«داعش» يخلط أوراق الفصائل المسلحة في العراق

التنظيم رأس الحربة في عملية تضم البعثيين وعناصر الجيش السابق وعشائر

TT

جاء اعتراف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بأن ما حصل في الموصل «نكبة»، ولكنه ليس «هزيمة»، بمثابة محاولة، حتى وإن بدت متأخرة بالنسبة لطيف واسع من السياسيين والفعاليات الاجتماعية والأكاديمية والعشائرية في العراق، لإعادة النظر في السياسة التي جرى اتباعها من قبل الحكومة العراقية منذ عام 2003. تلك السياسة التي لم تنهض على أسس حقيقية من المصالحة الوطنية وأدت إلى تفجر الأوضاع في المناطق والمحافظات الغربية من العراق.

صحيح أن الفصائل التي تشكلت على أساس قاعدة المقاومة للاحتلال الأميركي، مثل «الجيش الإسلامي»، و«كتائب ثورة العشرين»، و«جيش المجاهدين»، و«جيش محمد»، و«جيش رجال الطريقة النقشبندية»، و«المقاومة الإسلامية»، وجدت نفسها تقاتل في جبهة واحدة مع تنظيم القاعدة بزعامة أبو مصعب الزرقاوي (قتل عام 2006) ومن ثم أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المصري (قتلا عام 2011)، إلا أنها دائما تحاول تمييز نفسها عن تنظيم القاعدة بوصفها لديها مطالب يمكن التفاهم عليها.

الحكومة العراقية، رغم تبنيها مسألة المصالحة الوطنية وتخصيصها لها حقيبة وزارية (حكومة المالكي الأولى 2006 - 2010) ومن ثم تحولت إلى مستشارية للمصالحة في الحكومة الحالية، فإن المشكلة الأساسية التي تواجهها هي أنه في الحالتين كان هناك خلط في الأوراق والمفاهيم بين الإرهاب والتمرد. وفي هذا السياق، يقول خبير عسكري عراقي يحمل رتبة لواء ركن في الجيش العراقي السابق في حديث لـ«الشرق الأوسط» طالبا عدم الإشارة إلى اسمه إن «النكبة التي حصلت أخيرا، التي تمثلت بقدرة (داعش) ومن معها على احتلال الموصل وصلاح الدين ومناطق واسعة أخرى من البلاد لم تكن صدفة على الإطلاق، إلا من حيث التوقيت وعدم قدرة الجيش على المقاومة».

ويضيف الخبير العسكري: «إننا لا نريد العودة كثيرا إلى الوراء، لا سيما المرحلة التي كانت تقاتل فيها فصائل مسلحة لا تستهدف سوى الاحتلال الأميركي، والتي كان يجري خلطها مع (القاعدة) التي كانت تستهدف الجميع»، وعدّ أن «هذا الخلط بين فصائل لديها مطالب أهمها إخراج الاحتلال، وليس قتل الناس على الهوية، مثلما فعلت (القاعدة) ونظيراتها الميليشيات المعروفة بعد عام 2006 وإلى اليوم في مناطق كثيرة من البلاد، هو الذي أدى إلى ما وصلت إليه الأمور الآن، وكان يمكن إيجاد حل لها عند بدء الاحتجاجات في المحافظات الغربية الخمس أواخر عام 2012».

ويرى الخبير العسكري أن «عدم التمييز بين التمرد الذي تمثله العشائر وبعض الفصائل المسلحة، ومنها المجلس العسكري الذي يتكون من ضباط من الجيش السابق، والإرهاب ممثلا بـ(القاعدة) من قبل و(داعش) اليوم، هو الذي أسس لكل هذه التداعيات التي تتحمل الحكومة الحالية الجانب الأكبر منها».

بدوره، يرى الخبير الأمني الدكتور معتز محيي الدين في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «الجماعات الإرهابية تمكنت، وعبر سنوات، من الاستيطان في مناطق بعيدة عن المدن نسبيا، بدءا من صحراء الأنبار والثرثار وضواحي تكريت وجبال حمرين وغيرها من المناطق التي نجحت في الاستمكان فيها، بينما كانت معظم الفصائل المسلحة داخل المدن لأن لديها مطالب مشروعة في كثير منها وتحتاج إلى من يلبيها من الجهات الرسمية».

ويضيف محيي الدين أن «الخلل الكبير الذي حصل تمثل في عدم قدرة القوات الأمنية على حسم معركتها ضد الإرهاب خارج المدن، بالإضافة إلى أن الجماعات الإرهابية تستطيع أن تقاتل في عدة جبهات ومن خلال عدد قليل من المقاتلين قد لا يزيد بعضهم عن عشرة أشخاص، ولا يهم أن يقتلوا أو يعودوا، وهذا جزء من استراتيجيتها في الهجمات».

