سكان قندهار: العرب كانوا لا يختلطون بالأفغان والبعض رفض تأجير منازل لهم بعد التحذيرات الأميركية

مشاهد الدمار في المدينة تظهر حدود القنابل الذكية وضعف الاستخبارات البشرية

TT

تم شن الحرب الاميركية على قندهار وتحصينات طالبان و«القاعدة» هناك من الجو. فقد تساقطت القنابل التي تعمل بتوجيه اشعة الليزر على المباني في وسط المدينة وعلى الفيلات في الضواحي الثرية وعلى المساكن المبنية من الطين النيئ، في حواري وازقة الاحياء الشعبية.

ودخلت القوات الاميركية وقوات الجماعات المعادية لطالبان المدينة في اوائل الشهر الحالي بعد هرب قوات طالبان و«القاعدة».

ويشاهد الزائر للمدينة آثار الدمار الذي خلفته الحرب الروسية التي شنت منذ عقدين من الزمن. وبالمقارنة فإن القنابل الاميركية ضربت اهدافها بدقة بالغة لدرجة انه في معظم الحالات دمرت اهدافها وتركت المنازل المجاورة على حالها تقريبا.

وتكشف زيارة حوالي 20 موقعا في المدينة مقتل عدد محدود نسبيا من المارة الابرياء، لأن القنابل كانت دقيقة بصفة عامة ولأن العديد من السكان فروا من المدينة.

ولكن زيارة الاهداف اظهرت ايضا ان القنابل ذات الدقة البالغة والتكنولوجيا المتقدمة التي اسقطتها طائرات بي ـ 52 وغيرها من الطائرات من عشرات آلاف الاقدام، لها حدود.

ومن الواضح ان بعض القنابل غير الدقيقة دمرت بعض المنازل بلا دليل على علاقتها بطالبان او القاعدة. بينما دمرت قنابل اخرى بعض المنازل تم اخلاؤها من سكانها العرب. ويشير هذا الى ان الاستخبارات البشرية لم تكن دقيقة او حديثة مثل تكنولوجيا القنابل.

ففي طريق رئيسي كانت ثلاثة مبان، وزارة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في عهد طالبان ومكتب الحج ومكتب الشؤون الزراعية، هي اكبر مثال على القوة الجوية الاميركية.

فقد دمرت القنابل معظم المباني الثلاثة، ولكنها عمدا او بغير قصد، تركت صيدلية خاصة على حالها في الطابق الارضي لمكتب الحج.

كما اصابت قنبلة منزلا صغيرا عبر الشارع. وأدت الى قتل ثلاثة اشقاء يعملون بمهنة الخياطة، طبقا لرواية الجيران.

وذكر السكان ان القنبلة الاولى سقطت على مبنى وزارة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في حوالي الساعة الثانية بعد الظهر قبل شهر ونصف الشهر. وأدت القنبلة الى مقتل مسؤولين في طالبان داخل المبنى وهرب الباقي. وجرى واحد منهم عبر الشارع ووقف داخل محل الترزي. واعقبتها قنبلة، من الواضح انها تستهدف قوات طالبان الهاربة، مما ادى الى مقتله والعاملين في المحل.

وبدت بعض المنازل مدمرة والاخرى لحقت بها اضرار بسبب قربها من مواقع طالبان.

وقد تم تدمير منزل بالقرب من الشارع الذي يقع فيه مقر الملا محمد عمر زعيم طالبان، قبل شهر ونصف الشهر عندما اخطأت قنبلة هدفها الذي كان عبارة عن قافلة من سيارات طالبان تغادر المجمع الذي يقع فيه مسكن طالبان.

وعلى بعد عدة اميال بالقرب من قلعة كانت تستخدم قاعدة عسكرية لطالبان، كان من الواضح ان خمسة بيوت قصفت بطريق الخطأ. وأكد الجيران الذين تم الاتصال بهم ان تلك المنازل كانت خالية من مسؤولي طالبان او «القاعدة».

ووقف محمد داوود، وهو شاب في الثانية والعشرين من عمره، وسط حطام مطبخه، يشرح ان القنبلة سقطت على منزله في ليلة من الليالي قبل اربعة اسابيع.

واضاف «كانت هناك سيارة مليئة برجال طالبان والاسلحة، وكانت تمر في الشارع في طريقها للقلعة. ويقع منزلي على بعد 50 ياردة من الشارع».

ومن الصعب شرح الهجوم على ثلاثة منازل وسط منطقة تنتشر فيها الازقة والحواري، على بعد عدة مبان من القلعة. وذكر الجيران ان ثلاث اسر تضم 17 شخصا كانت تعيش في تلك المنازل، التي دمرتها قنبلة واحدة تماما.

وذكر الجيران ان الأسر من السكان القدامي لقندهار، وكانوا من اصحاب المحلات التجارية وعمال اصلاح بطاريات السيارات.

