فرنسا تكرم مقاتلين عربا في الذكرى الـ70 لإنزال بروفانس

لعبوا دورا حاسما في تحرير طولون ومرسيليا

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يتوسط عددا من قدماء المحاربين الفرنسيين بمناسبة احتفال فرنسا أمس بالذكرى السبعين لإنزال بروفانس (أ.ب)
TT

بعد الاحتفالات الكبيرة التي أقيمت في ذكرى إنزال النورماندي (شمال غرب)، كرمت فرنسا، أمس، الجنود الفرنسيين والمقاتلين من «السكان الأصليين» في مستعمراتها الأفريقية السابقة، في ذكرى عملية الإنزال التي قاموا بها على سواحل منطقة بروفانس (جنوب) لمحاربة الجيش النازي المحتل إلى جانب الحلفاء.

ففي الـ14 من أغسطس (آب) 1944، وعند الساعة 19,15 أبلغت رسالة مشفرة بثتها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في لندن المقاومة بإنزال وشيك في بروفانس. وبدأت العملية التي أطلق عليها اسم «دراغون» في اليوم التالي، أي في 15 أغسطس، أي بعد مرور 70 يوما على إنزال النورماندي. وكانت قوات الحلفاء، المكونة من 450 ألف رجل، بينهم 250 ألف فرنسي، تهدف إلى وضع المحتل الألماني بين طرفي كماشة لإجباره على الانسحاب. ومقابل الفرنسيين والأميركيين والكنديين والبريطانيين، لم يكن لدى الجيش الألماني التاسع عشر سوى 250 ألف رجل موزعين على ساحل المتوسط.

وفي الجانب الفرنسي كانت القوات الاستعمارية كبيرة، ويتألف نصفها من الفرنسيين والنصف الآخر من «سكان أصليين» قدموا خصوصا من الجزائر والمغرب وتونس، وكذلك من أفريقيا جنوب الصحراء، وجرى تجميعهم في قوة «الرماة السنغاليين». وأصبح هذا الجيش تحت إمرة الجنرال دو لاتر دو تاسيني، ولعب دورا حاسما في مساعدة المقاومة المحلية، لدرجة أن بعض المؤرخين والقادة العسكريين أكدوا في أكثر من مناسبة أن هذه الكتائب الأفريقية، خصوصا، هي التي حررت طولون ومرسيليا في نهاية أغسطس 1944.

وبدأت العملية في الساعة 00,15 من 15 أغسطس بوحدات كوماندوز فرنسية من أفريقيا، بقيادة اللفتنانت كولونيل بوفيه، كانت تحمل اسم «قوة روميو». وقد تسلق عناصرها الشاطئ الصخري في رأس نيغر، على بعد نحو 40 كيلومترا عن تولون، واستولوا على بطارية مدفعية. وبعد أقل من 24 ساعة احتل الحلفاء في عمق أكثر من ثلاثين كيلومترا. وفي تعليق على هذا الاختراق للحلفاء قال هتلر «إنه أسوأ يوم في حياتي». وقال فرنسيس سيمونيس، الباحث في مركز دراسات العالم الأفريقي «في الجانب الفرنسي، نفذ إنزال بروفانس جنود من شمال أفريقيا وأوروبيون ومسلمون». وأضاف أن الرماة السنغاليين «الذين كان معظمهم ماليين في الواقع»، لعبوا دورا مهما في بروفانس، مشيرا إلى أنهم «أرسلوا بأعداد كبيرة إلى القتال في 1940»، حيث «قتل كثيرون منهم أو أسروا».

من جهته، قال المؤرخ جان ماري غيون، الأستاذ في جامعة بروفانس، إن عملية «دراغون» حققت بشكل عام «نجاحا أسرع مما كان متوقعا».

ومساء 15 من أغسطس ومن أصل مائة ألف رجل شاركوا في الإنزال، بلغت خسائر الحلفاء ألف قتيل، وهو رقم لا يقارن بالحصيلة المروعة للإنزال في النورماندي، حيث قتل أو جرح أو فقد أكثر من عشرة آلاف جندي في نهار السادس من يونيو (حزيران) 1944.

لكن تبين أن إنزال بروفانس المتمم لعملية «أوفرلورد» في النورماندي، كان «حاسما» بدرجة أكبر لأنه أدى منذ مساء 18 من أغسطس إلى صدور أمر إلى القوات الألمانية المتمركزة في الجنوب الغربي بالانكفاء، وأفضى إلى تحرير تولون (في 27 أغسطس) ومرسيليا (28 أغسطس) بسرعة أكبر مما كان متوقعا. أما باريس التي انتفضت في 19 من أغسطس فقد جرى تحريرها بعد ستة أيام على ذلك، وذلك بفضل تضافر جهود المقاومة، وسكان العاصمة، والفرقة المدرعة الثانية التي يقودها الجنرال لوكليرك، ووضعت تحت قيادة أميركية، تدعمها الفرقة الأميركية الرابعة للمشاة.

واحتفالا بهذه الذكرى لبى رؤساء دول وحكومات 15 بلدا، من أفريقيا السوداء والمغرب العربي، دعوة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي ترأس ظهر أمس احتفالا دوليا على متن حاملة الطائرات شارل ديغول الراسية قبالة سواحل طولون. وحضر مراسم الاحتفال أمير موناكو ألبير، ورؤساء بينين، والكاميرون، وبوركينا فاسو، وجزر القمر، وساحل العاج، والغابون، ومدغشقر، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، والسنغال، وتونس، ورؤساء حكومات الجزائر وجيبوتي والمغرب. وقال الرئيس الفرنسي بهذه المناسبة «في الخامس عشر من أغسطس 2014، تتشرف فرنسا بأن تستقبل من جديد في بروفانس الذين ساعدوها في الخروج من حرب دامت أكثر من 1800 يوم».

وقبل الاحتفال الدولي، كرم الرئيس الفرنسي في نصب مون فارون، الذي يطل على تولون، الجنود الحلفاء وقوات فرنسا الحرة، وجنود جيش أفريقيا ومقاومين ومدنيين.