الفيصل: اتهام المالكي للسعودية بدعمها للإرهاب مدعاة للسخرية

وزير الخارجية يؤكد أن الخلافات الخليجية لن تؤثر على التصدي للإرهاب

الأمير سعود الفيصل خلال مؤتمر صحافي عقب اختتام أعمال مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية في جدة أمس، ويبدو في الصورة إياد مدني الأمين العام لمنظمة التعاون الاسلامي (واس)
TT

قال الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، إن اتهام نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي، للسعودية بأنها راعية للإرهاب، مدعاة للسخرية، مبينا أنه لو كانت لبلاده نصيحة للمسؤول العراقي في القضاء على الإرهاب داخل العراق، فهي أن يتبع السياسة التي تسير عليها السعودية، دون أن يتهمها بالإرهاب.

وأوضح الفيصل، خلال مؤتمر صحافي عقب اختتام أعمال مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية للدورة الـ41 في جدة أمس، أن الاتهامات التي سمعها من العراق، وتحديدا من رئيس الوزراء، يتهم فيها المملكة بأنها راعية للإرهاب «مدعاة للسخرية، وهي تأتي في أعقاب البيان الذي صدر من المملكة بشأن تجريم الإرهاب خاصة (داعش)». وقال وزير الخارجية السعودي «أعتقد أكثر بلد عانى من الإرهاب وكافح الإرهاب، ومستمر في مكافحة الإرهاب، وأوجد قواعد وأسس التعاون الدولي للقضاء على الإرهاب، هو السعودية. وإذا كانت لنا نصيحة للمسؤول العراقي للقضاء على الإرهاب في بلاده، فهي أن يتبع السياسة التي تتبعها المملكة ولا يتهمها بأنها مع الإرهاب. الإرهاب هو في المكان الذي ينجح فيه، والحمد لله بلادنا الآن نظفت من هذا الوباء، وعسى ألا يأتينا شيء من جيراننا».

وبشأن ما يتعلق بسعي حكومة نوري المالكي للذهاب إلى القانون الدولي للتعامل مع موقف السعودية، ذكر الأمير سعود الفيصل «بالنسبة للتصريحات واللجوء إلى المحاكم بالنسبة للإرهاب، أعتقد أنه يجب أن ينتبه لما يقول. عليه هو دعاوى في بلده من العراقيين، حول هذا الموضوع، وهو الذي سمح للأحزاب بأن تمتلك ميليشيات، وما هى هذه الميليشيات المذهبية.. فماذا تعمل هذه الميليشيات؟ هو الذي أجج هذه الأمور الطائفية، فإذا كان أحد سيقاضى، فهو أولى أن يقاضى من أي أحد آخر».

وفي سؤال حول تهديد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) لأمن الخليج، وكيف تنظر دول الخليج لمثل هذه التهديدات في ظل وجود بعض الخلافات الخليجية الخليجية، أشار وزير الخارجية إلى أن بلاده مستعدة لهذه الجماعات بكل الإمكانيات، وقال «نحن ننظر للجماعات الإرهابية بكل ريبة وحذر، ونستعد لها بكل الإمكانيات، وهو وباء لا يستشري في الجسد العربي، لكنه عالمي ولنا خبرة طويلة معه».

وذكر الأمير الفيصل حيال مبادرة خادم الحرمين الشريفين بإنشاء مركز حوار بين المذاهب الإسلامية، أن ذلك في طور الإنشاء الآن، كما أعلن الغرض منه، وهو أن يكون هناك حوار ونقاش بين المذاهب وتقريب ما يمكن تقريبه. وبشأن التعاون بين منطقة آسيا الوسطى ومنظمة التعاون الإسلامي، قال وزير الخارجية السعودي إن المؤتمر الإسلامي قائم لهذا الغرض، ولديه اتصالات وثيقة مع هذا الجزء من العالم، وهنالك بلدان عربية عقدت اجتماعا مؤخرا مع بلدان آسيا الوسطى، وكان القصد من ذلك الاجتماع هو تعزيز التعاون بين الطرفين، مضيفا أن النقاش ما زال مستمرا ويخطو بخطى حثيثة. وأضاف أنه «في غضون سنوات قليلة ستنمو التجارة والاستثمار بين المنطقتين، حيث إن كلتا المنطقتين تنعم بموارد وتشهد أسرع نمو اقتصادي في العالم»، لافتا إلى الاستعداد للانطلاق في مثل هذا النوع من التعاون.

