استهداف العراق عسكريا في إطار الحرب على الإرهاب لا يزال موضع جدل بين الصقور والحمائم في واشنطن

TT

قبل عشر سنوات سحبت ادارة الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش (الاب) القوات الاميركية من العراق باعتبار ان الرئيس صدام حسين هزم، ولكن سرعان ما اكتشفت الادارة ان قبضة صدام حسين على السلطة قويت عوض ان تضعف.

واليوم تشن ادارة اميركية اخرى برئاسة بوش الابن، حربا اشرفت على الانتهاء في المنطقة يحتدم الجدل داخلها حول العبرة من انتهائها، وتحديدا الى اين تتجه الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب في افغانستان، وهل تكمل المهمة التي لم تنجزها في العراق؟

المسؤولون المدنيون في وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) يدعون الى شن حملة عسكرية على العراق، فيما تقف وزارة الخارجية ضد هذا التوجه. وتدل بعض التقارير على ان عددا من الجنرالات الاميركيين قلقون من مواجهة عدو اكبر من العدو الذي واجهوه في افغانستان، عدو لا تتم مواجهته على ارض الكويت او على اطراف العراق كما حدث في حرب الخليج، وانما تمتد لتشمل العراق كله. ويقول المحللون في واشنطن ان افضل ما يمكن للادارة الاميركية ان تفعله هو ان تلتفت الى دول اخرى مثل الصومال والسودان واليمن، حيث من المعروف وجود قوات متعاطفة مع القاعدة ومساعدة هذه الدول، شاءت أم ابت، على التخلص من هذه المجموعات. وهناك ايضا مسلحون متعاطفون مع القاعدة في الفلبين ودول اخرى في جنوب آسيا وبعض الاقطار في آسيا الوسطى. كما يدعو البعض الى مطاردة بعض التنظيمات والمجموعات الموجودة في لبنان وايران وسورية ومن يقف وراءها.

بالنسبة لبعض المحللين المقربين من الادارة الاميركية، يبدو العراق اكثر الاهداف جاذبية، واكثرها صعوبة في نفس الوقت. وحتى الاسبوع الماضي، كان بوش الاب، وهو من المستشارين المسموعي الكلمة لدى ابنه، يتحدث عن تخليص العراق من صدام. وقال في مقابلة مع محطة «ايه. بي. سي» الاميركية: «كنت ارغب في رؤية ذلك اليوم منذ زمن. من النتائج السيئة انه ما يزال موجودا، ينكل بشعبه بهذه الطريقة».

الدافع لهذه الحملة المقترحة ضد العراق هو انهاء مهمة كانت قد بدأت قبل عشر سنوات، وليس مواجهة الارهاب الحالي. وكان التقرير السنوي لوزارة الخارجية الاميركية، الذي صدر في ابريل (نيسان) الماضي حول الارهاب ذكر ان العراق، بينما يمارس الارهاب ضد معارضيه، فانه لم يتورط في هجمات ارهابية ضد الغرب في السنوات الاخيرة. ويقول التقرير ان كثيرا من المنظمات لديها مكاتب في العاصمة بغداد، ولكنها ليست ناشطة في مجال الارهاب. ولا توجد علاقات قوية باقية مع النظام العراقي العلماني والمنظمات الاسلامية الاصولية.

ويقول المسؤولون الحكوميون في واشنطن ان التكهنات الواسعة الانتشار في اكتوبر (تشرين الاول) المنصرم، حول ان العراق كان وراء هجمات الجمرة الخبيثة، لم يكن لها نصيب من الصحة. ولكن التقارير الاولية حول لقاء محمد عطا، في العاصمة التشيكية براغ، مع واحد من الدبلوماسيين العراقيين، قبل هجمات 11 سبتمبر (ايلول) يمكن ان تغير من المعادلات اذا توصلت التحقيقات الى ادلة بتورط عراقي في تلك الهجمات.

في الاسبوع الماضي لجأ الرئيس بوش الى توسيع جبهة الحرب ضد الارهاب، لتشمل الاقطار التي تريد ان ترهب العالم باستخدام اسلحة الدمار الشامل، وقال «اذا كنت تريد ان تصنع اسلحة للدمار الشامل لارهاب العالم فانك يجب ان تتحمل نتيجة ذلك».