وبالعودة إلى الخبير الاستراتيجي، فإنه يرى أن «العملية الكبيرة التي حصلت في الموصل وتكريت ربما لم تكن في البداية بأعداد كبيرة لكن المهاجمين اعتمدوا على مسألتين؛ الأولى أن هناك أرضية شبه مناسبة في هذه المدن، وتتمثل في الاحتجاجات الشعبية وعدم رضا غالبية الناس عن سياسة الحكومة، وهو ما وفر لهم بيئة مناسبة، والثانية هي أن المؤسسة العسكرية العراقية لا تملك القدرة الاستخباراتية الكاملة التي من شأنها الاستشعار عن بعد ومعرفة قوة الخصم وضعفه، وهو ما أدى إلى ما عدته الحكومة العراقية نفسها نكبة، وهي بالتأكيد مؤلمة لنا كعسكريين».

وفي هذا الإطار، وبعد سقوط الموصل وتكريت، بالنسبة لحسابات الحكومة العراقية، فإن العدو الذي تواجهه هو «داعش» بينما يرى خصوم المالكي حتى من بين السياسيين أن «داعش» يمكن أن تكون رأس حربة في الهجوم، لكن هناك فصائل وجهات لم تصنف نفسها على أنها «داعش»، ومنهم ثوار العشائر والمجلس العسكري.

وفي آخر كلمة لرئيس الوزراء العراقي، أول من أمس (الأربعاء)، دعا العشائر إلى إعلان البراءة مما يسمى بـ«ثوار العشائر». وفي الوقت نفسه يجري تصنيف المجلس العسكري على أنه جزء من «داعش».

وفي سياق المواجهة الحالية، فإنه يمكن تقسيم الفصائل التي تواجه الحكومة العراقية إلى قسمين رئيسين ينتمي الأول إلى مرحلة ما قبل الانسحاب الأميركي من العراق، أواخر عام 2011. وهي «القاعدة» و«جيش المجاهدين» و«كتائب ثورة العشرين» و«الجيش الإسلامي»، والثاني ينتمي إلى مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي وتداعيات ما حصل في سوريا وهي «داعش» و«ثوار العشائر» و«رجال الطريقة النقشبندية»، و«البعثيون» (حزب العودة) و«المجلس العسكري».

وبالقياس إلى ما حصل في الموصل وصلاح الدين، فإن تنظيم «داعش» كان ولا يزال هو رأس الحربة في العمليات العسكرية. ومع أن هذا التنظيم يبسط سيطرته في معظم المحافظات الغربية، فإن الخارطة التنظيمية والسياسية له تختلف من منطقة إلى أخرى؛ ففي الوقت الذي تنشط خلاياه في الموصل (400 كلم شمال بغداد) وعبر الجزيرة والبادية، فإن البعثيين ورجال الطريقة النقشبندية هم الأكثر حضورا في محافظة صلاح الدين (180 كلم شمال بغداد)، بينما المجلس العسكري وثوار العشائر هم الأكثر حضورا في محافظة الأنبار (مائة كلم غرب بغداد).

والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل لدى هؤلاء تنسيق فكري أو عملياتي؟

طبقا للأهداف والشعارات المرفوعة، فإن هناك اختلافا واضحا بين «داعش» وبقية الفصائل؛ فالأول أعلن بصراحة أنه يسعى إلى مقاتلة الشيعة، الأمر الذي استفز مراجع الشيعة الكبار الذين أصدروا فتوى الجهاد الكفائي (فتوى السيستاني)، بينما الفصائل الأخرى تسعى إلى إسقاط حكومة نوري المالكي، علما بأن بعض هذه الجهات (ثوار العشائر والمجلس العسكري) كانت مستعدة للتفاهم في إطار المظاهرات والاحتجاجات التي قدمت للحكومة العراقية نحو 14 مطلبا، في حين أن البعثيين ورجال الطريقة النقشبندية وما بقي فاعلا من كتائب ثورة العشرين وجيش المجاهدين لا تعترف بالعملية السياسية، والدستور الحالي، وتريد إعادة الأمور إلى ما قبل التاسع من أبريل (نيسان) عام 2003، وبالتالي فإنها الأكثر تصنيفا بوصفها من أعوان «داعش»، وقبلها «القاعدة» من قبل الحكومة العراقية.