حكومة كرزاي الانتقالية تدشن أول عملية انتقال سلمي للسلطة في أفغانستان منذ عقود

بريطانيا تنشر قواتها في كابل وتعيد فتح سفارتها المغلقة منذ 12 سنة * موسكو تأمل في «بداية جيدة لأفغانستان خالية من الإرهاب والمخدرات»

TT

باشرت الحكومة الانتقالية في أفغانستان اعمالها أمس بعد 6 أسابيع على سقوط نظام طالبان، مدشنة بذلك أول عملية انتقال سلمي للسلطة في هذا البلد منذ عقود.

وقد أدى الزعيم البشتوني حميد كرزاي اليمين الدستورية أمس في كابل لتسلم مهامه كرئيس للحكومة الجديدة، متعهداً بوضع حد لـ 23 سنة من حمامات الدماء في أفغانستان. وبعد أدائه القسم، قام رئيس الحكومة الجديد (44 سنة) بمعانقة الرئيس السابق برهان الدين رباني، قبل أن يبدأ نواب الرئيس والوزراء الـ 29 في الحكومة الجديدة بأداء اليمين بدورهم. وقد انبثقت الحكومة الانتقالية الجديدة من الاتفاقيات التي أبرمتها الفصائل الافغانية في مدينة بون الالمانية في الخامس من الشهر الجاري برعاية الامم المتحدة.

وقال كرزاي في كلمة القاها بعد ادائه اليمين الدستورية «يجب ان نوحد جهودنا لننسى الماضي الاليم. ويجب ان نمضي قدما كالاخوة والاخوات لبناء افغانستان جديدة». واضاف «لقد عرفت بلادنا الدمار. نحن بحاجة الى انطلاقة جديدة وعمل حثيث من كافة الافغان».

وقد شاركت في حفل تنصيب كرزاي، الذي أقيم بوزارة الداخلية في كابل، شخصيات عديدة، بينها حتى أولئك الذين انتقدوا تشكيل الحكومة في بون. وكان من بين هؤلاء زعيم الحرب الأوزبكي الاصل الجنرال عبد الرشيد دوستم الذي كان قد انتقد عدم منح الفصيل الذي يتزعمه منصب وزير الخارجية مثلما كان يطالب. وكان دوستم الذي يسيطر على غالبية الشمال الأفغاني، قد هدد بعدم السماح للحكومة الجديدة بدخول المدن الخاضعة تحت سيطرته، الا انه تراجع في وقت لاحق عن هذا التهديد وقال إنه سيتعاون مع حكومة كرزاي.

وتم تعزيز الحراسة في شوارع كابل امس بأعداد كبيرة من جنود الشرطة والجيش، تحسباً لأي أعمال تهدد بعرقلة هذا اليوم الذي يعتبر تاريخياً في مسلسل انتقال السلطة في أفغانستان. ولم يكن معظم هؤلاء الجنود مسلحين، ربما استجابة لأمر صدر هذا الاسبوع بعدم السماح بحمل الأسلحة في الشوارع باستثناء بعض المسدسات لعدد محدود من الاشخاص المرخص لهم بذلك. وخيم الصمت المطبق على متاجر وبيوت الأفغان وهم يستمعون عبر اجهزة الراديو الى وقائع تنصيب الحكومة الجديدة. ونقلت بعض المتاجر كلمات المشاركين في الحفل عبر مكبرات الصوت.

وفي ضواحي العاصمة حيث يعيش السكان الاكثر ثراء نسبياً، هرع الاطفال الى اسطح المباني لضبط هوائيات اجهزة التلفزيون في محاولة لمشاهدة جزء من مراسم تسلم السلطة على شاشات التلفزيون التي عاد البث اليها في الآونة الاخيرة بعد حظر دام أكثر من خمس سنوات أثناء حكم طالبان.

وقالت شيلا التي كانت ترتدي برقعا ازرق وإلى جوارها طفل صغير «كل ما أريده هو حكومة سلام تجعل السلام يسود مدينتنا». اما محمد يونس، وهو طالب في كابل، فقال «انه يوم عظيم بالنسبة لنا. انه اليوم الذي حصلنا فيه على حريتنا». واضاف «الآن اصبحت لدينا حكومة جديدة بعد سنوات عديدة من الحرب. نأمل في ان يتمكنوا من جلب السلام».

ومثل أي شخص آخر في كابل، اخذ هذا الطالب البشتوني، يمتدح الزعيم الافغاني البشتوني الجديد. وقال يونس «كرزاي يعتبر واحداً من الافغان الذين يريدون عمل اشياء جيدة لهذا البلد وهو قادر على ان يفعل ذلك».

لكن اخبار تسلم السلطة امتزجت مع اخبار القصف الاميركي لقافلة تضم زعماء قبائل كانوا في طريقهم اول من امس الى كابل لحضور حفل تنصيب كرزاي. الا ان المسؤولين الاميركيين يقولون ان القافلة كانت تضم عناصر من حركة طالبان وتنظيم «القاعدة».

وقال احمد شقيم، وهو تاجيكي يملك متجراً في كابل «لقد سمعت في محطة هيئة الاذاعة البريطانية انهم قصفوا جزءا من قافلة في الطريق المؤدي الى كابل، لكن لم يعرف ان كانوا من طالبان أو من جانب آخر». ثم اضاف «اذا كانوا من طالبان فهذا شيء جيد، اما اذا كانوا مدنيين فهذا امر سيئ». ورأى الطالب محمد يونس أنه حان الوقت لوقف القصف الاميركي، «وإذا واصل (الاميركيون) القصف، فان الحكومة والشعب كلهم سيغضبون».