وكانت عبارة بوش تلك من الدلائل المبكرة على انه ربما ينحاز الى صقور الادارة في موقفهم ضد العراق. ويقول الخبراء حول الشؤون العراقية ان الاسباب التي منعت التورط الاميركي الكامل في العراق عام 1991 ما تزال موجودة حتى الآن، وهي: احتمال وقوع كثير من الضحايا في صفوف القوات الاميركية في المواجهة مع الجيش العراقي المدرب والذي يدافع عن ارضه، واحتمالات عدم الاستقرار في المنطقة كلها اذا انقسم العراق الى ثلاث دويلات تمثل مجموعاتها الاثنية الثلاث: السنة والشيعة والاكراد، وصعوبة العثور على شخص افضل من صدام حسين في دولة حكمها الطغاة لمئات السنين. وما يزال تقييم المخابرات الاميركية سلبيا للمعارضة العراقية التي يعيش ممثلوها عيشا مريحا في بريطانيا او ايران، مما يجعل احتمالات نجاحها اضعف كثيرا مما كان عليه الامر في افغانستان.

يضاف الى ذلك، ان اعضاء التحالف الدولي الذي شارك في «عاصفة الصحراء» عام 1991 يعارضون على وجه العموم العمل العسكري ضد العراق، حسب تقديرات الدبلوماسيين في الشرق الاوسط. ولا غرو فان سنوات من العقوبات ضد العراق ولدت تعاطفا عميقا في الشرق الاوسط مع الشعب العراقي. ويذكر ان السعودية ومصر، وهما اكبر دولتين عربيتين في التحالف، عارضتا تلك الخطوة، وترسمت خطاهما روسيا.

وقال دبلوماسي مصري: «استطعنا احتواء المشاعر الشعبية ضد القصف الاميركي لافغانستان. ولكن هجوما على العراق سيكون اكثر صعوبة، ولا اعتقد اننا نستطيع مواجهته».

ولكن بعض جوانب المعادلة تغيرت منذ عام .1991 فقد تحدى صدام كل التوقعات بأن نظامه سينهار تحت ثقل تناقضاته الداخلية، واثبت انه مصمم على مراكمة اسلحة الدمار الشامل وصناعتها. وكانت تركيا، الحليف القوي لواشنطن، تعارض بشدة اسقاط صدام حسين خشية ان يؤدي ذلك الى نشوء دولة كردية مستقلة في شمال العراق. ولكن موقفها تغير الآن لانها استطاعت هزيمة متمرديها من الاكراد، ولا تشعر بنفس المخاوف حاليا. ويمكن لتركيا بالتالي ان توفر قواعد هامة للهجوم على العراق.

وأصبحت ايران، وهي مرشحة لجني كثير من الفوائد من تشرذم عدوها القديم، العراق، اكثر اعتدالا واقل خطرا بالتالي للولايات المتحدة. كما اثبتت الحرب في افغانستان، بصورة درامية، الفعالية المتزايدة للقصف الجوي بالقنابل الموجهة من قبل اشعة الليزر او من الاقمار الصناعية.

يقول الدبلوماسي الكويتي شفيق الغبرا، ان القضية الاساسية هي الخطة نفسها. ويقول رؤساء تحرير بعض الصحف الكويتية الذين زاروا واشنطن مؤخرا، ان الرأي العام الكويتي نفسه منقسم حول ما يمكن ان يحدث لعدو الكويت الاكبر. وقال الغبرا في محادثة هاتفية من مدينة الكويت، ان دولة الكويت وغيرها من الدول العربية، يجب ان تقتنع اولا ان الهجوم سيؤدي بالفعل الى تغيير حقيقي، حتى يمكنها ان تؤيده. وقال ان أي اجراء جزئي مثل الهجوم على اسلحة الدمار الشامل العراقية، كما يقترح البعض في واشنطن، لن يحظى بالتأييد.

وأضاف «اذا كانت الخطة، خطة حقيقية من اجل اعادة الديمقراطية للشعب العراقي، فانك ستكون قد تعاملت مع القضية لأول مرة من زاوية وضع حد لمعاناة الشعب العراقي. والناس هنا يشاهدون ان الافغان قد حصلوا على حكومة جديدة، وان الافغان صاروا سعداء لهذا السبب»

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»