خبراء أميركيون: عملية سريعة لإطاحة صدام ستحظى بالقبول في الدول العربية

بعضهم يتخوف من انفراط التحالف الدولي ضد الإرهاب وآخرون يشكون في مقدرة المعارضة العراقية على تولي السلطة

TT

يعتقد الخبراء ان بالامكان تلطيف ردة فعل العالم العربي ازاء القيام بعملية عسكرية للاطاحة بنظام الرئيس العراقي صدام حسين شريطة تنفيذ ذلك بشكل سريع. وكان هذا على الاقل درسا واضحا للحالة الافغانية التي بدا فيها ان الانهيار العاجل لحركة طالبان والتشكيل السريع لحكومة انتقالية قد كتما غضب الشوارع العربية والانتقادات في مناطق اخرى من العالم. وحسب هؤلاء الخبراء، فان قلة من الزعماء العرب ستمتعض من اسقاط حكومة صدام، اذ ان الكثير منهم يتخوفون من ردة الفعل على ذلك، ويعلق رولف اكيوس الدبلوماسي السويدي الذي ترأس فريق الامم المتحدة للتفتيش عن الاسلحة العراقية بين عامي 1991 و1997، قائلا «لو جرى ذلك بشكل سريع وحاسم، مثلما حدث مع طالبان وافغانستان، فلن يكون هناك ضجيج شعبي عام». ولكن في حال طال امد تلك العملية، او فشلت، سيتوفر بين ايدي المتشددين من العرب والاسلاميين سلاح قوي لتأليب الجماهير ضد حكومات المنطقة المؤيدة للغرب. ويرى جيمس. آر. شلزنجر وزير الدفاع الاميركي في عهدي الرئيسين السابقين (ريتشارد) نكسون (وجيرالد) فورد ان خلع الرئيس صدام من شأنه «تغيير معالم الخارطة الاستراتيجية للشرق الاوسط، ولكن ليتسنى لنا ذلك لا بد من القيام به بفاعلية وثقة عالية».

وليس من شك كبير في رغبة الولايات المتحدة في الضرب على يد صدام بعد الانتهاء من افغانستان. ويحاجج انصار توجيه ضربة عسكرية للعراق بأن ليس هناك من لحظة افضل من الوقت الراهن للقيام بذلك، لان الحرب على الارهاب ولدت زخما عالميا ضد متعهدي الارهاب. علاوة على ذلك، فان صدام إما ان يسحق الآن وإما ان ذلك لن يتحقق قط. لكن حتى في اعقاب العمليات الافغانية، فان الحديث في واشنطن عن «الاطاحة» بصدام يصطدم بجدار من المعارضة والتخوف داخل الولايات المتحدة وخارجها. فهناك الخشية من تراجع التأييد الدولي العارم للعمليات الاميركية ضد تنظيم «القاعدة» وحركة طالبان، والذي اضفى شرعية دولية على الحرب ضد الارهاب، في حال قيام الولايات المتحدة بتحركات أحادية لاسقاط صدام، خاصة في غياب وجود اي ادلة على تورطه في هجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي. وهناك ايضا التخوف من ان يبعث السعي وراء صدام اتهام الولايات المتحدة بالتفرد والانعزالية، كما ان من شأن ذلك اثارة الشكوك في محاولة انتقام المخضرمين من المسؤولين السابقين في ادارة الرئيس بوش (الاب) التي لم تنجز اطاحة نظام صدام بعد حرب الخليج مطلع التسعينات. وتعلق مادلين اولبرايت التي كان عليها التعاطي بشكل مكثف مع العراق بينما كانت وزيرة للخارجية الاميركية وممثلة بلادها في الامم المتحدة قبل ذلك، قائلة «كان هناك 500 الف جندي على الارض عام 1991 ولكنهم لم يفعلوها، أما هذه المرة وعلى ضوء حجم ما كلفت به الادارة نفسها به من عمل لجهة إنهاء الوضع في افغانستان فيصعب علي ان ارى ان ذلك سيكون عمليا».

وتلمس هذه المشاعر على صعيد واسع، فحتى بريطانيا اكثر حلفاء اميركا ثباتا في تأييدها فانها حثت اميركا على الاخذ بالحيطة والحذر، وهكذا كان حال كوفي أنان الامين العام للامم المتحدة. ويتمثل الامر المشترك بين محاججات كل هؤلاء في ان شيطانا تعرفه خير من آخر تجهله، وان صدام جرى احتواؤه بشكل أساسي. في المقابل، فان التحرك ضده سيدفع باميركا على نحو خطر الى السقوط في هوة المجهول، اي عراق مفكك وغير مستقر، وايران اشد قوة، وانقطاع انتاج النفط في بلد يعد من اكبر الدول المصدرة له، وموجات خطرة من الصدمة والذهول في العالم العربي.

