«النصرة» تقود «حزب الله» إلى معركة «استنزاف» حدودية وتعيد ترتيب أوراق القلمون

«داعش» يسيطر على أكثر من 95 في المائة من دير الزور.. وإسرائيل تقصف مواقع نظامية

جانب من تشييع المقاتل في حزب الله» بلال كسرواني في ضاحية بيروت الجنوبية، أمس، بعدما لقي حتفه خلال معارك في سوريا (أ.ف.ب)
TT

قضى 16 مقاتلا بينهم سبعة من عناصر «حزب الله» اللبناني، أمس، إثر تجدد المعارك في منطقة القلمون بريف دمشق الشمالي، والتي وصفتها المعارضة السورية بأنها «معركة استنزاف حزب الله في الجرود» والمرتفعات الواقعة في المنطقة الحدودية مع لبنان. وتزامنت تلك التطورات مع انسحاب عدد كبير من مقاتلي جبهة النصرة وحلفائها من مدينة دير الزور في شرق سوريا، بموازاة تقدم مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» المعروف بـ«داعش».

وأكّد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» ارتفاع حصيلة القتلى في معارك بين «حزب الله» اللبناني مدعوما بمدفعية وطيران الجيش السوري من جهة، ومقاتلين من المعارضة السورية المسلحة بينهم جبهة النصرة من جهة ثانية، في منطقة حدودية بين لبنان وسوريا، إلى 16 قتيلا خلال 36 ساعة، موضحا أن بينهم سبعة قتلى في صفوف «حزب الله»، و31 جريحا في صفوفه، فيما أسفرت الاشتباكات عن مقتل تسعة مقاتلين من «جبهة النصرة» وإصابة 23 آخرين بجروح نقلوا إلى مستشفى ميداني في بلدة عرسال اللبنانية الحدودية مع القلمون، حيث تنتشر فيها عدة معابر وعرة وغير شرعية بين البلدين.

وارتفعت حصيلة القتلى في الساعات الأولى من فجر الاثنين، بعدما كانت اقتصرت في اشتباكات الأحد على ثلاثة قتلى، كما قال مصدر في «حزب الله» لوكالة الصحافة الفرنسية. وقال مسؤول أمني إن الاشتباكات «بدأت مساء السبت بين مقاتلين من (حزب الله) ومقاتلين من المعارضة في المنطقة الحدودية غير المرسمة بين سوريا ولبنان». وتعد هذا الخسارة البشرية هي «الأكبر» لـ«حزب الله» منذ استعادة السيطرة على كامل القلمون في أبريل (نيسان) الماضي. لكن المنطقة لم تشهد هدوءا، إذ اعتمد مقاتلو المعارضة على عمليات كر وفر، ونصب كمائن «بهدف استنزاف مقاتلي (حزب الله)»، كما قال مصدر قيادي بارز في المعارضة السورية بريف دمشق لـ«الشرق الأوسط»، مؤكدا أن وتيرة العمليات «تضاعفت قبل أسابيع قليلة» بعد منح جبهة النصرة لفصائل الجيش الحر في القلمون «الإجازة الشرعية بالفرار من المعركة»، وتولي النصرة «العمليات العسكرية وتنظيم صفوف المقاتلين وإدارة توزيع السلاح» في المنطقة.

وقال المرصد السوري إن المعارك تركزت بين بلدة عرسال اللبنانية ومرتفعات منطقة القلمون السورية، مشيرا إلى أن عناصر «حزب الله» خاضوا المعارك مع جبهة النصرة وكتائب معارضة في الجرود الواقعة بين بلدة رأس المعرة (السورية) وعرسال (اللبنانية).

وأوضح مدير المرصد رامي عبد الرحمن أن «قوة من (حزب الله) بادرت إلى الهجوم ليل السبت الأحد، وتمكنت من التقدم إلى تلة يوجد فيها مقاتلو المعارضة، إلا أن هؤلاء كمنوا للقوة، وتمكنوا من إيقاع عدد من القتلى في صفوفها قبل وصول تعزيزات للحزب وتصاعد حدة الاشتباكات»، مشيرا إلى أن «حزب الله» اللبناني «تمكن من أسر 14 مقاتلا معارضا».