ولقي تنصيب حكومة كرزاي ردود فعل دولية إيجابية في الغالب. فأعربت وزارة الخارجية الروسية في بيان «عن املها في أن تكون هذه الخطوة بداية جيدة لأفغانستان سلمية خالية من الارهاب والمخدرات». وأشار البيان الروسي الى ان موسكو ايدت بثبات القوى العاقلة في المجتمع الافغاني في حربها ضد الارهاب. واكد البيان ان روسيا ستقوم بالتعاون مع البلدان الاخرى بتقديم كل ما في وسعها من اجل «تحقيق التسوية السلمية الشاملة في افغانستان واعادة بناء البلاد على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي». واعربت الخارجية الروسية عن «أملها الصادق في ان الافغان الذين يتوقف عليهم نجاح إدارة حميد كرزاي سيستطيعون الاستفادة من الفرصة التاريخية لاعادة بناء افغانستان عبر الطرق السلمية».

وفي إطار الجزء الثاني من اتفاق بون، والمتعلق بنشر قوات أمن دولية في كابل وما حولها، تم أمس ولاول مرة نشر قوات بريطانية في العاصمة الافغانية. وكانت قوات تابعة لمشاة البحرية الملكية البريطانية قد وصلت مساء اول من امس الى قاعدة باغرام الجوية شمال كابل، لكنها توجهت مباشرة الى السفارة البريطانية. وشارك نحو 20 من هذه القوات امس في الحفاظ على الامن عند وزارة الداخلية حيث أقيم حفل تنصيب الحكومة. وقال قائد القوة البريطانية الميجر مات جونز ان قوات مشاة البحرية البريطانية توفر «وجودا وضمانا» عند وزارة الداخلية بالتنسيق مع قوات التحالف الشمالي. ولم يرتد الجنود البريطانيون خوذات، وإنما قبعات خضراء.

ورأى وزير الخارجية الالماني يوشكا فيشر امس ان ولاية ثانية لقوة الامم المتحدة ستكون ضرورية من اجل متابعة اعمال تثبيت الاستقرار في افغانستان عندما تنتهي مهمة القوة الدولية للمساعدة الامنية بعد ستة اشهر. وقال فيشر امام مجلس النواب الالماني «يجب ان نتساءل حول معرفة الى اي مرحلة نكون قد بلغنا مع نهاية الاشهر الستة» التي حددت مدة التفويض الاولى في مجلس الامن الدولي الذي اعطى الاذن الخميس الماضي بانتشار قوة دولية بين 3 آلاف و5 آلاف جندي في كابل ومحيطها. واضاف فيشر «لقد رأينا في تجربة مقدونيا انه من المهم متابعة العمل عبر مهمة ثانية» بغرض تثبيت الوضع.

وبمناسبة تسلم السلطة الجديدة مهامها، اعادت بريطانيا فتح سفارتها في كابل امس بعد 12 سنة من اغلاقها. وفي مراسم متواضعة اقيمت صباح امس، قام القائم بالاعمال اندرو تيسوريري برفع العلم البريطاني على السفارة التي تقع في قلب كابل والتي ظلت مغلقة منذ عام 1989، بينما كان عدد محدود من العاملين الافغان يتولى صيانة المكان. وقال تيسوريري «بمناسبة تنصيب الادارة الجديدة، يسعدنا ويمنحنا مشاعر الفخار ان نرفع علم بلادنا مرة اخرى في افغانستان وان نعيد فتح السفارة البريطانية في كابل». واعتبر الدبلوماسي البريطاني ان يوم امس كان «يوماً تاريخياً لافغانستان»، جرت فيه «عملية انتقال السلطة بشكل سلمي الى صاحب الفخامة حميد كرزاي».

وفي حفل التنصيب، دعا كرزاي الامم المتحدة والمجتمع الدولي الى المشاركة في عملية اعادة البناء، وقال ان «بلادنا بحاجة الى دعم الامم المتحدة والدول الصديقة. ونأمل ان يمدوا لنا يد العون». وفي هذا الإطار أعلنت اليابان امس انها ستستضيف اجتماعاً وزارياً لبحث اعادة اعمار افغانستان يومي 21 و22 يناير (كانون الثاني) المقبل. وجاء هذا الاعلان في ختام اجتماع استمر يومين في بروكسل بشأن اعادة اعمار افغانستان. وقال البنك الدولي والامم المتحدة انه بناء على تقديرات مبدئية فان تكاليف اعادة الاعمار ستبلغ نحو 9 مليارات دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة. وسيتم تقديم تقدير نهائي خلال مؤتمر طوكيو الذي يعقد الشهر المقبل حيث من المتوقع ان تعلن الجهات المانحة الرئيسية برنامجا للمساعدات لافغانستان.

وخلال اجتماع بروكسل الذي تزعمه الاتحاد الاوروبي واليابان والسعودية والولايات المتحدة اتفق المانحون على انشاء صندوق بتكلفة مبدئية تبلغ 20 مليون دولار من اجل الادارة الافغانية الجديدة التي ستحكم البلاد لمدة ستة أشهر.