعلنت رسميا في أغسطس (آب) الماضي أنها تملك 18 ألف طاردة، منها عشرة آلاف قيد التشغيل وسبعة آلاف جاهزة للتشغيل، فضلا عن ألف طاردة من الجيل الثاني الذي يمكن استخدامه لتخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة في موقع فوردو. ولذا، فالمرجح أن يكون فابيوس قد أراد التحدث عن «عدة آلاف» وليس عن «عدة مئات من الآلاف» من الطاردات. واحتدام الجدل حول أعداد الطاردات وليس على التخصيب، يعني عمليا أن الغربيين قد قبلوا بمبدأ قدرة إيران على الاحتفاظ بنسبة معينة من التخصيب، التي يفترض أن تكون تحت رقابة دولية، بينما كانوا يؤكدون في السابق أن معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي التي وقعتها إيران أيام الشاه «لا تعطيها الحق في التخصيب»، بينما تؤكد إيران العكس.