وقالت مصادر المعارضة السورية لـ«الشرق الأوسط» إن مقاتلي «النصرة» كثفوا عملياتهم العسكرية قبل شهر، مستهدفين نقاط تجمع حزب الله ومقار عسكرية تابعة له في جرود رنكوس وسهلها ومنطقة فليطا الحدودية مع عرسال، مشيرة إلى مقتل «عناصر من (حزب الله) في عدة نقاط». ولفتت إلى أن مقاتلي «النصرة» نفذوا استراتيجية «إعادة ترتيب أوراق المعركة في القلمون»، وركزوا عملياتهم «في فليطا التي تبعد خمسة كيلومترات عن الحدود اللبنانية المتاخمة لعرسال، ورأس المعرة السورية»، وامتدت إلى «تلال رنكوس وسهلها والمنطقة الحدودية مع لبنان»، وهي المناطق التي تعرضت أمس لقصف جوي نفذته القوات السورية الحكومية، لدعم مقاتلي «حزب الله» في الميدان.

وقالت المصادر إن هذا الواقع، دفع «حزب الله» أول من أمس إلى «شن حملة عسكرية واسعة على الجرود، بهدف طرد مقاتلي المعارضة المقيمين في الكهوف والجبال»، بعدما تكرر استهداف نقاط الحزب العسكرية، ومواكبه في المنطقة. ويقول المرصد السوري لحقوق الإنسان وناشطون سوريون إن المئات من مقاتلي المعارضة لا يزالون مختبئين في تلال ومغاور وأودية في جبال القلمون الحدودية مع لبنان بعد انسحابهم من القرى والبلدات، وهم ينطلقون من هذه المخابئ التي يصعب على الجيش السوري اقتحامها، لتنفيذ عمليات مباغتة على مواقع وحواجز لقوات النظام و«حزب الله» في قرى القلمون. ورفع هذا التصعيد في المناطق الحدودية مع عرسال احتمالات أن يكون مقاتلو المعارضة يتخذون من جرود عرسال نقطة انطلاق لهم، على الرغم من نفي السكان وفعاليات البلدة المؤيدة للمعارضة السورية. وتلتقي تلك المعلومات مع ما قاله ناشط سوري على اتصال بالمجموعات السورية المقاتلة ضمن المعارضة المسلحة في منطقة القلمون لناحية أن جرود عرسال النائية عن المساحة المسكونة في البلدة والخالية تماما إلا من بعض المزارع والبيوت الزراعية، تشكل مكانا «للاستراحة وتجميع القوى» بالنسبة إلى مجموعات المعارضة المسلحة، إضافة إلى كونها ممرا للأدوية والمواد الغذائية والسلاح الخفيف، والجرحى الذين يسقطون في المعارك.

في غضون ذلك، أكد المرصد السوري انسحاب عدد كبير من عناصر الكتائب المقاتلة ضمن المعارضة السورية وبينها جبهة النصرة من مدينة دير الزور، شرق سوريا، بينما عمد مقاتلون آخرون من هذه الكتائب إلى مبايعة «الدولة الإسلامية». وبذلك، باتت الأحياء التي كانت توجد فيها هذه الكتائب تحت سيطرة «الدولة الإسلامية»، باستثناء بعض الجيوب، بينما الأحياء الأخرى تحت سيطرة القوات النظامية السورية. وباتت «الدولة الإسلامية» تسيطر على أكثر من 95 في المائة من مجمل محافظة دير الزور. وفي جنوب سوريا، تعرضت مواقع للقوات الحكومية السورية لقصف مدفعي إسرائيلي، إثر سقوط صاروخ أطلق من الأراضي السورية على الجزء الذي تحتله إسرائيل من هضبة الجولان مساء الأحد في أرض خلاء، من دون أن يسفر عن وقوع إصابات، بحسب ما أعلن الجيش الإسرائيلي. ولم يحدد الجيش على الفور إن كان الصاروخ أطلق من منطقة يسيطر عليها الجيش السوري أم المعارضة قبل أن يقصف فجر أمس مواقع حكومية.