وبالاضافة الى طالبان، فإن القنابل الاميركية كانت موجهة ايضا الى العرب، العديد منهم من اعضاء منظمة «القاعدة» التي يتزعمها بن لادن او بعض الناس الذين يعتقد انهم من اعضائها. وكشف الجيران في المقابلات الصحافية ان العرب كانوا يعيشون بعيدا عن الافغان. وكانوا لا يختلطون بالسكان، ونادرا ما يتحدثون مع الجيران، الذين لا يتحدثون العربية. وكان العرب وهم اكثر ثراء من السكان المحليين، يعيشون في فيلات كبيرة داخل مجمعات سكنية ويتنقلون خارج منازلهم في سيارات ذات زجاج مدخن، طبقا لروايات الجيران السابقين. وفي منطقة في شمال المدينة بالقرب من معمل لتعليب الفاكهة، كان العرب يعيشون في عدة منازل كبيرة. وقد انتقل حوالي ثلاثين عربيا الى فيلا من طابقين، قبل خمسة اشهر. واوضح الجيران انه فيما عدا الافغان الذين كانوا يعملون لديهم، فلم يكن هناك اتصالات بين الجانبين.

وذكرت نعمة الله، وهي في الثامنة عشرة من عمرها وتبيع الخردوات في السوق، انهم «كانوا يأتون بعض الاحيان لشراء العصائر والبيبسي».

وذكر الجيران انه في حوالي الساعة العاشرة مساء في اواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، سقطت قنابل على المجمع، واوضح محمد قاسم (46 سنة) «في الصباح حضر العرب وطالبان لأخذ الجثث».

وفي شمال المدينة ايضا كانت حوالي 16 اسرة تعيش في مجمع فاخر يضم عدة منازل. وذكر الجيران ان طالبان بنت هذا المجمع للعرب قبل عامين. وفي البداية كان العرب يغادرون منازلهم للتنزه على ضفة غدير. ولكنهم توقفوا بعدما جف الغدير بسبب حالة الجفاف التي تجتاح البلاد.

وقال محمد رفيق (75 سنة)، وهو ميكانيكي سيارات متقاعد يعيش في المنطقة منذ 18سنة «كانوا يلقون التحية بعض الاحيان، ولكنهم كانوا لا يتحدثون كثيرا معنا».

وبعدما بدأ القصف الاميركي هنا في 7 اكتوبر (تشرين الاول)، ترك العرب مساكنهم. وانتقلوا الى منازل اخرى او غادروا المدينة. وقد طلب بعض الافغان الذين يخشون ان يؤدي وجودهم الى قصف اميركي، منهم مغادرة المدينة.

وقبل عام اجر سيد والي (37 سنة) فيلته المكونة من طابقين في وسط المدينة الى العرب، الذين كانوا يدفعون 300 دولار تقريبا شهريا، وهو مبلغ ضخم بالنسبة لمعظم الافغان. وبعدما بدأت الحرب، سمع رسالة راديو على الموجة التي يستخدمها الافغان.

واوضح «طلب منا الاميركيون عدم تأجير منازلنا الى العرب، ولذا طلبت منهم المغادرة واعطيتهم مقدم الايجار الذي دفعوه. ولكن بعد شهر وقبل منتصف الليل سقطت قنبلتان على المنزل ودمرته ولم تترك الا واجهته الرخامية فقط».

وأوضح «لم تكن هناك سيارات، ولا عرب، عندما وقع القصف. لقد تلقى الاميركيون معلومات خاطئة. انا غاضب من الاميركيين. واطالبهم بإعادة بناء مسكني».

ويعتقد ان الاميركيين اختاروا اهدافهم اعتمادا على صور الاقمار الصناعية، بالاضافة الى المعلومات الاستخبارية للجواسيس. وكان العرب قد هجروا العديد من المنازل التي دمرها القصف.

وذكر الجيران ان فيلتين بالقرب من واحد من المساجد الشهيرة في المدينة وهو المسجد الاحمر، كان يعيش فيهما مجموعة من الاجانب من السودانيين. وقد انتقلوا الى المنازل قبل تسعة اشهر، وكانوا لا يتعاملون مع احد.

وقال شوالي (22 سنة) الذي يعيش في المنزل المجاور «في احدى المرات اقاموا حفلة كبيرة ووزعوا حلويات على الجيران. وكانت هذه هي المرة الاولى والاخيرة التي اقابلهم فيها».

وذكر الجيران ان السودانيين غادروا في الاسبوع الاول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، وسقطت القنابل بعد اسبوعين من مغادرتهم. وتركوا مدفعا مضادا للطائرات موجودا وسط حطام المجمع.

وبعد مغادرة الاجانب المنازل، لم يتمكنوا من الهرب من القنابل الاميركية. ففي حي ميرويس ذكر محمد اسماعيل وابوه سيد حسين ان اكثر من 50 عربيا انتقلوا للمنزل المجاور لهم في شهر سبتمبر (ايلول). وذكر الاب انه طلب من صاحب المنزل عدم تأجيره الى العرب. ولكنه قال انه صاحب المنزل ومن حقه ان يفعل ما يشاء به».

وضربت القنابل المنزل في منتصف شهر نوفمبر، مما ادى الى مقتل 45 عربيا، الا ان القنابل دمرت ابواب ونوافذ منازلهما، كما ذكرا، وسقط حائط على زوجة محمد اسماعيل وتدعى زارباري وهي في التاسعة عشرة من عمرها وابنه فيصل وعمره ثلاث سنوات مما ادى الى مقتلهما.

وقال اسماعيل «انا غاضب من صاحب المنزل، لانه اجره للعرب».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»