وفي سؤال حول حدوث خلافات بين بعض الدول الإسلامية، أثرت على سير المباحثات في هذا المؤتمر، قال الأمير سعود الفيصل إن «المشاكل تجعل دول المنطقة ملزمة بأن تتأهب لمجابهة هذه المشاكل، وإن الأسباب الحقيقية لوجود هذه المشاكل خاصة في الدول العربية هي أنه كلما انتهت المشكلة من بلد انتقلت إلى بلد آخر، وهكذا إلى أن تعم العالم العربي». وأفاد بالقول «علينا أن نتبصر مشاكلنا ونهيئ مؤسساتنا لأن نواجه هذه المشاكل بطريقة مدروسة ومحكمة».

وفي ما يخص المتطرفين والتدخلات الخارجية في مختلف دول العالم الإسلامي، قال وزير الخارجية السعودي «الحقيقة لا يمكن أن نقول إن المشاكل فقط من المنطقة، فهناك تدخلات خارجية في كل هذه المشاكل تستغل ضعف الدول العربية في الوقت الراهن وتجني ثماره، والمكاسب التي تحصل عليها خسائر لنا، وإذا ما التففنا حول بعضنا وتعاملنا بالصدق والجدية المطلوبة وتكاتفنا مع بعضنا وأصبحت كل دولة تثق بالدولة الأخرى كما تثق بنفسها، فإننا سنصمد أمام هذه التحديات ونستطيع أن نواجهها».

وأضاف أن «المطلوب من الدول العربية هو أن تلتف حول بعضها بعضا، وهذا يعبر عن مدى حرص خادم الحرمين الشريفين على ضبط الوضع في الدول المهمة في العالم العربي، ويفسر الموقف الصلب الذي يقفه مع مصر الشقيقة لأنها هي عماد من أعمدة الصمود العربي»، مشيرا إلى أن ذلك ما يجعله حريصا على إنهاء المشكلة في سوريا وفي العراق حتى تكون هذه الدول التاريخية من ركائز الصلب العربي لمواجهة التحديات هذه كلها في مجال الهدف الذي ترمي إليه وتسعى إليه الدول العربية بإمكانياتها وجميع طاقاتها لتواجه القضايا. واستطرد الفيصل بأن الدول العربية لا تشكو فقط من الأمور الداخلية، لكن هناك تعديات خارجية على الدول العربية يجب صدها.

ويرى وزير الخارجية السعودي أن الخلافات الخليجية لن تؤثر على قدرة الدول الخليجية في التصدي للإرهاب، وقال «لا أعتقد ذلك، لأن الدول الخليجية تتعاون في إطار الإرهاب، وهذا من مصلحتنا جميعا، وليس هناك خلاف على هذا الموضوع وإنما الخطر هو نمو الإرهابيين في الدول المجاورة، وهذا الذي يهدد الانتقال لدول الخليج.. هنا يجب أن تكون هناك مخططات لدول مجلس التعاون الخليجي، والعمل بقدر ما يمكنها، وعندها إمكانيات وخبرة لمكافحة هذه الآفة».

وفي ما يتعلق بموقف السعودية من طلب وزير الخارجية العراقي بالأمس من الولايات المتحدة توجيه ضربات إلى «داعش»، وهل هذه تعد ثورة ضد حكومة المالكي، أوضح سعود الفيصل أن «داعش» مجموعة إرهابية وسمّتها السعودية كذلك، كما جاء ذلك في إعلان صدر عن السعودية حيث وضعتها بوضوح ضمن قائمة المجموعات الإرهابية. وقال «لا نرى أن ذلك يأتي في إطار ثورة شعبية تعكس إرادة الشعب العراقي، حيث إنهم وجدوا مكانا في العراق بسبب أعمال الحكومة العراقية التي رسخت الطائفية وعاملت الشعب معاملة غير متساوية وأخضعته لعقوبات فظيعة بسبب انتقاده لرئيس الوزراء الذي جمع السلطة كلها في يده، مما أدى إلى إحباط جهود القوى العراقية في التصدي لتحدي الإرهاب، ولكن ما من أحد يستطيع أن يفترض إلا أن (داعش) مجموعة إرهابية، فهي ليست منقذة للعراق وإنما هي مدمرة له، وهي لا تبني البلاد بل تدمرها».

وأضاف «القضاء على (داعش) أول شيء، وقبل كل شيء أن يكون الإنسان واثقا من عمله في بلده.. كل ما يجب عليه أن يعمل للمواطن ولمصلحة المواطن ولالتئام الناس مع بعضهم البعض لتقوية الرابط الاجتماعي الذي يربط الوضع الداخلي بحيث يكون وثيقا، وأن يكون محصنا. وإذا ما سلم الجسد أمكن مكافحة الوباء، فالإرهاب وباء، فكره وباء، وعمله وباء، والمملكة موقفها لا غبار عليه ضد الإرهاب.. لا أحد يستطيع أن يقول إن هناك أحدا يحارب الإرهاب أكثر مما تحاربه المملكة. وبالنسبة لوضع الرعايا السعوديين في العراق؛ ففي الحقيقة نحن متابعون له، لكن للأسف لا نجد إلا مماطلة، يعدون ويخلفون، ولا ندري ما هي التهم الموجهة لهم، ولا هم راضون بأن يعطونا السبيل لمقابلتهم، وبالتالي وضعهم مؤلم».