فضلا عن ذلك، فان الوصول اليه سيتسم بمخاطر اشد من تلك المرتبطة بمطاردة عناصر «القاعدة» وطالبان، فالجيش العراقي اكبر عددا واشد قوة مما توفر لطالبان. وليس هناك من جيوش مرتزقة على الارض مستعدة للتقدم والبدء بعمليات القتال، ومهما بدا صدام غير متمتع بالشعبية فليس من ضمان اكيد بأن جيوشه ستتخلى عنه بسرعة. وعلق غراهام اليسون مدير مركز بلفر بجامعة هارفارد، قائلا «اذا كنا نلاحق الشر فانه الشر بعينه، والمحاججة الوحيدة القادرة على الوقوف في وجه تلك القائلة بضرورة التخلص منه هي انه ليس هناك من احد يعرف كيفية تنفيذ ذلك او كلفته».

اما الخيارات التي يعتقد ان الادارة تنظر فيها بالاعتبار فهي التركيز على عمليات لا تتطلب اجتياحا عسكريا كاملا، ولكن اشعال فتيل نزاع تخوضه وتكمله المعارضة الداخلية، ولكن هذه الخيارات تثير التساؤل حول ما اذا كانت اي من جماعات المعارضة تتوفر لها القيادة والتنظيم والقدرة على الاطاحة بصدام، خاصة انه تمكن من سحق كل الجهود السابقة في هذا الاتجاه. الى جانب ذلك، فان اثارة الشيعة في الجنوب او الاكراد في الشمال ضد السنة الذين يسيطرون على زمام السلطة في العراق قد تفضي الى اشعال الغضب خارج حدود العراق وربما تفضي الى تفتيته الى معسكرات اثنية ودينية، مما يولد مصدرا جديدا لعدم الاستقرار في منطقة تعاني من اللااستقرار على نحو مزمن. في مقابل ذلك، يقول انصار ملاحقة صدام انه ليس هناك من سبب يحمل على الاعتقاد بفشل اي حكومة تخلف الحكومة الراهنة بالضرورة. وهم يشددون على ان شعبيته انحدرت الى اقل مستوى لها، ولهذا فان اي هزة مرسومة للوضع ستكون كافية لاطلاق شعبه ضده. ووفقا لما يقوله هؤلاء، فان الولايات المتحدة لو ايدت المعارضة فانها لن تبدو في صورة الغازي ولكن على انها حليف للشعب العراقي الذي يقاتل لتحرير نفسه، كما كان الحال مع الافغان. ويضيفون أن معظم القادة العرب ستتملكهم السعادة عند الاطاحة بصدام، ولكنهم بحاجة الى قضية معقولة لطرحها على شعوبهم ودليل قوي على تورط صدام او الى قدر معقول من المساعدات الاميركية الاقتصادية. ويرى ريتشارد برل من المعهد الاميركي والمستشار في وزارة الدفاع (بنتاغون) والمدافع القوي عن توجيه ضربة لصدام انه «كانت الحكمة الشائعة تقول قبل بضعة اسابيع ان السعي وراء صدام من شأنه الاضرار بموقفنا في العالم الاسلامي، ولكن لم يعد هناك من يقول مثل هذا الكلام، لان الحجج نفسها قيلت عن عواقب مطاردة طالبان».

اما خارج نطاق الشرق الاوسط، فان ولع واشنطن باسقاط نظام صدام يلقى بشكل عام معارضة في روسيا واوروبا، اذ ان العراق مدين لروسيا بديون ضخمة وهو من بين الدول القليلة التي يمكن لها ان تؤثر من خلاله داخل الشرق الاوسط. اما فرنسا فانها تمني نفسها بعدد ضخم من العقود الاستثمارية والتجارية المتوقعة مع العراق، علاوة على ان كل الاقتصادات الاوروبية ستتأثر من خسارة 2، 5 مليون برميل من النفط يوميا، حتى ولو لفترة محدودة. وحتى بريطانيا فانها اعربت عن تحفظاتها وقلقها من ان توسيع الحملة على الارهاب، وصولا الى صدام حسين من شأنه ان يعيد الى الاذهان صورة الاميركيين المتقهقرين صوب الاحادية والانعزالية. وهناك من يؤيدون اولبرايت في ان خلع صدام من الحكم مهما بدا مغريا ومناسبا ليس هذا وقته بالضبط، اذ ان تعقب الارهابيين الدوليين يمر بمرحلة جديدة اوسع من سابقتها تتطلب تأييدا دوليا مهما، وليس هناك من معارضة عراقية جاهزة لتولي السلطة في بغداد. ويذهب ليون فورث، الذي كان مستشارا للامن القومي لنائب الرئيس آل غور وهو يدرس الآن العلاقات الدولية في جامعة جورج واشنطن، الى انه «حتى القائلين انه (صدام) شخص خطير بسبب امتلاكه اسلحة دمار شامل ليس عندهم ما يقولونه حول عدم جاهزيتنا. وهناك طرق اخرى لزيادة الضغط على صدام من دون ان نجعل من ذلك اولويتنا الاولى».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»