تحليل أميركي لحملة أفغانستان: التكنولوجيا المتقدمة أثبتت نجاحا لكن العمليات كشفت أوجه قصور في مجال الاستخبارات

TT

في الوقت الذي تلاحق فيه القوات الاميركية الاشخاص المشتبه في علاقتهم بالإرهاب خارج أفغانستان، فان عمليات تعقب عناصر تنظيم «القاعدة» وحركة طالبان تقدم عددا من الدروس المبدئية بخصوص التحديات التي تواجهها القوات المسلحة الاميركية في شن حروب غير تقليدية ضد اهداف غامضة.

فمن ناحية، تم في افغانستان استخدام العديد من الاختراعات الجديدة في مجال تكنولوجيا الاستطلاع والاسلحة الدقيقة، اضافة الى القوات الخاصة ذات التدريب العالي، وكل العناصر أساسية في عمليات الملاحقة الخطيرة لاعضاء «القاعدة». غير ان المرحلة الصعبة للقبض على قادة «القاعدة» والقضاء على جيوب المقاومة كشفت عن هوة وقيود في الترسانة الاميركية في مجال مكافحة الارهاب، واوضحت كيف يمكن لاكثر التكنولوجيا تقدما في مجال تحديد الهدف يمكنها ان تفقد قيمتها في حال عدم الحصول على معلومات استخبارية بشرية مؤكدة لتحديد ما يتعين ضربه.

وذكر مسؤول اميركي في مجال الدفاع «ان الاستخبارات البشرية تعتبر واحدة من المصادر التي تجاهلناها في السنوات العشرين الماضية. عندما يتعلق الامر بتهديد غير مواز، فهذه عملية مختلفة تماما. هذا امر لا يمكنك متابعته عبر الاقمار الصناعية».

جدير بالذكر ان الاسئلة المتعلقة بنقاط الضعف الاميركية تعتبر في غاية الاهمية. فعمليات البحث عن فلول عناصر «القاعدة»، وبالمقارنة مع الانهيار السريع لنظام طالبان، تعكس بطريقة جيدة نوعية التحديات التي يمكن ان تواجه الاميركيين في القضاء على العناصر المشتبه في علاقتها بالارهاب في دول اخرى مثل الفلبين والصومال واليمن.

وتأتي في مقدمة الدروس المستفادة من العمليات الجوية على افغانستان، الدرجة التي اتاحت بها التكنولوجيا الاميركية، بما في ذلك طائرات الاستطلاع التي تحلق بدون طيار مثل طائرات «غلوبل هاوك» و«بريداتور»، بالاضافة الى الطائرات التي تعود الى مرحلة الحرب الباردة والتي تم تجديدها لتقديم صورة واضحة ومستمرة عن منطقة المعارك. واتاحت الروابط بين طائرات الاستطلاع المتنوعة للقوات الاميركية الاقتراب من الاهداف عبر اجهزة التصوير لتحديد الهدف، من مجرد نقطة على الشاشة الى نوعية السيارة التي تسير على الارض.

ويوضح الكولونيل ريك توماس من القيادة المركزية الاميركية في تامبا بولاية فلوريدا «من المؤكد ان الصورة الشاملة اصبحت اكثر وضوحا، وبعض الامكانيات التي لدينا مثل طائرات «بريداتور» التي يمكنها التحليق بدون تعريض حياة الناس الى الخطر، تكتسب اهمية كبيرة».

تجدر الاشارة الى ان الصورة التي تشاهد في ذات الوقت قد قللت بدرجة كبيرة الوقت اللازم بين تحديد الهدف وقصفه وتقييم الضرر الذي تعرض له، بالمقارنة مع ما كانت عليه الحال في حرب الخليج عام .1991 واوضح توماس ان استخدام الاسلحة ذات التوجيه الدقيق ووجود مجموعات توجيه الاهداف على الارض، «منحانا دقة تتفوق على اية حملة جوية قمنا بها حتى الآن».

وفي الوقت ذاته، فإن الروابط كانت جيدة بين صانعي القرار المشاركين في الحصول على المعلومات الاستطلاعية، بدءاً بقيادات سلاح الجو بمنطقة الخليج الى طياري مقاتلات «اف. 15» وانتهاء بقوات العمليات الخاصة على الارض في الاقاليم الافغانية.

الا ان الحرب في افغانستان كشفت عن مشاكل تكنولوجية لا تزال موجودة في عمليات مشاركة المعلومات والقيود الموجودة في اجهزة الاستشعار الحالية والاسلحة المستخدمة ضد الاهداف الواقعة تحت الارض. ويبدو من الواضح ايضاً ان الامر بحاجة الى مزيد من العمل قبل ان تتمكن القوات الاميركية من دمج قوات البحرية والجوية والبرية معاً لمحاربة خصوم غير تقليديين، مثل تنظيم «القاعدة»، مقارنة بالمعارك المخططة.

ومن بين الاعمال الجديدة التي تمت في حرب الارهاب بافغانستان، استخدام القوات الخاصة، وهم عبارة عن فرق ذات تدريبات عالية من قوات «القبعات الخضراء الخاصة» المكلفة بتوجيه سلاح الجو الاميركي والقوات الافغانية المناوئة لحركة طالبان.

وقد قلبت الاستراتيجية الجديدة، رأسا على عقب، الاسلوب التقليدي باستخدام القوة الجوية لدعم قوات برية ضخمة، وبدلا من ذلك استخدمت مجموعات متفرقة من القوات البرية كرأس حربة لمساعدة قوة نارية ضخمة من الجو وتوجيهها.

كما كشفت حرب افغانستان كذلك عن قدرات قوات العمليات الخاصة، ولاسيما فرق «القبعات الخضراء» الذين يدرسون لغات اجنبية، في التعامل مع القوات المحلية في الوقت الذي يبتعدون فيه عن الاضواء، وهي قدرات من المرجح ان تؤدي الى استخدامهم في عمليات اخرى ضد الارهاب.

وبالفعل هناك 160 من افراد القوات الخاصة الاميركية و500 من قوات الدعم في طريقهم الى الفلبين لتقديم النصح والتدريب الى القوات المسلحة الفلبينية لمواجهة مجموعات متشددة ترتبط بتنظيم «القاعدة»، أبرزها مجموعة «أبو سياف» التي اختطفت العديد من السياح الاجانب وقتلت بعضهم.

لكن على الرغم من ان استخدام مجموعات صغيرة من القوات البرية قلل مخاطر إصابة الجنود الاميركيين، فانه كشف عن افتقاد الولايات المتحدة لقوة بشرية خاصة بإغلاق الطرق ومنع تسلل المطلوبين والقبض عليهم. وقد ساعد هذا النقص على ما يبدو في تسلل مئات من مقاتلي «القاعدة» خارج منطقة تورا بورا وتمكن العديد منهم من الفرار الى باكستان.

وكشفت الحملة ايضا ان توفر المعلومات الاستخبارية الاميركية التكنولوجية الملتقطة عبر الاقمار الصناعية لم يعوض النقص في المصادر الاستخبارية البشرية، فهناك حاجة الى مرشدين موالين للمساعدة على تحديد جيوب «القاعدة»، وهي مهمة اصعب بكثير من قصف تمركز قوات طالبان.

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»