وفي ما يخص دعوة خادم الحرمين الشريفين لعقد مؤتمر لأشقاء وأصدقاء مصر للمانحين، أبان الفيصل أن «هناك تجاوبا، حيث إن الموجودين تحدثوا وأيدوا هذه الدعوة»، متوقعا أن يكون هناك «تضامن كبير مع الشقيقة مصر، حيث إن هذا ليس بمستغرب في حقيقة الحال لما لمصر من تأثير في الساحة العربية والساحة الأفريقية والساحة الدولية، وكل الناس يتمنون الخير لها، حيث إنها بلد إشعاع، والمساعدات التي تأتي لمصر وتنمو فيها ستعم المنطقة وستفيد غيرها من الدول».

وقال وزير الخارجية السعودي «إنه نظرا لما تشهده الساحة السورية من تدهور شديد نتيجة لفشل المجتمع الدولي في وضع حد لهذه الأزمة وامتدادها لتطال العراق وتعمق حالة الاضطراب الداخلي السائد به أصلا، والتي تنذر بمخاطر كبيرة نتيجة للسياسات الطائفية التي يعيشها، من الطبيعي أن يحظى هذا الأمر باهتمام المؤتمر، في إطار السعي نحو درء الفتن المذهبية وتحقيق اللحمة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد بمختلف مكوناته، وعلى مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات في ما بينهم، مع تأكيد الاجتماع على الوقوف صفا واحدا في محاربة السياسات الطائفية والمذهبية الإقصائية التي أدت إلى ظهور الفتن على المشهد السياسي لبعض الدول وهددت أمنها واستقرارها وسيادتها بل وهويتها».

وأضاف الفيصل «تظل القضية الفلسطينية هي القضية المحورية للأمة الإسلامية، وقد حظيت بشرح واف من فخامة الرئيس محمود عباس، ونقاش مستفيض في المؤتمر، وفي ظل رفض إسرائيل لكل جهود السلام واستمرارها في نهجها المتعنت، وابتلاعها للمزيد من الأراضي الفلسطينية ببناء المستعمرات، والمضي قدما في إجراءات التهويد، وانتهاك القدس الشريف ومحاولة تغيير الوضع الجغرافي والديموغرافي»، مضيفا أن الإعلان الصادر عن المؤتمر أكد الثوابت الرئيسة للعالم الإسلامي التي ينبغي أن تشكل أساسا لأي جهد دولي لحل القضية الفلسطينية وفق مقررات الشرعية الدولية ومبادئها، ومبادرة السلام العربية لبلوغ أهداف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

وأكد الأمير سعود الفيصل أن من أبرز المواضيع التي ناقشها المؤتمر التأكيد على إدانة الإرهاب بأشكاله وصوره كافة، وأيا كان مصدره، وذلك علاوة على الرفض التام لكل أشكال الغلو والتطرف، وأهمية التصدي للفكر الضال المؤدي إليه والمنافي للقيم الإسلامية الأصيلة الداعية إلى الوسطية والانفتاح والتسامح والحوار والتعددية.

وأشار وزير الخارجية السعودي إلى إدانة المؤتمر ورفضه لما تتعرض له الأقليات المسلمة في عدد من دول العالم من سياسات عنف وتمييز وتطهير عرقي ضدها في كل من ميانمار وأفريقيا الوسطى وغيرهما من الدول، ومطالبة المؤتمر للمجتمع الدولي بالاضطلاع بمسؤولياته في حماية هذه الأقليات، والتصدي لكل أشكال الكراهية ضد الإسلام في مختلف المحافل الدولية.

وفي ما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والثقافية، أبان الفيصل في كلمته «كان لها نصيب وافر في مناقشات المؤتمر، وفي سياق الدور المنوط به في استشراف مجالات التعاون الإسلامي، حيث جرى استعراض التحديات التنموية التي تواجهها بلدان العالم الإسلامي، وما يتطلبه الأمر من مراجعة وتقييم البرامج والخطط القائمة، بما في ذلك إعادة صياغة الأولويات على ضوء المستجدات، وفي إطار تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الأعضاء، والمساعي الهادفة إلى إضفاء الصبغة المؤسسية على هذا التعاون».